حذر معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي
من سيناريو انهيار السلطة
الفلسطينية الذي يدفع إليه اليمين المتطرف داخل حكومة
الاحتلال الإسرائيلي، وقال إنه سيناريو يجب تجنبه.
وقال المعهد في تقرير له إن انهيار السلطة
الفلسطينية، أو دفعها إلى الانهيار، سيعيد النظام الإسرائيلي الفلسطيني أكثر من 30
عاما إلى الوراء، ويضع "إسرائيل" في وضع سياسي ودولي صعب، وسيبعد الدول العربية
المعتدلة من محاولة تعزيز التطبيع معها.
وأضاف أن انهيار
السلطة الفلسطينية سيضع
حداً لشراكة المصالح بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية التي تم التعبير عنها
في التنسيق الأمني، بما يرضي "إسرائيل" في كثير من الأحيان، وقد يكون هناك
تحول ضد "إسرائيل" من قبل أولئك الذين يخدمون في أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية،
حيث عشرات الآلاف من المسلحين الذين سينضمون إلى النضال العنيف الذي تخوضه الفصائل
الفلسطينية ضد "إسرائيل". وفي غياب سلطة فلسطينية رادعة، قد تندلع انتفاضة
شعبية في المناطق.
وبحسب معدي التقرير فإنه "ليس من الواضح
كيف سيخدم انهيار السلطة الفلسطينية فكرة الحكم الذاتي الفلسطيني، التي تدعمها بعض
أحزاب اليمين في إسرائيل كحل للصراع الذي سيُفرض على الفلسطينيين. ففي نهاية المطاف،
من المشكوك فيه أن يتم العثور على قيادة بديلة، وستضطر إسرائيل بعد ذلك إلى تحمل مسؤولية
إدارة حياة الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية".
اتخذت "إسرائيل" سلسلة من القرارات
تهدف إلى معاقبة السلطة الفلسطينية وإضعافها. ومن بين أمور أخرى، تمت زيادة الاقتطاع
في أموال الضرائب التي تجمعها "إسرائيل" كل شهر وتحولها إلى الفلسطينيين،
وتم إقرار مشروع قانون يسمح لضحايا "الإرهاب" بالمطالبة بتعويضات من السلطة
الفلسطينية، وتجري محاولات لقطع الاتصال بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية،
ويُمنع العمال الفلسطينيون ممن يعملون بشكل رئيسي في صناعة البناء، وحدثت زيادة كبيرة
في عدد الوحدات السكنية المقامة في المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتغير
الوضع القانوني للبؤر الاستيطانية وتعزز الاستيطان، وقررت الحكومة الإسرائيلية حرمان
السلطة الفلسطينية من صلاحياتها في المناطق (ب) التي تعرف بـ«احتياطيات الاتفاق»، وأخذتها
لنفسها. وقد أضاف الكنيست الإسرائيلي طبقة لهذه التحركات عندما صدر قرار بمعارضة إقامة
دولة فلسطينية بأغلبية 68 عضو كنيست مقابل تسعة معارضين.
لهذا السبب، يتزايد القلق في محيط أبو مازن،
وفي صفوف الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وفي الساحة الفلسطينية برمتها، من العقوبات
التي تفرضها حكومة الاحتلال. إنهم يريدون أن يصدقوا أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي
لن يسمحوا لـ"إسرائيل" بحل أو انهيار السلطة الفلسطينية بسبب التزامها بعملية
أوسلو.
انهيار أو فشل وظيفي للسلطة الفلسطينية
بحسب التقرير فإن السلطة الفلسطينية لن
تعلن نهايتها بنفسها، فالتوتر السائد بين "إسرائيل" والولايات المتحدة والمجتمع
الدولي في هذا السياق سيساعدها على البقاء. ولكن باعتبارها هيئة حاكمة، سيتعين عليها
أن تواجه تحديات صعبة للغاية سيفرضها عليها الواقع. على المستوى الثنائي والإقليمي
والدولي، وسيكون لانهيار السلطة أو فشلها الوظيفي آثار بعيدة المدى:
- سيكون لزاماً على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أن يعترفا بفشل
المسار السياسي أمام منافسيهما المحليين والدول العربية التي تدعم هذه الترتيبات. هذه
هي النهاية "الرسمية" لعهد أوسلو.
- رفع مكانة حماس وغيرها من التنظيمات الإسلامية في المنطقة كبديل للحكومة القائمة.
- ستظل علامة استفهام كبيرة تحوم حول استراتيجية الاستيطان التي ميزت العلاقة
بين "إسرائيل" ودول المنطقة الساعية للتطبيع، والتي يشكل حل المشكلة الفلسطينية
ركيزة أساسية ترتكز عليها هذه الاستراتيجية.
- في غياب قيادة بديلة لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فقد
يتجاهل المجتمع الدولي الواقع الذي سيتطور في أعقاب هذا الانهيار.
- في هذا الوضع، سيُطلب من "إسرائيل" أن تتحمل مسؤولية الإدارة المدنية
للمدن والبلدات الفلسطينية، التي كانت تحت السيطرة الفلسطينية طوال الثلاثين عامًا
الماضية، بسبب العبء المالي الذي ينطوي عليه ذلك.
- سيتم إثقال العبء الاقتصادي الملقى على عاتق إسرائيل. ومن بين أمور أخرى، سيكون
على "إسرائيل" أن تتعامل مع التزامات السلطة الفلسطينية و/أو عدم رغبة المؤسسات
المالية الدولية في تزويدها بالائتمان.
- يرجع ذلك إلى حرب الاستنزاف المتعددة الساحات التي تخوضها إيران ضد "إسرائيل"
عبر وكلائها، وستظهر ساحات إضافية لا تزال خاملة حتى اليوم.
الجانب الأمني
سيكون التحدي الأمني هو الأثقل الذي سيُلقى
على عتبة "إسرائيل" في حال انهارت السلطة الفلسطينية. وفي هذا المجال، هناك
تعاون منذ سنوات عديدة، بمستوى معقول حتى خلال فترات الأزمات والكساد في العلاقات بين
الطرفين، على أساس الاعتراف المتبادل بالمصلحة المركزية المشتركة. بل إن أبو مازن وصف
في كثير من الأحيان التنسيق بأنه مقدس. ولذلك فإن انهيار السلطة أو فشلها الوظيفي سيطرح
أسئلة صعبة بشكل خاص على "إسرائيل":
- ماذا سيحدث للأجهزة الأمنية الفلسطينية؟ كيف يمكن حل هيئة موالية للسلطة الفلسطينية،
وملتزمة بالاتفاقيات مع إسرائيل، وتتعاون معها، وتحظى باحترام زملائها الإسرائيليين؟
- هل يمكن جمع أسلحة ما يقارب 45 ألف عضو من الأجهزة في الضفة الغربية؟ كيف سيتم
تحديد موقعها؟ ومن المحتمل أن يقوم بعض أعضاء الأجهزة بتسليم السلاح لـ"إسرائيل"
أو لطرف ثالث، لإدراكهم لفجوة القوة بينهم وبين "إسرائيل"، وهو ما سينعكس
في حال نشوب صراع بين الطرفين. لكن ماذا عن الجزء الذي لن يتم تسليمه؟
- كيف تتعاملون مع خطر حقيقي أكثر مما كان عليه في الماضي، وهو "انقلاب الأعشاش"
- انضمام الأجهزة إلى النشاط "الإرهابي"؟
- كيف يمكن الحفاظ على أمن المستوطنات التي تناثر الكثير منها في أعماق الأراضي
الفلسطينية المأهولة في السنوات الأخيرة؟ كيف نحمي المحاور المرورية والحدود الأردنية
ومنطقة التماس مع الضفة الغربية؟
- كيفية التعامل مع اتجاه إضعاف النظام في الأردن ومع تهريب الأسلحة من العراق
وسوريا عبر الأردن إلى الضفة الغربية، في ظل ضعف قدرة القوات الأمنية في الأردن على
منع التهريب. سيكون هناك خطر أن تتحول الحدود الأردنية من حدود السلام والتعاون إلى
ساحة صراع.
- كيف ستتعامل "إسرائيل" مع الوضع الذي ستتضرر فيه منطقة تل أبيب ذات
الكثافة السكانية العالية ووسط البلاد، الذي يتمتع حاليا بسلام نسبي على الرغم من الحرب
في الشمال والجنوب، من جراء التصعيد كنتيجة محتملة لانهيار السلطة الفلسطينية؟
- ما هي عواقب هذه التحديات على المرونة الوطنية والقدرة على التكيف لدى الجمهور
الإسرائيلي إذا زاد العبء الاقتصادي وتفاقم التهديد الأمني؟ كيف سيتم تجنب الاضطرابات
في القدس حول المسجد الأقصى، الذي يشكل نقطة احتكاك ساخنة في أوقات الأزمات؟
- هل سيمتنع المواطنون العرب/الفلسطينيون في "إسرائيل" عن الاحتجاجات
والمظاهرات التضامنية مع إخوانهم شرقي الخط الأخضر، وهل سيتم الحفاظ على السلام في
المدن المختلطة؟