لاقى قرار المجلس الرئاسي الليبي الأخير بخصوص
إقالة محافظ المصرف المركزي ردود فعل محلية ودولية وسط تساؤلات عن تداعيات الخطوة
سياسيا واقتصاديا.
وأصدر المجلس الرئاسي مجتمعا قرارا بإقالة
المحافظ الحالي "الصديق الكبير" وتكليف "محمد الشكري" بدلا
منه وذلك استنادا على قرار مجلس النواب رقم (3) لسنة 2018، والذي ينص على تشكيل
مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي وتكليف محافظ له.
"إلغاء ورفض"
وبعد هذا القرار سارع مجلس النواب ورئيسه،
عقيلة صالح، إلى عقد جلسة عاجلة قرر فيها إلغاء قرار تكليف الشكري والإبقاء على
"الصديق الكبير" محافظا للمصرف المركزي على أن يتم تشكيل مجلس إدارة
جديد خلال 10 أيام من القرار.
وأكد البرلمان رفضه لقرار المجلس الرئاسي
متهما إياه بمخالفة المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي، التي تحصر صلاحية تعيين أو
إعفاء محافظ المصرف المركزي بين مجلسي النواب والدولة كونه من المناصب السيادية.
لكن الرئاسي أصر على موقفه وكلف لجنة لاستلام
مقر المصرف المركزي وتمكين الشكري من منصبه حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة، في
حين رفض الصديق الكبير إقالته وأغلق مقر المصرف ومنح الموظفين إجازة مفتوحة وعطل
المنظومة المصرفية وأغلق منظومة المقاصة ما أدخل البلاد في حالة شلل.
"دور حفتر"
وذكرت مصادر مطلعة من المجلس الأعلى للدولة
لـ"عربي21" أن "سبب خطوة الرئاسي بإقالة الصديق الكبير جاءت بالتنسيق مع
حكومة الدبيبة بسبب قرارات المحافظ منع تسييل أي ميزانية للحكومة المتواجدة في
طرابلس ومنحه ملايين الدولارات للحكومة في الشرق وكذلك لقوات حفتر كرواتب للجنود
والقادة، ما أغضب الرئاسي والحكومة واتفقا على الإطاحة به".
ولوحظ مؤخرا تقارب وتنسيق واسع بين الصديق
الكبير ومعسكر الشرق الليبي يتصدره رئيس البرلمان، عقيلة صالح ورئيس صندوق إعمار
ليبيا، بلقاسم حفتر وتسييل المصرف المركزي ملايين الدولارات لدعم مشروعات في الشرق
ودفع رواتب جيش حفتر.
رد فعل دولي
من جهتها، قالت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم
المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري إن "الأفعال أحادية الجانب من قبل
الجهات السياسية والعسكرية والأمنية الليبية تؤدي إلى زيادة التوتر وترسيخ
الانقسامات المؤسسية والسياسية وتعقيد الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي
تفاوضي".
وأكدت خلال إحاطتها الثانية أمام مجلس الأمن أن
"المحاولات أحادية الجانب لإقالة محافظ
البنك المركزي تقابل بمحاولات معاكسة
لإبقائه، كما تقابل محاولات إقالة رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة وحكومته
بمحاولات لإبقائه"، وفق قولها.
فما تداعيات إقالة "الصديق الكبير"
وأزمة انقسام المصرف المركزي سياسيا واقتصاديا وأمنيا؟
"مخالف للقانون ولن
ينفذ"
وأكد عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب
الليبي، صالح فحيمة أنه "وفقا للقانون الليبي رقم 1 سنة 2005 والذي تنص
المادة رقم 17 منه على أن محافظ المصرف المركزي ونائبه يتم انتخابهم من قبل السلطة
التشريعية لمدة خمس سنوات وبقية الأعضاء الخمسة الآخرين تكون مدة ولايتهم ثلاث
سنوات قابلة للتجديد ويتم تسميتهم من قبل رئيس البرلمان بالتشاور مع المحافظ
ونائبه".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21" أنه
"تأسيسا على ما سبق ذكره فإن القرار الصادر عن المجلس الرئاسي هو قرار معدوم
وفقا للتشريعات الليبية النافذة لأنه صادر عن غير مختص وكون تسمية المحافظ أو
إقالته هي من صلاحيات مجلسي النواب والدولة وفقا للاتفاق السياسي الليبي"،
بحسب تصريحه.
وتابع البرلماني الليبي: "وبالتالي فإن
القرار الصادر عن المجلس الرئاسي بخصوص إقالة محافظ المصرف المركزي هو قرار مخالف
للتشريعات الليبية وهو قرار سياسي يعلم من أصدره عدم إمكانية تنفيذه".
"معركة تسبق
الحرب"
في حين رأى الكاتب والمحلل السياسي الليبي،
محمد بويصير، أن "الصديق الكبير هو الحاكم الفعلي لليبيا فهو مفتاح الخزنة
وحارسها، لكنه أيضا يستعملها فى المناورة السياسية من أجل البقاء ومعركة تغييره هي
خطوة تسبق المعركة الأكبر بقوة السلاح التي أتوقع أن تشهدها ليبيا قبل نهاية العام
الجاري".
وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن
"خطوة المجلس الرئاسي وما تبعها من ردود فعل من البرلمان والقوى الأخرى ستعمل
على مزيد من الانشقاقات والتصدع الذي وصل إلى حد هدم البنية المؤسسية فى ليبيا،
كون البلاد تعيش طبقا لوعي "الشخصنة" القائم على تطلعات مريضة وفاسدة،
وهي ما يلعب على المسرح الليبي الآن"، وفق تعبيره.
وبخصوص الموقف الدولي من الأزمة قال بويصير:
"المجتمع الدولى يريد الاستقرار فى ليبيا حتى لو في ظل الاستبداد، خاصة أن
الليبيين لم يظهروا أي رغبة حقيقية أو فهم لموضوع الحكومة التى يختارها الشعب
للشعب وبالشعب، فالليبيون في الحقيقة أغلبهم ثاروا ضد القذافي وليس ضد الاستبداد،
لذلك لا بواكي من المجتمع الدولي على الديمقراطية وسيادة القانون فى ليبيا"،
كما صرح.
"خطوة صحيحة والكبير
سيرحل"
عضو التجمع السياسي للجنوب الليبي، وسام عبدالكبير
قال من جانبه إن "الأمور ستحسم لمحافظ المصرف المركزي الجديد وسيدير المؤسسة
من مقرها الرئيسي في طرابلس، والصديق الكبير سيرحل، فقد ظل حاكما للمصرف قرابة الـ
12 عاما بقوة الأمر الواقع، وعندما تمترس خلف شرعية مجلس النواب سقط".
وأوضح أن "صراع المصرف المركزي هي معركة
كسر عظام بين الأطراف السياسية الرئيسية وحلفائهم من الأطراف الدولية ولا دخل
لحكومة الدبيبة في الأمر لأن صراعها مع المحافظ يختلف عن الرئاسي كون الخلاف مع
الأخير يعود إلى عدم تعاطي الصديق الكبير مع اللجنة المالية العليا التي يرأسها
المنفي"، كما قال لـ"عربي21".
"دور الدبيبة في
الأزمة"
لكن الأكاديمي والباحث الليبي، عماد الهصك، رأى
أن "القرار هو محاولة لانتزاع ورقة ضغط فعالة تحصل عليها "عقيلة
صالح" وهي ورقة المصرف المركزي من خلال تحالفه مع الكبير مؤخرًا، أما دور
الدبيبة فهو واضح في الأزمة كون التحالف بينه وبين الرئاسي ثابت ومؤكد لإنهاء
ولاية الصديق الكبير بعدما قام هذا الأخير بتحجيم الإنفاق الحكومي للدبيبة الذي
اعتاد شراء الذمم"، بحسب قوله.
واستدرك قائلا: "الإطاحة بالكبير ليست
مهمة سهلة، لأنه مرتبط بعلاقات وثيقة مع حلفاء دوليين، ومدعوم من قوة محلية ليست
بالقليلة مثل البرلمان والقيادة العامة للجيش والمجلس الأعلى للدولة برئاسة
المشري، لكنه لن ينقل إدارة المركزي إلى الشرق الليبي لأن هذا يقلل من فاعلية
المركزي بترك مقره الرئيسي في طرابلس ويفسح المجال لسيطرة خصومه عليه".
وأضاف لـ"عربي21": "ستؤثر هذه
المعركة على الاقتصاد الوطني خاصة إذا طال أمدها، وسيتدنى سعر صرف الدينار في
السوق الموازية، وأعتقد أنها معركة لن تطول لأنها ليست من صالح أحد وسيضع لها
المجتمع الدولي حدا في أقرب الآجال"، وفق تقديراته.