نشرت
مجلة "
نيويوركر" تحقيقا مطولا عن زعيم حركة
حماس في
غزة يحيى
السنوار، بعنوان
"مذكرات من تحت الأرض" أعده ديفيد ريمنيك، استند فيه على مقابلات وقراءة
لأرشيف السنوار في السجن، وقد أشار إلى أن أرشيف المحاكم الإسرائيلية يحتوي على
ملف تحقيق مع يحيى إبراهيم حسن سنوار،
وتعود الوثيقة إلى 8 شباط/ فبراير 1989، للسجين رقم 955266978.
ويرصد
الكاتب الصور المتعددة للسنوار بين رفاقه في السجن وسجانيه والمحللين والمراقبين
الإسرائيليين والفلسطينيين واليهود والمؤرخين بشكل عام.
كان
السنوار في حينه في سن السادسة والثلاثين ومضى عليه في السجن 11 عاما، وقبل سجنه
كان رئيسا لـ"منظمة الجهاد والدعوة" أو "مجد"، وهي وحدة
لمعاقبة العملاء أو الذين ارتكبوا مخالفات ضد الشريعة.
وكان
السنوار في سجن النقب حيث صدرت بحقه أربعة مؤبدات لقتله عملاء ولتخطيطه لاختطاف جندي
إسرائيلي، بحسب المحقق معه الرقيب ديفيد كوهين. وكان محمد الشراتحة، القيادي في حماس
قد تعاون مع السنوار وأصبحا في عام 1997 بنفس الزنزانة، وكان الشراتحة يقضي حكما
طويلا في السجن بتهم الانتماء لوحدة 101
في حماس وشارك في اختطاف وقتل جنود إسرائيليين.
ويقول الكاتب إن السنوار تعامل منذ البداية مع
السجن كجامعة أو أكاديمية، ومكان لدراسة اللغة وعلم نفس وتاريخ العدو. وكان مثل
بقية الفلسطينيين "سجينا أمنيا" وأصبح يتحدث العبرية بطلاقة وقرأ الصحف
العبرية واستمع للإذاعة العبرية إلى جانب الكتب عن الصهيونية والسياسة تحضيرا
لخروجه من السجن ومواصلة المقاومة المسلحة.
وأيقن
السنوار مع الشراتحة أنه لا يمكن الإفراج عن السجناء من خلال الطرق السياسية ولهذا
قاما بالتفكير في طريقة؛ دفع أموال لخاطفين من الخارج واختطاف جندي إسرائيلي.
وسيطالبون مقابل الإفراج عنه بأربعمئة سجين فلسطيني. وكما أخبر السنوار المحققين
معه "فقد اختطف الجنود من قبل وقتلوا ولم يتم الحصول على مقابل". ولهذا
فكرا بنقل الجندي إلى مصر بحيث لا تتمكن "إسرائيل" من الإفراج عنه. وذكر
الشراتحة أن أحد أشقائه على علاقة مع عصابة. ومن هنا هرب السنوار رسالة إلى الزعيم
الروحي أحمد ياسين. وطلب مباركته العملية ومبلغا من المال، فوافق الشيخ، بحسب قول
الكاتب. ولم تتم العملية حيث اعتقل شقيق الشراتحة عبد العزيز وهو يحاول الخروج إلى
مصر.
وقد
نسيت الخطة، لكن قراءتها في سياق اليوم تعطي صورة عن الآتي وما يحدث من فصل دموي
في النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وفي
عام 2006 قام مقاتلو حماس بقتل جنديين واختطاف مجند اسمه جلعاد شاليط، ظل في الأسر لدى حماس حتى 2011، حيث وافقت "إسرائيل"
على مبادلته بآلاف السجناء الفلسطينيين منهم السنوار والشراتحة. وبعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي أعلن عنها مع محمد
الضيف وأطلقا عليها "طوفان الأقصى" قضى السنوار وقته في شبكة الأنفاق،
وبحسب مصادر فلسطينية وأمريكية وإسرائيلية فإنه لا يزال لاعبا مهما في القرار داخل حماس
والمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. ويعتقد أن مخبأه كان في خانيونس، حيث ولد ولكنه انتقل إلى رفح بعد دخول القوات الإسرائيلية مدينته.
وهو يتجنب الأجهزة الإلكترونية ويتواصل مع قيادة
الحركة من خلال المراسيل، كتابة أو شفويا. وأشار إلى روايات أسرى إسرائيليين
تحدثوا مع السنوار قبل الإفراج عنهم.
وأشار
الكاتب إلى صورة التقطت للسنوار عام 2021 وهو جالس على كرسي وخلفه أنقاض بيته، حيث
بدأ الكثير من الغزيين بتقليده والتقاط صور لأنفسهم على خلفية بيوتهم المهدمة.
وتعود عائلة السنوار إلى المجدل التي عاشت حتى عام 1948 قبل أن تهاجر إلى غزة، حيث ولد
عام 1962 في مخيم خانيونس.
ولقراءة
المشهد الذي عاش ونشأ فيه فلا بد من مراجعة رواية كتبها السنوار عام 2004 بعنوان
"الشوك والقرنفل" حيث عمل زملاؤه في السجن مثل النمل لتهريب نسختها.
وأعلنت امازون في كانون الأول/ ديسمبر عن توفير ترجمة إنكليزية للرواية بحيث تعطي
فكرة عما يجري في عقله، لكن الرواية سحبت من الموقع، بعدما احتج مؤيدو "إسرائيل"
وهددوا جيف بيزوس بأن نشرها سيكون انتهاكا للقوانين الأمريكية والبريطانية. ويمكن
قراءة رواية السنوار بأنها صورة عن الواقعية الروائية السوفييتية وتصور حياة
الفلسطينيين ومقاومتهم بطريقة تجلب صورة دون كيخوته.
وتبدأ الرواية في عام 1967 حيث لجأ أحمد، بطل
الرواية مع عائلته بمنطقة ما بين غزة ومصر، وكانت العائلة تستمع لانتصارات العرب
في "صوت العرب". لكن النبرة تحولت إلى حزن وإهانة كما وصفها أحمد: "بدأت أحلامنا بالعودة إلى بيوتنا التي هجرنا منها تتداعى مثل قلاع الرمال
التي كنا نبنيها ونحن أطفال". وتصور الرواية تحولات أحمد/ السنوار أثناء الاحتلال
والأفكار التي واجهها في نشأته مثل الماركسية والقومية والإسلامية، حيث أصبح أحمد
إسلاميا.
وتشير
الرواية إلى حرب 1973 والأحلام التي تداعت بعدها عندما قرر أنور السادات عقد سلام
مع "إسرائيل".
وتتناول
الرواية، حياة الغزيين الذين يعملون داخل الخط الأخضر وأثر العمل في "إسرائيل"
على أخلاقهم. وكلما شاهد الانهيار الأخلاقي لمن يعملون ويقيمون علاقات مع نساء في "تل أبيب"، تقوت صلته بالحركة الإسلامية.
وفي
يوم من الأيام يذهب أحمد ورفاقه في رحلة لداخل "إسرائيل" ويمرون بالقرى
المدمرة وبقايا المساجد حتى يصلوا إلى الأقصى، وقد قال "أشعر برعدة في جسدي".
وفي طريق العودة يفكر أحمد بمنبر صلاح الدين في الأقصى، ويتساءل، ألا يوجد صلاح
الدين في هذا الزمان؟
وتغيرت
حياة السنوار عندما التقى الشيخ أحمد ياسين، الذي كان مؤثرا في سنوات السبعينيات
والثمانينيات وأسس المجمع الإسلامي والمركز الإسلامي قبل سجنه عام 1984 بتهمة حيازة
السلاح. ويقول ديفيد هاتشمان، العقيد الإسرائيلي المتقاعد "كان الشيخ ياسين عبقريا" و"قابلته
أكثر من مرة، وعندما تراه، ترى رجلا صغيرا مقعدا ولا يتحرك ولكن عقله كان يعمل
دائما".
ودرس
السنوار العربية في الجامعة الإسلامية وأصبح مقربا من الشيخ ياسين. ويزيد الكاتب
هنا بالحديث عن تأسيس حماس ومسؤولية السنوار في وحدة "مجد" عن القسم
الجنوبي من غزة. وبعد اعتقال السنوار عام 1988، لم يعبر عن أي خوف من سجانيه.
وأخبر محقق الشين بيت: "هل تعرف أنك يوما ما ستكون تحت التحقيق وسأقف هنا ممثلا
للحكومة للتحقيق معك".
لكن
الصورة الباردة والمشوهة للسنوار يرفضها أنصار حماس وقادتها ويقولون إن
الإسرائيليين دائما يبحثون عن شرير وجعلوا من السنوار واحدا. وقالوا إن كل حركات
المقاومة عاقبت العملاء. وقال باسم نعيم، أحد قادة حماس إنه لم يسمع أبدا بلقب
السنوار "جزار خانيونس" الذي أطلقه الإسرائيليون عليه.
ويعلق غيرشون باسكن، المعلق وناشط السلام والذي
عمل مرة كنقطة صلة مع قادة حماس إن كل الخبراء والمحققين في الشين بيت يخبرونك كل ما
يعرفونه عن السنوار ولكنهم لا يعرفون، فدينامية مقابلة شخص هو عدوك محفوفة
بالمخاطر.
وبعيدا
عن الشهادات المتضاربة حول شخصية السنوار وما يراه سجانوه عنه، فقد اعتبر السنوار
السجن بمثابة مؤسسة بناء و"بخاصة لو كنت فلسطينيا تعيش وسط كل أنواع الحواجز.
فقط في السجن تستطيع أخيرا لقاء بقية الفلسطينيين ويكون لديك وقت للحديث والتفكير
بنفسك وما تؤمن به والثمن الذي لديك
استعداد لدفعه".
ووصفه إيهود يعاري، الخبير الإسرائيلي بحركة
حماس بأنه "رجل صريح ولا يتحدث بما لا معنى له وداهية إلى حد ما".
ويشير
الكاتب إلى صعود السنوار بعد الإفراج عنه في صفقة شاليط وكيف أصبح زعيم حماس في
غزة. ويقرأ أفكار السنوار والظروف التي قادت إلى تشرين الأول/ أكتوبر وفشل بنيامين
نتنياهو وقادته بالكشف عن العملية التي يؤكد قادة المكتب السياسي في حماس أنها من
مسؤولية الجناح العسكري.
ويقدم
الكاتب هنا سردا مفصلا لخطابات وتصريحات السنوار وما طرأ عليه من تغير وتواصله مع
قادة حماس إلى أن "إسرائيل" لا تريد تغير سياستها من غزة والقضية
الفلسطينية. كما أنه يتحدث عن الإشارات التي فاتت إسرائيل بشأن العملية المفاجئة.
وينقل
الكاتب عن المؤرخ الفلسطيني رشيد خالدي قوله: "سيدرسون هذه في كليات الحرب
ولوقت طويل- كيف نفذت هذه العملية وكيف حدث هذا الفشل الاستخباراتي وبنفس الطريقة
التي يدرسون فيها بيل هاربر وحرب 1973".
وأضاف
خالدي معلقا على الحرب وما خلفته منذ عشرة أشهر: "بدأ شيء غير كل شيء، تغير،
تغير كليا، كما قال الشاعر ييتس ولم نكن أبدا على هذا المستوى من المقاومة المسلحة
أو هذا المستوى من العقاب العسكري، وهذا هو أسوأ هزيمة لإسرائيل وبنفس الوقت، هذا
هو أسوا وأكثر قتلا للفلسطينيين يوما بعد يوما وأكثر من النكبة نفسها".
ويورد ريمنيك في مقاله الطويل المواقف من داخل "إسرائيل"
وغلاف غزة، وفي القدس ورام الله حيث يتوقف عند الكثير من الآراء حول المقاومة
والمقاومة السلمية وعبثية التفاوض وأثر الحرب العنيفة في غزة ومواقف الناس من
السنوار، ويقول البعض إنه موجود في كل بيت في فلسطين وهو اليوم أشهر فلسطيني في العالم.