تتصاعد حدة المنافسة بين الولايات المتحدة وكل من
روسيا والصين على بسط النفوذ على دول
شمال أفريقيا، وذلك على وقع شعور هذه المنطقة من القارة الأفريقية بتأثيرات بعض التحديات مثل عدم الاستقرار في منطقة الساحل، والتوترات بين الجزائر والمغرب، والصراع المستمر في
ليبيا، بحسب تحليل لموقع "
معهد واشنطن".
ولفت الباحث المشارك بتأليف دراسة حديثة للمعهد تحت عنوان "شمال أفريقيا في عصر المنافسة بين القوى العظمى"، غرانت روملي، إلى أن "دول شمال أفريقيا تلقت نوعا من الصفعة في هذا الوقت الذي تسوده المنافسة بين القوى العظمى".
وأضاف أنه "منذ عقود من الزمن، ساد اعتقاد بأن التعامل الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي الغربي مع الصين من شأنه أن يضفي الاعتدال على سياستها الخارجية ويُدخلها في النظام العالمي القائم. إلا أن تصرفات بكين غيرت هذه الحسابات، وكذلك اتجه الحزبان في
واشنطن نحو اعتماد المنافسة الاستراتيجية، ما اضطر هذه البلدان في مختلف أنحاء العالم إلى التكيف مع هذه الديناميكية الجديدة".
مع المضي قدما، فإن على الولايات المتحدة بحسب ما يقول الباحث، أن "تراعي الاعتبارات التي عبّرت عنها دول شمال أفريقيا وأن تدمجها في نهجها الإقليمي. فعند تنمية العلاقات مع الشركاء الأمنيين في المنطقة، عليها أن تعمل على صياغة المعايير اللازمة لتعاون أي دولة مع الصين وأن تعبّر عنها بطريقة واضحة وموحدة".
وأوضح أن ذلك لا يعني أن "تلك الدولة ستتبع سياسة واشنطن تجاه الصين بحذافيرها، لكنه يُظهر أن الولايات المتحدة تهتم بالحفاظ على الشراكة الأمنية وتُعبّر عن مخاوفها بشكلٍ استباقي".
ولفت إلى أنه "بالنسبة إلى الدول التي لا تنتمي إلى مجموعة الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة، فيجب توجيه رسالة أكثر وضوحا: وهي بالتحديد أن مستويات معينة من التعاون مع الصين تُشكل خطرا متأصلا على سيادتها. فينبغي أن تستمر واشنطن في إبلاغ هذه الدول المحايدة وتحذيرها بشأن مخاطر تعميق العلاقات مع بكين، وأن تحافظ بالتالي على اتساق الرسائل التي توجهها إلى هذه المنطقة المهمة"، على حد قوله.
من جهته، أشار سفير الولايات المتحدة في
تونس، جوي هود، إلى أن "الولايات المتحدة حافظت على علاقاتها مع دول شمال أفريقيا لأكثر من مئتَي عام. واليوم، يركز عدد كبير من هذه العلاقات، خاصة مع تونس، على تحسين سبل عيش المواطنين من خلال التعاون الاقتصادي"، بحسب تعبيره.
وأضاف خلال مشاركته في منتدى افتراضي لـ"معهد واشنطن"، أن "ثمة تباينا شديدا بين علاقة تونس مع الولايات المتحدة وعلاقتها مع روسيا والصين. ففي حين أن البلاد لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، فهي تعاني من عجز تجاري هائل مع القوتين الأخريين".
وعلاوة على ذلك، قال السفير الأمريكي إنه "على عكس واشنطن، لا تتعامل موسكو وبكين مع المجتمع المدني في تونس أو تعملان مع مواطنيها لمعالجة التحديات على المدى الطويل"، معتبرا أنه "انطلاقا من هذه الوقائع، يتبين أنه ما من سببٍ يدعو للخوف من المنافسة الروسية والصينية في تونس".
من جهته، رأى الباحث المشارك في الدراسة ذاتها، بين فيشمان، أن التهديد الأكثر إلحاحا الذي يواجهه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" في شمال أفريقيا هو التحالف المتنامي بين روسيا والجنرال خليفة حفتر، أي قائد ما يُدعى "الجيش الوطني الليبي".
ولفت إلى أنه "منذ وفاة زعيم "فاغنر" يفغيني بريغوجين في موسكو، فقد أصبحت علاقة روسيا مع حفتر علنية بشكل متزايد"، موضحا أن "روسيا تستخدم اليوم القواعد الجوية والموانئ في المناطق التي يسيطر عليها حفتر في شرق ليبيا من أجل تفريغ الأسلحة والمعدات المتجهة نحو منطقة الساحل، مما يهدد الجناح الجنوبي الخاص بحلف شمال الأطلسي".
ويتجلى نفوذ الكرملين المتزايد من خلال الزيارات المتكررة التي يقوم بها نائب وزير الدفاع يونس بك يفكيروف إلى ليبيا، واجتماع حفتر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو عام 2023. حيث تريد روسيا مواصلة السيطرة على القواعد العسكرية الليبية، والوصول إلى المناطق النفطية التي يسيطر عليها حفتر، والتمتع بالقدرة على توجيه المهاجرين من شمال أفريقيا نحو أوروبا، بحسب الباحث.
وشدد فيشمان على أن "الولايات المتحدة لا تبذل جهدا كبيرا لمواجهة هذا التهديد، وكان التعامل مع حفتر بلا جدوى. فبدلا من ذلك، يتعين على واشنطن فرض عقوباتٍ على الجنرال، وذلك باستخدام قانون ماغنيتسكي الذي صممته إدارة أوباما خصيصا للشخصيات التي تعطّل السلام والأمن في ليبيا".
كما أن تعاون الجنرال مع روسيا يمنح المسؤولين الأمريكيين أسبابًا للنظر في إمكانية اتخاذ إجراءاتٍ ضده عبر تطبيق "قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، بحسب الباحث.
ولفت فيشمان، إلى أن "العلاقة العميقة بين روسيا وحفتر تسلط الضوء على افتقار واشنطن إلى استراتيجية شاملة تجاه هذه المنطقة الحيوية - مع أن التقدم الذي أحرزته الحكومة الأمريكية نحو ترسيخ وجود دائم لها في ليبيا بعد غياب دام عقدا من الزمن يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح".