أمضى الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان الجزء الأكبر من العقد الماضي في محاولة الإطاحة بنظام بشار
الأسد في
سوريا على الرغم من العلاقات القوية التي جمعت الطرفين قبل عام 2011. والآن تعمل أنقرة على تطبيع العلاقات مع دمشق، حسب ما ذكره مقال نشر في مجلة "
فورين بوليسي" وترجمته "عربي21".
وقال المقال الذي كتبه سنان سيدي، وهو زميل أول غير مقيم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن أردوغان أنشأ علاقة شخصية مع الأسد بين عامي 2007 و2010، وهي جزء لا يتجزأ من سياسة أنقرة الطموحة المتمثلة في "صفر مشاكل" مع جيرانها. وفي مرحلة ما في عامي 2007 و2008، عمل أردوغان حتى على التوسط في محادثات السلام بين سوريا و"إسرائيل".
وأضاف الكاتب أن كل هذا انتهى فجأة عندما بدأت الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011 ورفض الأسد الاستجابة لدعوات أردوغان للتخلي عن السلطة.
وبعد ثلاثة عشر عاما، يريد أردوغان الآن فجأة تكوين صداقات مرة أخرى، ما يثير التساؤل: لماذا هناك دفع نحو تطبيع العلاقات، ومن الذي قد يكسب أو يخسر من هذه العملية؟
ذكر الكاتب أنه "منذ عام 2012 فصاعدا، دعمت
تركيا بنشاط الجماعات المناهضة للأسد داخل سوريا للإطاحة بالنظام، والتي اندمجت بشكل فضفاض تحت لواء الجيش السوري الحر. وقدمت تركيا التمويل والأسلحة والتدريب للجيش السوري الحر، وهو مجموعة مختلطة من المرتزقة. ولم تتوقف أنقرة عند هذا الحد".
وأضاف أنه "تحت إشراف أردوغان، أنشأت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، علاقة عمل مع الميليشيات المتطرفة الراديكالية التي لها علاقات مباشرة مع تنظيم القاعدة. وكانت جبهة النصرة، وهي منظمة سلفية جهادية منقرضة الآن، واحدة (من بين كثير) من هذه الكيانات المسلحة والمدعومة من أنقرة".
وبحسب المقال، فإن "تركيا تُتهم بالسماح للمقاتلين الأجانب، الراغبين في الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، بالمرور بحرية عبر تركيا، للانضمام إلى قوات الجماعة في سوريا. وكان الرابط المشترك الذي يربط أنقرة بكل هذه المجموعات هو التزامها المشترك بالإطاحة بنظام الأسد".
وذكر الكاتب أنه "على الرغم من هذه المبادرات، فشل أردوغان في نهاية المطاف في تحقيق ما كان ليكون أول محاولة من جانب الحكومة التركية لتغيير النظام في بلد أجنبي. ولم يكن هذا الفشل بسبب قلة المحاولة، بل كان نتيجة لمجموعة خاطئة من الافتراضات. فقد افترض أردوغان أن نظام الأسد سوف ينهار في غضون أشهر، تماما مثل نظام حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس. ولكن ما فشل في توقعه كان حبل النجاة الذي ألقته روسيا وإيران إلى الأسد، مما سمح للنظام في دمشق بالبقاء".
وبحلول عام 2020، قال الكاتب إن "أردوغان اضطر إلى التخلي عما تبين أنه ملاحقة بعيدة المنال، وتعرض لضغوط متزايدة من روسيا، حليف الأسد الرئيسي، لإعادة بناء العلاقات مع دمشق. ولكن من الصعب تحقيق هذا الهدف، وليس فقط لأن الأسد متردد بشكل مفهوم في إقامة حوار مع زعيم مجاور حاول الإطاحة به".
بالنسبة لأنقرة، فإن الضغوط من أجل التعامل مع دمشق واضحة. الواقع أن أردوغان يتعرض لضغوط هائلة لإرضاء الناخبين الأتراك، الذين يريدون رؤية أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري يعودون إلى وطنهم في أقرب وقت ممكن. ولا يمكن أن يحدث هذا دون تعاون الأسد. ففي الأيام الأولى من الحرب الأهلية في سوريا، استخدمت تركيا سياسة الباب المفتوح لإيواء السوريين الراغبين في الفرار من أهوال الحرب، حسب الكاتب.
وذكر المقال أنه "منذ عام 2012، سئم المواطنون الأتراك وغضبوا مما يرون أنه تدفقات غير منضبطة للاجئين، الذين يتمتعون بامتياز الوصول إلى جميع الامتيازات التي تقدمها الدولة لهم، من الرعاية الصحية المجانية إلى السكن والتعليم"، حسب ادعائه.
و"يتفاقم استياء المواطنين بسبب أسوأ ركود اقتصادي شهدته تركيا على الإطلاق، والذي اتسم بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكاليف الإسكان والاستهلاك، وانخفاض الدخول، والضرائب الباهظة"، وفقا للكاتب.
ويزعم الكاتب أنه "ليس من الواضح ما إذا كان اللاجئون السوريون المقيمون في تركيا يريدون العودة إلى وطنهم. وعلى الرغم من أن فترة ولايته محدودة من الناحية الفنية، يخطط أردوغان للترشح للرئاسة مرة أخرى - ويبدو أنه يعتقد أنه ما لم يتم تقليل عدد اللاجئين، فإن فرص إعادة انتخابه في عام 2028 معرضة للخطر".
وبالنسبة للأسد، يقول الكاتب إن "أي حوافز لحل الأمور مع أنقرة ليست واضحة. منذ عام 2022، أصرت دمشق على شرط مسبق مفاده أنه لبدء أي مفاوضات مباشرة، لن تضطر تركيا فقط إلى سحب دعمها للميليشيات المناهضة للأسد التي تسعى إلى الإطاحة بالنظام، بل وأيضا سحب وجودها العسكري في شمال سوريا، حيث كانت القوات التركية منذ عام 2016، تنسق وتشرف على عمليات الميليشيات. والسبب الرئيسي لتركيا لتمركز قوات في سوريا هو منع الجماعات الكردية السورية من بناء ممر إرهابي، كما يسميه الأتراك، على طول الحدود السورية".
في تموز/ يوليو، خفف الأسد من إصراره على الشروط المسبقة، حيث أفادت وسائل الإعلام الرئيسية عن اتصالات مباشرة بين أردوغان والأسد لتحديد موعد ومكان الاجتماع.
ودعا أردوغان الأسد إلى التخلي عن المظالم القديمة وصرح بأنه مستعد لاستضافته في أنقرة أو دولة ثالثة. وفي حين لم تقبل دمشق العرض على الفور، إلا أنها لم ترفضه أيضا.
اعتبر الكاتب أن "السبب الأكثر ترجيحا للتقارب الحالي هو عدم اليقين السياسي. ببساطة، لا يمكن التنبؤ بما ستبدو عليه الديناميكيات التي تواجه المنطقة بعد كانون الثاني/ يناير 2025، بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بدقة كيف ستبدو السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة في ظل إدارة كامالا هاريس أو إدارة ترامب الثانية. ومن غير الواضح أيضا ما إذا كانت حرب إسرائيل وحماس في غزة ستمتد إلى لبنان أو ما إذا كانت إيران ستطلب مساعدة الأسد لنقل الأسلحة إلى لبنان".
ولفت إلى أن "التقارب قد يؤدي إلى تحقيق العديد من الانتصارات لأنقرة ودمشق. وبالنسبة للأسد، قد يأتي إخراج القوات التركية من سوريا مع الفائدة الإضافية المتمثلة في إنهاء وجود جماعات المعارضة. وفي غياب الدعم التركي، قد تتقوض قدرتها على البقاء. وفي المقابل، قد يستوعب الأسد هدف أردوغان المتمثل في إعادة اللاجئين السوريين من تركيا، وهو ما من شأنه أن يقلل من الضغوط الشعبية المحلية على الرئيس التركي. ومن شأن مثل هذه التسوية أن ترضي الاتحاد الأوروبي أيضا، الذي ضغط على تركيا لمنع مرور اللاجئين السوريين من تركيا إلى أوروبا".
ومن المرجح أن تكون موسكو وطهران الفائزين الأعظم، فقد عملت كل منهما لفترة طويلة على ضمان بقاء نظام الأسد الصديق وإعادة تأكيد السيطرة الكاملة على أراضيه، حسب الكاتب.
ولكن كل هذه الاحتمالات، وفقا للكاتب، تنطوي على مخاطر. ويقال إن إحدى الشائعات التي تم تداولها حول إمكانية تقارب أنقرة مع دمشق تتوقف على عملية عسكرية سورية تركية مشتركة ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وذكر المقال أن "أنقرة سعت منذ فترة طويلة إلى تقليص قوة القتال ذات الأغلبية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تم تشكيلها لهزيمة واحتواء تنظيم الدولة الإسلامية. وقد حدد أردوغان منذ فترة طويلة قوات سوريا الديمقراطية كمنظمة إرهابية وفرع مباشر لحزب العمال الكردستاني".
ولفت الكاتب إلى أنه "من شأن مثل هذا التطور أن يؤدي إلى هزيمة شريك رئيسي للولايات المتحدة، مع القليل من المقاومة من واشنطن. وفي حالة إدارة ترامب الثانية، هناك فرصة جيدة لأن يتمكن أردوغان مرة أخرى من إقناع واشنطن بسحب قواتها، وهو ما حققه في كانون الأول/ ديسمبر 2018. فبعد مكالمة هاتفية بين أردوغان وترامب، أصدر ترامب تعليمات بسحب القوات الأمريكية، ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس".
وقال الكاتب إنه "بعد الانسحاب الأمريكي الكارثي من أفغانستان في عام 2021، سيتم تفسير الافتقار إلى الدعم الأمريكي لشريك إقليمي رئيسي على أنه علامة أخرى على تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهذا لا يبشر بالخير، حيث تشير المؤشرات إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يعيد تشكيل وجوده في سوريا مرة أخرى".
وأخيرا، لفت الكاتب إلى أنه "من غير المرجح أن يكون تطبيع العلاقات التركية السورية خاليا من المشاكل. فإذا توقفت تركيا عن دعم جماعات المعارضة في سوريا وتوقفت عن دفع رواتبها وتقديم الدعم المادي لها، فكيف سترد؟".
وأضاف أنه "من المرجح أن تركيا لا تملك إجابة على هذا السؤال. ففي أوائل تموز/ يوليو، بعد أيام من إعلان أردوغان عن استعداده للقاء الأسد، اندلعت أعمال عنف في سوريا، وتحديدا ضد الجيش التركي وشاحنات الإمدادات التركية، وهو ما مثل الغضب تجاه أردوغان من جانب المليشيات السورية، استنادا إلى تصورهم بأن أردوغان يرميهم تحت الحافلة".
وزعم الكاتب أن "العديد من أعضاء الميليشيات المناهضة للأسد لديهم إقامة تركية، وبعضهم حتى يحملون الجنسية التركية، ما يسمح لهم بحرية السفر. وتشكل إمكانية الحصول على الجنسية التركية أحد الأسباب التي تجعل المقاتلين المناهضين للنظام في سوريا يختارون الانضمام إلى المليشيات. وفي مقابل خدمتهم العسكرية، يأمل المقاتلون ويعتقدون أنهم سوف يحصلون على حق الإقامة في تركيا"، على حد ادعاء الكاتب.
واختتم الكاتب مقاله، بالقول إنه "لم يعد أردوغان والأسد راغبين في المماطلة فحسب. ومن المرجح أن كلا الجانبين يتوقعان تغيير الحرس في واشنطن ويهتمان بالاستفادة مما يرضي مصالحهما، دون انتظار رؤية كيف قد تسعى إدارة ترامب الثانية إلى تشكيل المنطقة".