خرجت مجموعات صغيرة من
الفلسطينيين في عدد من مدن
الضفة الغربية في اليوم الذي اغتيل فيه رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل
هنية في إيران للاحتجاج، وهتف بعضهم بشعارات مؤيدة لحركة حماس، ولوحوا بالأعلام التابعة لها، في سابقة نادرة.
وقالت صحيفة "
نيويورك تايمز" في تقرير لمراسلتها رجا عبد الرحيم: إن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، أدان اغتيال هنية في 31 تموز/ يوليو.
وأمرت السلطة الفلسطينية، الخصم السياسي لحماس، بتنكيس الأعلام، ودعت إلى يوم من الإضرابات وإغلاق الأعمال التجارية، بينما اجتذبت جنازة هنية زعماء سياسيين من جميع أنحاء الضفة.
وذكرت الصحيفة أن "هذا التدفق من التعاطف كان ملحوظا؛ لأن الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية، على النقيض من
غزة التي سيطرت عليها حماس طيلة أغلب العقدين الماضيين، تهيمن عليها حركة فتح".
وأضافت أن "السلطة الفلسطينية أظهرت عموما قدرا ضئيلا من التسامح مع مثل هذه المظاهر العلنية لدعم الجماعات المسلحة في الماضي، بل إنها استخدمت القوة في بعض الأحيان لتفريقها".
وأوضحت أنه "في الأشهر العشرة التي مرت منذ الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقدت السلطة الفلسطينية الدعم لصالح فصائل مثل حماس التي تفضل الكفاح المسلح وتقاتل إسرائيل بنشاط، وفقا لاستطلاع رأي أجراه مؤخرا المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. وفي الوقت نفسه، تصاعدت الغارات الإسرائيلية القاتلة والهجمات التي يشنها المستوطنون اليهود على الفلسطينيين في الضفة الغربية".
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن "هذه الغارات تهدف إلى منع جبهة ثانية من الانفتاح في الضفة الغربية، في حين تستمر الحرب في غزة. كما تتهم إسرائيل بعض الجماعات المسلحة في الضفة الغربية بالتخطيط لهجمات ضدها".
وتقول تهاني مصطفى، المحللة البارزة في شؤون فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية، "إن السلطة الفلسطينية تقرأ الأجواء الآن". وأضافت: "إذا ما قرروا فرض قيود صارمة على أنصار حماس، فإن ذلك سيكون كارثيا بكل المقاييس".
وقالت تهاني مصطفى إن "السلطة الفلسطينية تدرك أنها تفتقد الشعبية إلى حد كبير، وهو ما أثبتته استطلاعات الرأي المتوالية، خاصة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر"، مضيفة أن قمع مظاهر الدعم لحماس خلال فترة الحداد على زعيم ربما يكون أكثر شعبية من عباس "سيكون بمثابة انتحار سياسي".
وبينت الصحيفة أن النهج الذي اتبعته السلطة الفلسطينية في التعامل مع المظاهرات الأسبوع الماضي يشير إلى "عملية توازن سياسي من جانب السلطة الفلسطينية، التي عانت من انخفاض معدلات التأييد وأزمة الشرعية، في حين اكتسبت حماس -التي صنفتها الولايات المتحدة وإسرائيل كجماعة إرهابية- مؤيدين"، على حد وصفها.
واغتيل هنية الأسبوع الماضي في دار الضيافة التي كان يقيم فيها في طهران، حيث كان يزورها لحضور تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وحمل المسؤولون الإيرانيون وحركة حماس "إسرائيل" المسؤولية، وهو التقييم الذي توصل إليه أيضا العديد من المسؤولين الأمريكيين، بينما لم يعلن الاحتلال مسؤوليته علنا.
وتقول ديانا بوتو، المحامية والمستشارة القانونية السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الفلسطينيين على المستوى الدولي وتهيمن عليها حركة فتح، إن "اغتيال الزعماء السياسيين الفلسطينيين هو أمر ستتحدث عنه السلطة الفلسطينية".
وأضافت أن التسامح مع التعبير عن التعاطف مع حماس "هو وسيلة للسماح للناس بالتعبير عن مشاعرهم والتعبير عن غضبهم. لكنني أعتقد أيضا أن هذا أمر يحزنهم حقا. إنه جزء من تاريخ إسرائيل في اغتيال قادتنا".
لقد أدت الهوة السياسية بين حماس والسلطة الفلسطينية إلى انقسام الفلسطينيين لما يقرب من عقدين من الزمان، حيث حاول كل منهما وضع نفسه كزعيم شرعي.
وقالت الصحيفة إنه "في عام 2006 خسرت فتح الانتخابات التشريعية أمام حماس، وفي العام التالي، هزم مقاتلو حماس قوات الأمن التابعة لفتح في قطاع غزة، واستولوا بالقوة على حكم المنطقة".
وعلى مر السنين منذ ذلك الحين، فشلت الجهود المتعددة للمصالحة بين الفصائل المتنافسة.
ولكن في الشهر الماضي، وفي عرض غير عادي للوحدة، وقعت فتح وحماس بيانا مشتركا في بكين. ورغم أنه من الواضح أن حرب غزة المطولة والأسئلة حول من سيحكم غزة بعد الحرب جعلت الوحدة الفلسطينية أكثر إلحاحا، فإن هناك القليل من الدلائل الأخرى على أن الفصائل تعمل بالفعل على سد خلافاتها، بحسب الصحيفة.
ويدعم البيان المشترك، الذي وقعته أيضا فصائل فلسطينية أصغر أخرى، تشكيل حكومة مؤقتة لغزة والضفة الغربية، وجاء فيه أن الحكومة الجديدة يجب أن تبدأ العمل على توحيد المؤسسات الفلسطينية في كلتا المنطقتين، وإعادة بناء غزة، والتحضير للانتخابات الوطنية.
وقالت إدارة بايدن مرارا وتكرارا إن السلطة الفلسطينية المجددة يجب أن تلعب دورا في غزة بعد الحرب.
لكن حتى أولئك الفلسطينيين الذين رأوا التطور في بكين بقدر من الأمل لديهم توقعات منخفضة، حيث أسفرت المحاولات السابقة للتوسط في الوحدة أيضا عن بيانات واتفاقيات مشتركة دون أي تقدم دائم، بحسب الصحيفة.
وذكرت أنه "لطالما انتقد بعض الفلسطينيين السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية، التي ساعدت بهدوء وكالات الاستخبارات الإسرائيلية في استهداف الفلسطينيين المتهمين من قبل إسرائيل بالنشاط المسلح، بما في ذلك أعضاء حماس".
وأضافت: "يزعم المنتقدون أن هذه المؤسسات أصبحت أكثر من مجرد مقاولين من الباطن لقوة احتلال، تمارس السيطرة الاستبدادية، وفي بعض الأحيان، تقمع المعارضة بعنف".
وقالت تهاني مصطفى إن المزاج الكئيب الذي ساد بين العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية في اليوم الذي قُتل فيه هنية، كان دليلا على الدعم المتزايد لحماس.
وفي مقطع فيديو لاحتجاج في مدينة جنين بالضفة الغربية ليلة 31 تموز/ يوليو، صاح رجل فلسطيني قائلا: "نحن من أرض جنين، نؤكد أننا جميعا حماس"، بينما كان يقود العشرات من الناس في الشوارع.
وقالت تهاني مصطفى: "فيما يتعلق بشعبية حماس، نعم، هم القادة الفعليون للفلسطينيين، سواء أحببنا ذلك أم لا. إنهم الوحيدون الذين يقاتلون من أجل الفلسطينيين في مواجهة عدم وجود حماية دولية".