وعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب بسياسات اقتصادية عديدة إذا عاد إلى البيت الأبيض السنة المقبلة، ومن أبرزها: خطة لإضعاف سعر صرف
الدولار الأمريكي، معتبرا أن هناك العديد من الأضرار التي لحقت بالولايات المتحدة بسبب قوة الدولار.
وفي أيلول/ سبتمبر 1985، وبعد ثمانية أشهر من بدء رونالد ريجان، الرئيس الأربعين للولايات المتحدة فترة ولايته الثانية، اجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من أمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا الغربية في فندق بلازا في نيويورك، لنقاش سبل خفض قيمة الدولار، الذي ارتفع بنحو 50 بالمئة على أساس الوزن التجاري بين عام 1980 وتنصيب ريجان للمرة الثانية.
وأعربت بلدان أخرى عن انزعاجها؛ إذ تضخم العجز التجاري الأمريكي، وبعد أن أعلنت المجموعة أن "التقدير المنظم للعملات غير الدولارية أمر مرغوب فيه"، وأنها مستعدة "للتعاون بشكل أوثق لتشجيع هذا"، هبط الدولار بشكل حاد، وبحلول أواخر الثمانينيات، عاد إلى حيث كان يتداول في عام 1980.
وقالت صحيفة "
ذي إيكونوميست" البريطانية؛ إنه على الرغم من النجاح الظاهري الذي حققته "اتفاقيات بلازا"، فقد فقدت التدخلات في العملة حظها من التأييد، وأصبحت الرغبة في السيطرة على السياسة النقدية، كوسيلة للحفاظ على انخفاض التضخم، هي الأولوية.
وأضافت أنه من غير الممكن أن تتبنى دولة ما سياسة نقدية مستقلة، وحسابات رأسمالية مفتوحة، وسعر صرف ثابتا؛ وحتى اللجوء إلى خيارين من الثلاثة، والتأثير على الخيار الثالث، ليس بالأمر اليسير، وذلك لأن أسواق العملات شاسعة وعميقة وسائلة.
وذكرت أن تجار النقد الأجنبي نجحوا مرارا وتكرارا في إجبار صناع السياسات على الخضوع، رغم تجرؤهم على محاولة دفعهم إلى أي اتجاه، ولكن هذا قد لا يمنع إدارة ترامب الثانية من المحاولة.
وبينت أن "دونالد ترامب يحب الأشياء القوية ــ الزعماء الأقوياء، والحدود القوية، والسياسة القوية تجاه الصين، ولكن ليس العملة القوية، وفي عام 2019، قال: قد يظن المرء أنني سأكون سعيدا بقوة دولارنا، لكنني لست كذلك!".
وأوضح أنه يعتقد أن الدولار يقوض الصناعة الأمريكية، ويشاركه في هذا التوجه جيه دي فانس، زميله الجديد في الترشح لمنصب نائب الرئيس، قائلا: في جلسة استماع بمجلس الشيوخ العام الماضي، قبل أن يسأل جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، عما إذا كانت هناك سلبيات لامتلاك العملة الاحتياطية العالمية: "عندما أستعرض الاقتصاد الأمريكي.. أرى استهلاكنا الجماعي للواردات غير المفيدة في الغالب من ناحية، وقاعدتنا الصناعية المجوفة من ناحية أخرى".
وتساءلت الصحيفة: "ما هي التكتيكات التي قد يستخدمها البيت الأبيض بقيادة ترامب وفانس لإسقاط الدولار؟ من غير المرجح أن يتكرر اتفاق بلازا، وقد تم الاتفاق على هذه الإجراءات جزئيا كبديل لفرض التعريفات الجمركية أو غيرها من تدابير الحماية التجارية على الحلفاء، التي رغب فيها الكونغرس، وإن شركاء أمريكا التجاريين أكثر تنوعا وعدائية مما كانوا عليه في ثمانينيات القرن العشرين، وقليل منهم سيكون على استعداد لمساعدة أمريكا هذه المرة".
بدلا من ذلك، يمكن لوزارة الخزانة أن تتصرف من تلقاء نفسها، فتبيع الدولارات لشراء العملات الأجنبية، ولكن هذا قد يكون مكلفا، فمن عام 2014 إلى عام 2017، أنفقت الصين، التي تفرض ضوابط رأسمالية قوية وسوق صرف أجنبيا أرقا، تريليون دولار، أو 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، سنويا في محاولة لدعم قيمة عملتها. وتدير أمريكا عجزا كبيرا في الميزانية، وقد لا يكون اقتراض مبالغ ضخمة فقط لشراء العملات الأجنبية جذابا، خاصة إذا كانت الأموال مقيدة بسقف الديون، ويمكن أن تمول التخفيضات الضريبية.
وقالت الصحيفة: ربما يحاول ترامب وفانس إجبار بنك الاحتياطي الفيدرالي على التحرك، كما أن السياسة النقدية المستقلة ليست شيئا اهتم به ترامب كثيرا، وفي ولايته الأولى لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوبيخ باول لبطئه في خفض
أسعار الفائدة، وانتقده لأنه لا يمتلك الشجاعة، ولا الحس، ولا الرؤية".
وقالت الصحيفة: "إذا كان من الممكن دفع البنك المركزي إلى طباعة الدولارات أو خفض أسعار الفائدة، فمن المحتمل أن يساعد ذلك في خفض قيمة الدولار، ومع ذلك، من غير المرجح أن يتم إرغام باول على القيام بذلك، خاصة لأنه من المؤكد تقريبا أن يؤدي ذلك إلى التضخم، وهو ما يتعين عليه الحفاظ عليه منخفضا ومستقرا. قد لا يكون طرد باول واستبداله برئيس أكثر مرونة قانونيا".
وبينت أن "بعض أشكال التحكم في رأس المال هي الأداة الأخرى الوحيدة، ومن غير المتصور أن تنفذ أمريكا هذا النوع من القيود التي فرضتها الصين، لكنها قد تجعل تدفقات رأس المال أقل حرية بعض الشيء، مثل فرض ضريبة على المشتريات الأجنبية للأصول المالية الأمريكية".
وقد طرح روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري لترامب خلال ولايته الأولى، هذه الفكرة كأداة لخفض العجز التجاري، ولكن هل كان هذا القرار ليحدث؟ قد يكون له أيضا عواقب غير مرغوب فيها، بما في ذلك دفع عائدات السندات الحكومية إلى الارتفاع أو دفع أسعار الأسهم إلى الانخفاض.
ونظرا لأن ترامب يحب إصدار الديون الحكومية ويفخر بسوق الأسهم القوية، فقد يؤدي هذا إلى إبعاده عن هذا، وإذا لم تفعل إدارة ترامب الثانية شيئا، فقد يحالفها الحظ، فقد ظلت هيئة المحلفين لفترة طويلة في حيرة بشأن ما إذا كانت اتفاقيات بلازا هي التي دفعت الدولار إلى الانخفاض حقّا، بحسب الصحيفة.
وأشارت إلى أن حرب بنك الاحتياطي الفيدرالي، شجعت على التضخم في أوائل الثمانينيات، التي خاضها بأسعار فائدة باهظة بلغت نحو 20 بالمئة، وبحلول نهاية العقد، تم الفوز بالمعركة، وتم خفض الأسعار بشكل حاد.
ويبدو أن قصة مماثلة تجري الآن في أمريكا؛ فبعد أكثر من عامين من السياسة النقدية المتشددة، يبدو أن التضخم بدأ أخيرا في التراجع، وقد يتبع ذلك قريبا تخفيضات أسعار الفائدة وضعف العملة.