أكد الأدميرال البحري الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس على مدى أهمية
الأنفاق التي استخدمتها
حماس في المواجهة مع "إسرائيل" باعتبارها مركز الثقل العسكري، وكيف يمكن لهذه الاستراتيجيات غير التقليدية أن تُشكل نموذجًا لِصراعات مستقبلية في مناطق أخرى.
وقال الأدميرال ستافريديس في مقال نشره عبر موقع "
بلومبرغ" إنه "بعد مرور سنة على الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حماس، أصبح من الواضح أن مركز الثقل العسكري لحماس ليس الصواريخ أو القوة البشرية بل الأنفاق التي يزيد طولها عن 400 ميل تحت قطاع غزة، فمن تلك الأنفاق، تمكّنت حماس من تدريب وتجهيز وتنظيم وشن الهجمات التي وقعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر".
وذكر أن جيش الاحتلال نشر علنا كتيّبا يعود لحماس صودر في سنة 2019، يوضّح بالتفصيل كيف سعت الحركة إلى تعظيم قوة فتك الأنفاق التي بنتها بشق الأنفس تحت الأرض وبعيدا عن الأنظار.. ودربت الحركة قواتها على القتال في بيئة تحت أرضية في الظلام باستخدام نظارات الرؤية الليلية، وضبط التوقيت في أجزاء من الثانية، وأجهزة تعقب نظام تحديد المواقع العالمي، والتمويه المتقن، وأبواب واقية من الانفجارات. وتمكنت قوات حماس من خلق ساحة معركة مختلفة تماما عن القتال التقليدي فوق سطح الأرض.
وحسب الكاتب من السهل الاعتقاد أن "حماس فعلت ذلك في لحظة من الإبداع الفريد من نوعه، وأننا نشهد ظهور أسلوب جديد في الحرب، لكن استخدام الأنفاق في الحرب له تاريخ طويل في الواقع.. والسؤال المطروح اليوم هو كيف يمكن لظهور التقنيات المتطورة أن يعزز هذا الأسلوب القديم في القتال، مما يضع المخططين العسكريين أمام تحديات جديدة حول العالم. وأين توجد مجمعات الأنفاق المميتة الأخرى؟ وما الذي يجب أن تفعله
الولايات المتحدة وحلفاؤها للاستعداد؟".
واعتبر: "قام المهندسون العسكريون ببناء مجمعات الأنفاق على مر القرون منذ الجيوش اليونانية والرومانية القديمة. ومن المفارقات أن الحفريات الأخيرة وجدت أن المتمردين اليهود في الضفة استخدموا مئات الأميال من الأنفاق التي تربط بين القرى في ثورتهم ضد الرومان قبل ألفي سنة. واستخدم كل من الصينيين القدماء والأتراك العثمانيين مجمعات الأنفاق، لا سيما في المدن الواقعة تحت الحصار".
وقد لعبت الأنفاق دورًا مهمًا أيضًا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، زرعت قوات الحلفاء ألغامًا متفجرة قوية تحت الخطوط الألمانية. وفي الحرب العالمية الثانية، قام الجيش الإمبراطوري الياباني ببناء مجمعات أنفاق كثيفة في العديد من الجزر التي سعى للاحتفاظ بها في مواجهة القوات الأمريكية الغازية. وقد وجد اليابانيون أن بإمكانهم مضاعفة مستوى خسائر العدو من خلال الدفاع من داخل الأنفاق بدلاً من محاولة صد الهجمات على الشواطئ. في إيو جيما، أدى استخدام مجمعات الأنفاق إلى سقوط 27 ألف ضحية أمريكية، من بينهم حوالي سبعة آلاف قتيل.
ويرى الكاتب أنه ربما تكون أكثر أنظمة الأنفاق إتقانًا المخصصة للحرب اليوم هي الموجودة في كوريا الشمالية، فهي أنفاق مدفونة بعمق، وربما تكون منيعة حتى أمام أكبر القنابل التقليدية أو الضربات الصاروخية.
وتجري القوات الأمريكية والكورية الجنوبية تدريبات مكثفة تهدف إلى دخول هذه المجمعات وتدميرها في نهاية المطاف، وتعتبر أنفاق كوريا الشمالية أكبر بكثير وأفضل دفاعا ومليئة بأسلحة أكثر تطورا بكثير من تلك الموجودة في غزة.
وأورد الكاتب أن "الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي يملكون مجمعات أنفاق خاصة بهم أيضًا. فمجمع جبل شايان في كولورادو، الذي تديره القوات الفضائية الأمريكية، يعد مخبأً دفاعيًا ضخمًا محصنًا ضد الضربات النووية في قلب قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية. وعندما كنت القائد الأعلى لقوات حلف الناتو، كان لدينا نسخة أصغر من مجمع جبل شايان بالقرب من مقر قيادتي في مونس ببلجيكا".
وأوضح: "تختلف هذه المنشآت اختلافًا جوهريًا عن مجمعات الأنفاق الخاصة بحماس وكوريا الشمالية وإيران وتورا بورا في أفغانستان، التي كانت مخبأ تنظيم القاعدة في السابق وتسيطر عليها الآن حركة طالبان. وتدّعي روسيا أنها استخدمت أنظمة الأنفاق للتسلل خلف الخطوط الأوكرانية لشن هجمات مفاجئة. والمجمعات التي تديرها الدول المارقة والجماعات المسلحة هدفها الأساسي هو التحصن ضد الاستخبارات الغربية والضربات العسكرية التقليدية".
وقال إن الدروس التي يمكن أن يتعلمها مخططو الحرب من صراع جيش الاحتلال للسيطرة على متاهة حماس من الأنفاق تحت الأرضية أنه يجب على أنظمة الاستخبارات التقليدية أن تركز بشكل أكبر على أنظمة الأنفاق في إيران وكوريا الشمالية والجماعات المسلحة. ويجب على الوسائل التقنية والاستخبارات البشرية تسليط المزيد من الضوء على ما يحدث في الظلام.
وأشار الكاتب إلى أن القوات الأمريكية وحلفاءها سيحتاجون إلى تجهيزات أفضل للعمليات القتالية تحت الأرض: التدريب على تدمير شبكات الأنفاق ذات الحجم الكبير؛ والتكامل الهندسي مع الوحدات القتالية بحيث لا يقتصر على الوسائل المتفجرة فحسب بل يشمل على سبيل المثال إغراق الأنفاق بالمياه؛ والتدرب على استخدام أجهزة الرؤية الليلية في الأماكن الضيقة للغاية؛ واستخدام القوات الخاصة كقوات صدمة تحت الأرض (على غرار "فئران الأنفاق" في فيتنام)؛ والاستعداد النفسي للحرب تحت الأرض المختلفة تمامًا عن العمليات فوق الأرض.
من الدروس الرئيسية الأخرى المستفادة من غزة حسب الكاتب، هو الحاجة إلى تطبيق تقنيات جديدة. وتشمل هذه التقنيات أنظمة استخباراتية يمكنها الكشف عن مجمعات الأنفاق وقياسها من الفضاء أو باستخدام طائرات مسيرة طويلة المدى. (ومن المحتمل أن يشمل ذلك تكنولوجيا فائقة الطيفية - بالتصوير عالي الدقة القائم على المعلومات عبر الطيف الكهرومغناطيسي - لرؤية حركة الأرض أثناء توسيع الأنفاق).
وذكر أنه من الضروري أيضًا وجود قدرات غير بشرية فوق الأرض - قدرات الكشف الصوتي والأشعة تحت الحمراء والضوء - التي يمكن أن تعمل قبل القوات البشرية لتقليل الخسائر البشرية. سيكون من المفيد إيجاد طرق جديدة لجعل الحياة تحت الأرض غير مستساغة: تقليل الهواء والماء على سبيل المثال، أو عن طريق خلق أبخرة كريهة.
ومن الواضح أن وجود عشرات الرهائن الأسرى الإسرائيليين في غزة يجعل استخدام كل هذه الوسائل أصعب بكثير، لذا لا بد من الاستعداد لاستفادة الخصوم الآخرين من كتاب حماس وبدأ الصراعات باختطاف عدد كبير من المدنيين أو العسكريين. إن بذل كل ما في وسعنا لنكون مستعدين لعمليات "القتل والخطف" أمر بالغ الأهمية.
وفي الختام، أكد الكاتب أن حرب الأنفاق مرعبة، والاستعداد للمزيد منها سيكون للأسف عنصرًا حاسمًا في ساحة المعركة في القرن الحادي والعشرين، ولقد أصبحت الغواصات مفترسات رفيعة المستوى لأول مرة في الحرب العالمية الأولى بسبب قدرتها على الغوص تحت الأمواج والظهور على السطح لجمع المعلومات الاستخباراتية والقتل، وستفكر الجماعات المسلحة والدول المارقة بشكل متزايد في كيفية القيام بنفس الشيء من تحت سطح الأرض.