رصدت صحيفة "
الغارديان" البريطانية عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي في مدينة
جنين بالضفة الغربية المحتلة بعد عدوان إسرائيلي هو الأوسع والأكثر دموية منذ ما يقرب من 20 عاما.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إنه في بداية الأسبوع، في يوم الأحد الماضي، خنقت حركة المرور وسط مدينة جنين لأول مرة منذ ما يقرب من أسبوعين بعد إصلاح الطرق؛ حيث باع الباعة الجائلون الخوخ وأول رمان الموسم بعدما عادت المدينة ببطء إلى الحياة.
ولكن في بعض الأماكن، لا تزال مياه الصرف الصحي تتدفق عبر الشوارع التي حفرتها الجرافات العسكرية الإسرائيلية. وأظهرت العديد من المباني المحترقة علامات قتال عنيف، والآن أصبحت الطوابق العليا مليئة بثقوب الرصاص والنوافذ المكسورة. وتضررت البنية التحتية للمياه والكهرباء بشدة، وليس من الواضح متى ستتم استعادة هذه الخدمات، وفقا للتقرير.
وقال أبو محمود (61 عاما) الذي افتتح متجره لملابس الأطفال لأول مرة منذ 10 أيام، بعد أن اتضح أن جيش
الاحتلال الإسرائيلي غادر، إن الدمار الذي لحق بأجزاء كبيرة من البلدة كان غير مسبوق.
وأضاف خلال حديثه للصحيف البريطانية، مشيرا إلى الانتفاضة
الفلسطينية الدموية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي كانت جنين خلالها في المركز: "حتى في الانتفاضة الثانية لم يكن الأمر كذلك، لم يدمروا الطرق والشوارع ويذهبوا من منزل إلى منزل".
وتابع: "شباب البلدة يقاتلون الاحتلال، نعم، لأنهم لا يستطيعون العثور على عمل ولا يرون مستقبلا. لكننا لم نبدأ هذا. الإسرائيليون فرضوا هذا علينا".
وأشار التقرير إلى أنه "في الساعات الأولى من صباح 28 آب/ أغسطس، نزل مئات الجنود الإسرائيليين والشرطة وعناصر المخابرات إلى جنين وطولكرم ونابلس وطوباس وقلقيلية في شمال
الضفة الغربية كجزء مما أطلق عليه الجيش الإسرائيلي عملية المخيمات الصيفية، مستخدما ما أسمته الأمم المتحدة تكتيكات حربية مميتة".
وتأججت أعمال العنف في الضفة الغربية بسبب تصرفات المستوطنين اليمينيين المتطرفين وأنصارهم في الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفقا للصحيفة.
حتى الآن، ركزت المداهمات الإسرائيلية بشكل أساسي على مخيمات اللاجئين الحضرية، بما في ذلك المخيم في جنين، الذي تم بناؤه لإيواء الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم بعد إنشاء "إسرائيل" عام 1948. واليوم تشبه المخيمات الأحياء الفقيرة المبنية بكثافة والتي تفتقر إلى الخدمات، حيث ينتشر الفقر والجريمة والتشدد.
وأشار التقرير، إلى "تدهور الوضع المتدهور أصلا في الضفة الغربية بشكل كبير منذ اندلاع الحرب على غزة: فقد شنت عملية المخيمات الصيفية فورا تقريبا بعد أن قرر الجيش الإسرائيلي ترقية وضع المنطقة إلى جبهة ثانوية".
وكان الهجوم الإسرائيلي هو الأكبر في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول، وببعض المقاييس كان الأكبر في المنطقة منذ انتهت الانتفاضة الثانية في عام 2005.
وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، فقد استشهد 36 شخصا خلال الاقتحامات في الضفة الغربية، بما في ذلك 21 في جنين، دون التمييز بين القتلى من المسلحين والمدنيين. وقالت الوزارة إن ثمانية أطفال واثنين من كبار السن من بين الشهداء. وقال نضال أبو صالح، رئيس بلدية جنين، إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 13 مليون دولار.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن "الجيل الجديد من المقاتلين المتمركزين في المخيمات لا ينتمون إلا إلى الفصائل الفلسطينية التقليدية: وبدلا من ذلك، قال العديد ممن تحدثت إليهم الغارديان إنهم سيقاتلون تحت لواء أي مجموعة قادرة على تسليحهم وتمويلهم".
وقال أبو محمود: "تخيل أنك شاب هنا: لا يوجد عمل، ولا بديل سوى المقاومة. لقد فقد سبعة أشخاص أعرفهم طفلين على الأقل.. لا تميز إسرائيل بين الفصائل. وبشكل ما لا نميز نحن أيضا. فكلنا جنين معا".
وصف سكان المدينة والمخيم الظروف المروعة أثناء الغارة، حيث حوصر حوالي 20 ألف شخص في منازلهم بدون ماء أو كهرباء وقليل من الطعام. وأوقف جنود الاحتلال سيارات الإسعاف التي كانت تجلي الجرحى بحثا عن مقاومين.
تعيش خُلد عامر، وهي معلمة تبلغ من العمر 39 عاما، وزوجها، وهو موظف حكومي، مع أطفالهما الأربعة في مبنى حديث من خمسة طوابق على بعد شارع واحد من المخيم. منذ عام 2022، استخدم الجنود الإسرائليون سقفهم بانتظام كموقع للقنص، وفقا للتقرير.
في عام 2023، أجبرت قوات الاحتلال جميع الأشخاص الخمسين الذين يعيشون في المبنى على البقاء في غرفة واحدة لمدة 12 ساعة بدون طعام أو ماء، ومنذ ذلك الحين تفر معظم العائلات الآن إلى منازل الأقارب عندما يدركون أن الجيش قادم. إذا بقوا، يجبرهم الجنود على الخروج على أي حال.
عادت خُلد عامر وعائلتها إلى شقتهم هذه المرة ليجدوا أجهزة كمبيوتر محمولة محطمة ومرحاضا مسدودا وباب شرفة مكسورا. وقالت: "لا بد أنه كانت هناك جندية أو أكثر، لأنه من الواضح أنهم كانوا يستخدمون الشامبو ومستحضرات التجميل الخاصة بي. كان هناك شعر أشقر في فرشاة شعري. إنه شيء تافه، قطرة في البحر مقارنة بما يمر به الناس في غزة. لكن لا ينبغي أن يحدث هذا على أي حال".
إنها تحاول بيع الشقة والانتقال إلى قرية أصهارها من أجل الأطفال، ولكن ليس من المستغرب أن لا يوجد مشترون. قالت: "كانت الشقة 400 ألف شيكل (81 ألف جنيه إسترليني) وبقي لدينا سبع سنوات على الرهن العقاري. لكننا سنكون محظوظين إذا بعناها بنصف هذا المبلغ".
ومن المأمول، بحسب التقرير، أن يساعد وقف إطلاق النار في غزة كثيرا في تهدئة التوترات في الضفة الغربية، ولكن على الرغم من الجهود المتجددة للوسطاء الدوليين، فلا يبدو أن الهدنة واتفاق إطلاق سراح الرهائن في الأفق.
بدلا من ذلك، يستعد سكان جنين للأسوأ. وقال قاسم الحاج (18 عاما) وهو يتفقد الأضرار التي لحقت بمنزله في حرارة منتصف النهار الشديدة، بينما كانت مياه الصرف الصحي تملأ حذاءه، إنه لا يعتقد أن عملية المخيمات الصيفية قد حققت أهدافها. وأضاف: "جيلا بعد جيل، ستصمد المقاومة وتصبح أقوى".