لم ينعكس نجاح القوى اليمينية في انتخابات
البرلمان الأوروبي على اكتسابها النفوذ في الهيئة التشريعية الرئيسية للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي اتحدت فيه الفصائل الثلاثة الرائدة في البرلمان ضدها.
وقالت صحيفة "
إزفيستيا" الروسية في تقرير ترجمته "عربي21"، إن "فصائل مجموعة الوطنيين من أجل أوروبا، التي تضم حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان، وحزب فيدس المجري بزعامة فيكتور أوربان، فشلت في تحقيق مواقف مهمة، لذلك اتحدت الفصائل الثلاثة الرائدة في البرلمان الأوروبي ضدها".
دخول طرف ثالث
وتضيف الصحيفة أنه في هذا الأسبوع انطلقت الجلسة الأولى للبرلمان الأوروبي الجديد، والتي حصل فيها حزب "الوطنيون من أجل أوروبا" اليميني على 84 مقعدًا، محتلين المركز الثالث. في الوقت نفسه، ومع فصيل "أوروبا الدول ذات السيادة"، الذي تم إنشاؤه حول "البديل من أجل ألمانيا" والذي وافق على التعاون مع فيكتور أوربان ومارين لوبان في العديد من القضايا، حصل على 122 مقعدا من أصل 705.
وتقليديا، يحصل الفصيل الثالث الأكبر على عدد كبير من المقاعد في القيادة، وعادة ما يحصل على منصب رئيس الدبلوماسية الأوروبية. ومع ذلك، فإن هذه المرة الأمور مختلفة، بحيث لم يقتصر الأمر على عدم حصولهم على هذا المنصب فحسب، بل إنهم لم يدخلوا أيضا إلى مكتب البرلمان الأوروبي، حيث تُحدد اللوائح والميزانية لهذه الهيئة التشريعية. وعليه، فإنه لن يكون لليمين أي تأثير تقريبا على سياسة
الاتحاد الأوروبي.
وتولت روبرتا ميتسولا رئاسة البرلمان الأوروبي، وغيّر الرئيس الحالي للمجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، رأيه بشأن الترشح لهذا المنصب. وفي وقت سابق لم يتمكن التجمع الوطني من تحقيق الأغلبية في الانتخابات البرلمانية في
فرنسا، رغم التوقعات المشجعة.
ووحدت أحزاب الوسط، بما فيها حزب الشعب الأوروبي والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين وفصيل تجديد أوروبا جنباً إلى جنب مع حلفائها من الفصائل الأصغر، قواها لإبقاء اليمين المتطرف خارج المناصب العليا. علاوة على ذلك، فقد رفضت مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين التابعة لرئيسة الوزراء الإيطالية جيورجا ميلوني، التعاون مع اليمين المتطرف.
ومن بين نواب الرئيس الأربعة عشر، خمسة من التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين وثلاثة من حزب الشعب الأوروبي. أما المقاعد المتبقية فقد ذهبت إلى فصائل أصغر؛ اثنان لحزب تجديد أوروبا الليبرالي وواحد لحزب الخضر الذي تمت الموافقة عليه في الجولة الأولى، وذهبت المقاعد الثلاثة الأخيرة إلى النائب اليساري الفرنسي واثنين من مرشحي حزب جيورجا ميلوني.
بقاء أورسولا فون دير لاين
وذكرت الصحيفة أن الفرصة الوحيدة لليمين المتطرف كانت ستظهر لو لم تتم إعادة تعيين أورسولا فون دير لاين في منصب رئيسة المفوضية الأوروبية. لكن، أعيد انتخاب فون دير لاين لولاية جديدة مدتها خمس سنوات بعد تصويت 401 نائب لصالح ترشيحها.
وقبل التصويت قالت دير لاين: "أوروبا تعيش انتخابات، الخيار الذي سيشكل عملنا لمدة خمس سنوات ومكانتنا في العالم على مدى الخمسين عامًا القادمة. إن أوروبا لا تستطيع السيطرة على الطغاة وزعماء الدهماء في مختلف أنحاء العالم، ولكنها قادرة على اختيار الدفاع عن ديمقراطيتها. ولا يمكن لأوروبا أن تقرر الانتخابات في جميع أنحاء العالم، ولكن يمكنها أن تختار الاستثمار في الأمن والدفاع عن قارتها".
وبعد تقديمها برنامجها للفترة الجديدة، تبين أن الأولوية الرئيسية لفون دير لاين في الولاية الجديدة هي تعزيز أمن الاتحاد.
مع أوربان وضد المساعدات لكييف
وأوردت الصحيفة أن التصويت الأخير على القرار المتعلق باستمرار الدعم لكييف أظهر توازنًا جديدًا للقوى في البرلمان الأوروبي، فقد أيد الوثيقة 495 نائبًا. بينما صوت زعيم التجمع الوطني جوردان بارديلا ضد القرار، لافتا الانتباه إلى حقيقة أن مؤلفي الوثيقة يوصون بأن تخصص كل دولة في الاتحاد الأوروبي 0.25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لدعم أوكرانيا. وأشار إلى أنه في حالة فرنسا سيناهز هذا المبلغ السبعة مليارات يورو سنويًّا.
إلى جانب ذلك، لم يتفق بارديلا مع إدانة القرار لسياسات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. خلال مهمته لحفظ السلام التي استمرت 10 أيام في أوائل تموز/ يوليو، أجرى رئيس الحكومة المجرية محادثات مع زيلينسكي في كييف، ثم التقى مع فلاديمير بوتين في موسكو والرئيس الصيني شي جين بينغ. ثم توجه أوربان إلى واشنطن، حيث أجرى محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة الناتو، ثم توجه إلى فلوريدا لزيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
لم نصل إلى التجربة
نقلت الصحيفة عن أستاذة العلوم السياسية في جامعة سان بطرسبورغ، ناتاليا إرمينا، أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تدعو إلى تغيير النهج ذاته تجاه التكامل الأوروبي وتتحدث عن المشاركة الانتقائية في التكامل الأوروبي لبلدانها.
وبحسب إرمينا فإن الأحزاب اليمينية لا تتفق مع سياسات بروكسل، بل تتصرف كمؤيد للسيادة. ولذلك، فإنه يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا للاتحاد الأوروبي وبيروقراطية بروكسل وتعرقل الفرص.
وأوضحت إرمينا أن نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي تعتمد على مدى نجاح أداء الأحزاب على المستوى الوطني.
وأكدت إرمينا أنه "كلما زاد نشاطهم في التطور وتمثيلهم في المؤسسات التشريعية على المستوى الوطني، زاد دعمهم، ما يعني حصولهم على المزيد من الفرص".
وبحسبها، فإن هناك مشكلة أخرى تتمثل في صعوبة تفاوض الأطراف مع بعضها البعض وتنظيم فصائل مشتركة، بحيث يقارنون بعضهم البعض بالحركات السياسية المؤيدة للفاشية والنازية الجديدة. وقد اضطر العديد من قادة هذه الأحزاب إلى تبرئة أنفسهم باستمرار والقول إنها تشكلت لا كأحزاب اليمين المتطرف أو النازيين الجدد أو الفاشية الجديدة، ولكن كمدافعين عن القيم المحافظة والتقاليد.
ونسبت الصحيفة إلى أرتيم سوكولوف الباحث في مركز الدراسات الأوروبية بمعهد الدراسات الدولية الروسي أنه من الغريب السماح للقوى اليمينية المتطرفة باحتلال منصب ما.
ويضيف سوكولوف أن نتائج الانتخابات أثبتت أنه على الرغم من تكبد أحزاب التيار السياسي الأوروبي خسائر، إلا أنها لم تكن ضربة مميتة، موضحًا أنها ستكون قادرة على السيطرة على الوضع في البرلمان الأوروبي والحفاظ على السيطرة الأساسية على البيروقراطية الأوروبية، وعدم السماح لقوى المعارضة سواء من اليمين أو اليسار بالتأثير بشكل كبير على الوضع.
وبحسب سوكولوف فإن النتائج التي حققها الشعبويون اليمينيون من التيار الرئيسي في انتخابات البرلمان الأوروبي لم تفسر من طرف السياسيين على أنها نتيجة لطلب الناخبين إجراء إصلاحات وتغييرات في الخريطة السياسية للاتحاد الأوروبي.
وتابع سوكولوف: "فُسرت النتائج على أنها مكائد قوى خارجية مدمرة يتعين عليهم الاستمرار في محاربتها بلا هوادة. وهم يعتقدون أنه من الضروري إجراء عمل إعلامي أفضل مع الناخبين، موضحين لهم أن الأحزاب التي تشكل القوى السياسية التقليدية هي الخيار الوحيد الممكن للأوروبيين والقوة الوحيدة القادرة على ضمان تنمية وازدهار الاتحاد الأوروبي".
وأوضح سوكولوف أنه في نظر التيار الرئيسي، فإن جميع القوى السياسية الأخرى "معادية لنص وروح التشريع الأوروبي والاتحاد الأوروبي ككل".
وفي ختام التقرير؛ يقول سوكولوف إنه من الغريب توقع تسوية من جانب حزب الشعب الأوروبي والتحالفات الأخرى في حال لم يروا في النتائج العالية لقوى المعارضة حافزاً لتغيير جذري في المسار السياسي.