أتيحت الفرصة للمحاكم الدولية لاستخدام مقاطع فيديو لمقاتلين متمردين في
السودان يبدو أنهم يمجدون فيها حرق المنازل وتعذيب السجناء لملاحقتهم بتهم ارتكاب
جرائم حرب، وفقا لما قاله مراقبون لصحيفة الغارديان.
وبحسب تقرير للصحيفة تم اتهام مقاتلين من قوات
الدعم السريع٬ وهي مجموعة شبه عسكرية، بشن حملة تطهير عرقي في السودان خلال العام الماضي أثناء محاولتهم السيطرة على البلاد.
ومع اجتياح قوات الدعم السريع للمنطقة الغربية من
دارفور، يبدو أن المقاتلين صوروا ونشروا أدلة على أفعالهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد شاهدت صحيفة "الغارديان" مقاطع تدينهم وتم التحقق منها من قبل مركز متانة المعلومات.
ويقول المراقبون إن اللقطات قد تصبح دليلا لمحققي جرائم الحرب، بعد أن وجهت المحكمة الجنائية الدولية نداء لتقديم أدلة مرئية وصوتية من دارفور العام الماضي.
وقالت أليكسا كونيغ، المشاركة في إنشاء بروتوكول بيركلي، المصمم لإنشاء معيار دولي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحقيق في جرائم الحرب: "الحالة هي أن يدين طرف نفسه. إنه ليس مثل الإقرار بالذنب، ولكنه يشكل بشكل ما جزءا كبيرا من الأحجية التي يتعين على محققي جرائم الحرب تجميعها".
ولقي أكثر من 10 آلاف شخص - معظمهم من جماعة المساليت العرقية الأفريقية - حتفهم في مدينة الجنينة بدارفور خلال فترتين من القتال العنيف في عام 2023.
واكتشف تحقيق للأمم المتحدة لاحقا مقبرة جماعية لعشرات المدنيين من المساليت الذين يُزعم أنهم قُتلوا على يد قوات الدعم السريع.
ويظهر مقطع فيديو تمت مشاركته بواسطة حساب مؤيد لقوات الدعم السريع على منصة إكس في حزيران/ يونيو 2023 أثناء الاستيلاء على المدينة مقاتلا يقف أمام منزل سلطان المساليت قائلا "لم يعد هناك مساليت... العرب فقط".
وفي مقطع فيديو آخر تم تداوله من المدينة بعد أن استولت عليها قوات الدعم السريع، صوره شخص يسير في شوارع فارغة. وهو يصف السكان بالكلاب ويظهر جثثا ملقاة في منتصف الشارع، قائلا إنها تعمل كحواجز طرق.
وفي مقاطع فيديو أخرى من بلدة أرداماتا، بالقرب من الجنينة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، يظهر رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع وهم يحاصرون مجموعات من الناس ويصرخون عليهم بالشتائم.
وفي أحد مقاطع الفيديو، يمسك رجل يرتدي زيا رسميا بالكاميرا وكأنه يلتقط صورة لنفسه بينما يقوم مقاتلون بجواره مباشرة بجلد رجل محتجز وضربه ببندقية.
ويكشف المقطع عن بعض ما يحدث على الأرض في أجزاء من منطقة دارفور في غرب السودان، حيث لم يتمكن الصحفيون والناشطون من توثيق العنف بأمان.
وقال أليساندرو أكورسي، المحلل البارز في منظمة كرايسز غروب غير الحكومية: "نحن في وضع يصور فيه المعتدون أنفسهم، ويعطوننا أدلة على ما يحدث في وقت لا نمتلك فيه الكثير من المعلومات بشكل عام".
وأضاف: "إنهم قادرون على القيام بذلك لأنهم ربما لا يشعرون بالخوف من العواقب ولأن فرصة توجيه الاتهام أكبر بكثير من العقوبة".
وقالت أنوك ثيونيسن، من مشروع "شاهد السودان" التابع لمركز متانة المعلومات، إنهم جمعوا وتحققوا من آلاف اللقطات المفتوحة المصدر حتى الآن لتوفير المعلومات والبيانات للجهود المستقبلية لمحاسبة الجناة.
وهناك سابقة لاستخدام لقطات صورها الجناة. ففي تسعينيات القرن العشرين، صورت الميليشيات شبه العسكرية الصربية المعروفة باسم العقارب نفسها وهي تعدم رجالا وأولادا بوسنيين بالقرب من سربرينيتشا، خلال المذابح التي تم الاعتراف بها على أنها إبادة جماعية.
تم تداول اللقطات على عدد محدود من أشرطة الفيديو، والتي تم تدمير العديد منها لاحقا، لكن بعضها انتهى في أيدي المحامية الصربية لحقوق الإنسان ناتاشا كانديتش بعد بلاغ سمح لها بالحصول عليها واستخدامها في محاكم جرائم الحرب.
وفي الآونة الأخيرة، تسربت لقطات من حي التضامن في العاصمة السورية دمشق، تظهر إعدام مدنيين وهم واقفون في حفرة، من ملفات محفوظة على كمبيوتر محمول لجهاز استخبارات عسكري حكومي.
وقد استخدمت هذه اللقطات في محاولات مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب بموجب الولاية القضائية العالمية ــ وهو المبدأ الذي يسمح بمقاضاة جرائم الحرب في بلدان أخرى غير تلك التي وقعت فيها.
وفي حين واصل أمجد يوسف، المسؤول في الاستخبارات العسكرية الذي ظهر وهو يطلق النار على المعتقلين، عمله من قاعدة عسكرية بالقرب من دمشق، فإن محاكمة أحد مساعديه، الذي تم التعرف عليه في مقاطع الفيديو من قبل شاهد، جارية في ألمانيا منذ أيار/ مايو.
ويقول الخبراء إن لقطات الفظائع تنتشر أحيانا بين مجموعة صغيرة قبل تسريبها، ولكن في بعض الأحيان يتم مشاركتها على نطاق واسع عمدا من أجل ترهيب الضحايا المحتملين في المستقبل.
وقال آدم موسى أوباما من منظمة دعم ضحايا دارفور: "إنهم يفعلون ذلك ليظهروا للناس من هم. إنهم فخورون بأنفسهم وبانتهاكاتهم. إنهم يرسلون رسالة مفادها أنه لا يمكنكم هزيمتنا، فنحن شجعان للغاية، ونعرف كيف نقاتل".
وقوات الدعم السريع هي تشكيلات عسكرية أُنشئت من مليشيا الجنجويد واعتُرف بها رسمياً من قبل الدولة السودانية في عام 2013.
يقود هذه القوات محمد حمدان دقلو، المعروف بلقب "حميدتي". تُكلف قوات الدعم السريع بمهام متعددة تشمل مكافحة حركات التمرد في دارفور غرب السودان، وحراسة الحدود، ومكافحة عمليات التهريب.