نشرت صحيفة "
لاكروا" الفرنسية، تقريرًا، تحدّثت فيه عن مدى احتمال أن يتسع الصراع في
غزة ليشمل
الشرق الأوسط بأسره؛ حيث تصاعدت التوترات الإقليمية مع اغتيال قادة حماس وحزب الله، ما يثير مخاوف من نزاع إقليمي واسع.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الحرب على
قطاع غزة أثارت مخاوف من اندلاع حريق في الشرق الأوسط، حيث تزايدت التوترات في أعقاب اغتيال قادة حماس وحزب الله، الحركتين المتحالفتين مع إيران. ومن الممكن أن يتسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي اندلع من جديد منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في نشوب حرب إقليمية كبرى.
وتساءلت
الصحيفة: هل يمكن للحرب على غزة أن تدفع الشرق الأوسط إلى أزمة أوسع؟ مبينة أنّه في حين أن الصراع محتدم منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في القطاع الفلسطيني، بعد عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد تصاعدت التوترات الإقليمية منذ اغتيال إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب السابق، واغتيال فؤاد شكر، وهو قيادي عسكري في حزب الله اللبناني الذي قُتل في اليوم السابق لاغتيال هنية في ضربة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في بيروت.
وتعمل طهران والجماعات المتحالفة معها في الشرق الأوسط معًا على رد منسق ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد يثير هذا حربا مفتوحة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وإيران و"وكلائها" من جهة أخرى. ومن جهتها، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها إيجاد حل دبلوماسي، في حين باءت محاولات الوساطة المختلفة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بالفشل حتى الآن.
إيران و الاحتلال الإسرائيلي.. الحليفتان الوثيقتان في العام الماضي
كان هناك وقت كانت فيه إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي حليفتين وثيقتين وتتبادلان النفط والأسلحة والمنتجات الزراعية. وفي سنة 1950، بعد سنتين من إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، كانت إيران، التي كانت آنذاك حليفة رئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ثاني دولة إسلامية تعترف بالدولة الجديدة.
وبعد الثورة الإسلامية سنة 1979، توقّفت العلاقات الرسمية، ولكن خلف الكواليس واصلت الدولتان تبادلاتهما التجارية. أما في العلن، فكان الخطاب مختلفًا تمامًا، وبعد أن قرّر آية الله الخميني تصنيف الولايات المتحدة على أنها "الشيطان الأكبر"، أصبحت دولة الاحتلال الإسرائيلي "الشيطان الأصغر". كما تلتزم طهران بدعم القضية الفلسطينية، وتوقفت عن الاعتراف بالدولة اليهودية، التي توصف بـ"النظام الصهيوني" في وثائقها الرسمية.
وفي سنة 1982، شاركت إيران في إنشاء حزب الله بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان، ويمثل هذا الحدث نقطة تحوّل في العلاقات بين البلدين؛ حيث اتّهم حزب الله بعد ذلك بسلسلة من الهجمات القاتلة ضد مصالح الاحتلال الإسرائيلي في الخارج، دون أن يعترف بمسؤوليته على الإطلاق.
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر، لعب الحزب دورًا رائدًا في الإستراتيجية الإيرانية، لا سيما من خلال الهجمات الصاروخية، وأجبر الاحتلال الإسرائيلي على إجلاء عشرات الآلاف من السكان من شمال دولة الاحتلال الإسرائيلي.
"وكلاء" إيران
وتابعت
الصحيفة بأنه بالإضافة إلى حزب الله، يمكن لإيران الاعتماد على الحوثيين في اليمن، وحماس في غزة، والمقاومة الإسلامية في العراق، وقوات الدفاع الوطني في سوريا، والعديد من الحركات الأخرى. وكل هذه الجماعات، التي تموّلها طهران جزئيًّا، وترسل إليها الأسلحة، تشكل ما يُعرف "بمحور المقاومة".
وفي اليمن، قام الحوثيون، على الرغم من أنّهم على بعد أكثر من 2000 كيلومتر، بضرب أراضي الاحتلال الإسرائيلي عبر استخدام طائرات مسيرة، وكثفوا من هجماتهم ضد السفن التجارية التي تبحر في البحر الأحمر. وفي العراق، هاجمت المليشيات الشيعية القواعد الأمريكية، التي تعتبر الداعم الرئيسي لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبيّنت الصحيفة أن فؤاد شكر، وهو القائد العسكري لحزب الله اللبناني الذي استشهد في غارة للاحتلال الإسرائيلي في 30 تموز/ يوليو، اتُهم بأنه أحد العقول المدبرة وراء تصنيع إيران للصواريخ الدقيقة.
إيران موردة الأسلحة لحماس
ووفقًا لصحيفة التايمز البريطانية، فقد دفعت إيران 230 مليون يورو لحماس منذ سنة 2014. وإذا نفى آية الله خامنئي تورّط بلاده في عمليات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد أشاد بعملية حماس. وفي ذلك الوقت، أعلن الرئيس، إبراهيم رئيسي، أن "إيران تدعم الدفاع المشروع عن النفس للشعب الفلسطيني".
وقد دعمت طهران حماس لعدة سنوات، ولا سيما من خلال تزويدها بصورة منتظمة بترسانة الأسلحة. ويقول أبو إبراهيم، وهو قائد وحدة الإنتاج الحربي آنذاك في كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، في تقرير لقناة الجزيرة، في آب/ أغسطس إن "الأسلحة تصل إلينا عن طريق البر أو البحر. ولقد وصلت مجموعة واسعة من الأسلحة من إيران".
وتقوم إيران أيضا بنقل التقنيات التي تمكن حماس حاليًّا من تصنيع جزء من أسلحتها. وتشير إحدى الدراسات التي أجراها مركز القدس للشؤون العامة ونشرت في آب/ أغسطس 2021 إلى أن المنظمة "تقوم بتطوير طائرات المسيرة والمركبات تحت الماء غير المأهولة، وتنخرط في الحرب السيبرانية، وهي على استعداد للانتقال من الصواريخ غير الموجهة إلى طائرات المسيرة وصواريخ دقيقة موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي".
وأوردت الصحيفة أن تورط وقوة ضربات كل هذه الحركات يثير مخاوف المجتمع الدولي من نشوب صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط. لكن إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من وجود صراع بينهما لسنوات عديدة، لم تصلا قط إلى نقطة الحرب المفتوحة.
من جهة أخرى، حسب دراسة نشرها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري) سنة 2020، تتبع إيران "إستراتيجية غير مباشرة وتخريبية تسمح لها بتنفيذ أعمال هجومية مع الاستفادة من الإنكار المعقول لمسؤولياتها، وبالتالي تجنب التصعيد الخطير". وبهذه الطريقة، فإن الوكلاء الذين يسبّبون الكثير من القلق يمكنهم في الواقع منع اندلاع صراع أوسع نطاقًا في المنطقة.
هل الاحتلال الإسرائيلي وإيران قوتان نوويتان؟
تتّهم دولة الاحتلال الإسرائيلي، إيران، بانتظام – التي تنفي ذلك – بالرغبة في امتلاك قنبلة ذرية وتقول إنها تسعى بكل الوسائل لمنع ذلك. من جانبها، تُعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلي قوّة نووية، لكنها مستمرة في الحفاظ على مبدأ الغموض، ولذلك لم تؤكد ولم تنف قط قدرتها على استخدام الذرة لأغراض عسكرية.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه كثيرًا ما تثير دولة الاحتلال الإسرائيلي إمكانية شنّ هجوم لوضع حد لبرنامج إيران النووي، كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي متّهمة بعدة عمليات اغتيال لعلماء نوويين إيرانيين منذ بداية سنة 2010.