قال وزير
الاقتصاد الليبي في
حكومة الوحدة الوطنية
سابقا ورئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار،
سلامة الغويل، إن "هناك تحركات جارية
حاليا يقودها مجلسا النواب والدولة، وقوى أخرى فاعلة (لم يسمّها)، من أجل تشكيل حكومة
موحدة تجمع كل شتات
ليبيا"، معربا عن تفاؤله بنجاح هذه التحركات وتشكيل الحكومة
الموحدة قبل نهاية العام الجاري.
وفي مقابلة
مصورة مع "عربي21"، أشار الغويل إلى
أن "التوافق على ميزانية موحدة سيفتح الطريق نحو تشكيل حكومة موحدة"، وذلك وسط مساع غربية لإقرار ميزانية
مالية موحدة في عموم ليبيا.
وقبل أيام، أعلن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي،
عن عزمه طرح أفكار جديدة (لم يحددها) ؛بسبب ما أسماها استمرار فشل المشاريع البديلة
للجنة المالية العليا الذي انعكس سلبا على الدولة وأداء مؤسساتها وهيبتها، مؤكدا
أن "الحل الأمثل يكمن في التوافق الوطني وفق أساس علمي على حكم محلي موسع لعدد
من الوحدات التنموية، إلى حين الاحتكام للشعب الليبي في استفتاءات أو انتخابات عامة".
وأشار الغويل إلى أن "الأموال الليبية المُجمّدة
في الخارج منذ عام 2011 موثقة في سجلات رسمية، لأنها بطبيعة الحال
أموال دولة وأموال مؤسسات استثمارية، وتنموية، وتجارية، وتبلغ قيمتها 100 مليار دولار
تقريبا".
وأوضح أن "هذه الأموال موجودة على شكل استثمارات في أفريقيا، وأوروبا،
وأمريكا، وبريطانيا، وكثير من الدول العربية؛ فليبيا كانت تتبنى ثقافة (عدم وضع البيض
في سلة واحدة)، وقد كانت الرؤية السياسية عند الدولة الليبية أن توزع أموالها لتفادي
مشكلة السقوط والصعود في الأسواق، لتقليل المخاطر، وكانت الفلسفة قائمة على التنويع
جغرافيا، وكمّا، ونوعا، وكيفا".
وهاجم الغويل قرار حكومة المجلس
العسكري الحاكم في بوركينا فاسو الذي صدر أواخر أيار/ مايو الماضي، بتأميم المصرف العربي
الليبي للتجارة والتنمية (باليب)، قائلا: "إذا غابت أخلاق احترام المعاهدات والمواثيق
سقطت الدول، وكل دولة تعبر عن نفسها، لكن الليبي قادر على استرداد حقوقه وفق القوانين".
ومنذ سنوات تكافح الحكومات الليبية لاسترجاع أموال
البلاد في عدد من الدول تم تجميدها بموجب القرار 1973 الصادر في آذار/ مارس 2011، عن
مجلس الأمن الدولي في إطار العقوبات التي فرضها على نظام معمر القذافي خلال الثورة
التي أطاحت به ذاك العام.
وإلى
نص المقابلة المصورة مع "عربي21":
كيف تقيم أداء مجلس المنافسة ومنع الاحتكار في ليبيا؟
عمل مجلس المنافسة ليس سهلا، خاصة في ظل عدم الوعي بثقافة المنافسة، وأهميتها،
ودورها في معالجة وضع الاقتصاد الليبي، وهو بالمناسبة اقتصاد غير معروف الهوية؛ نتيجة
الارتدادات، وعدم استقرار الدولة، وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية.
واجهتنا الكثير من المشاكل في مجلس المنافسة على رأسها البيئة التشريعية، التي لم تكن محددة الملامح، لكننا استطعنا بفضل الله سبحانه أن نعد بيئة تشريعية حقيقية
واعدة، واستطعنا من خلال مجلس النواب (الرئاسة والأعضاء)، وتعاونهم، وقدرتهم على فهم
دورهم وواجبهم، وكذلك القوة المهنية الداعمة الذين أصبحوا خبراء في استدراك ومعالجة
السقطات وفق القاعدة التشريعية، واستطعنا أن ننقل مجلس المنافسة من تبعية الحكومة إلى
مراقبة الحكومة وتعديل سلوكها، حتى أصبح مجلس المنافسة بفضل الله، ثم بفضل دعم مجلس
النواب، والقوى الوطنية، أن يراقب الحكومة، ويقوم بمهامه، وفي طريقه للنجاح.
ما تقييمكم لمستوى المنافسة في السوق المحلي الليبي حاليا؟ وهل
هي منافسة عادلة؟
حتى الآن لسنا راضين عما هو موجود نظرا لانعدام ثقافة المنافسة، وغياب
هيبة الدولة، وعدم وجود شفافية حقيقية، وعدم وجود ثقافة مجتمعية تعي أهمية المنافسة.
السوق المحلي به رأس مالية متوحشة، إلى جانب بعض الفاسدين في مواقع اتخاذ
القرار الذين يعملون على توجيه موارد الدولة لخلق أمر واقع لصالح مكونات اقتصادية بعينها،
وبالتالي فرص المنافسة العادلة بين المؤسسات الإنتاجية والمؤسسات الصناعية والاقتصادية.
لسنا راضين بشكل كامل، ولكن بفضل الجهود الخيرية، وما وفقنا الله فيه من إنجاز استطعنا أن نضع لمحة، وأن نعرف المجتمع الليبي أهمية المنافسة، سواء على مستوى
الأفراد أو المستهلكين، وكذلك الجهات الرقابية والتنفيذية، والآن نتحسس طريقنا لفرض
شروط المنافسة العادلة، وتفعيل القانون.
القانون الليبي من أفضل القوانين، فقد استطعنا أن نواكب التجارب الإقليمية
الموجودة، وكذلك التجارب الدولية؛ فاستطعنا أن نطوّر القوانين، والتشريعات، ونخلق قاعدة
بيانات، ونخلق آليات تنفيذ، وندرب كوادر ليبية واعدة تؤمن بتحقيق المنافسة العادلة،
ومنع الاحتكار، وكذلك حماية المستهلك، وهي أيضا من مهام مجلس المنافسة ومنع الاحتكار
الليبي التابع للسلطة التشريعية والذي يراقب الحكومة.
كيف ترون مستقبل المنافسة العادلة في البلاد؟
المنافسة العادلة هي جزء من كيان وهيبة الدولة؛ فإذا تمتعنا بدولة قانون،
ودولة شفافية، وخلقنا بيئة عمل حقيقية لتنفيذ عوامل الضبط القانوني -والمنافسة جزءا
منها- فسنكون في مأمن ونتطور، وستكون لنا فرصة لمواكبة التطور العالمي من خلال تحقيق
المبادئ، خاصة وأن الفكر الاقتصادي هو فكر يتطور مع احتياجات الإنسان، ويتطور مع الصراع
بين إرادة الخير والتنمية، والبناء والعدل والحق والقانون، وبين إرادة الشر وتحقيق
المكاسب عن طريق إسقاط الدول، وإسقاط القوانين، والمرابحة غير المشروعة، وتقديم الشأن
الخاص على الشأن العام، أو على حساب استقرار الدول.
والقيام بالعدالة التنموية والعدالة المنجزة الواعدة، ومن خلال الحق، وبذل
الجهد، ومن خلال الجودة، والتوازن، وتساوي فرص تقديم الإنتاج من خلال المنافسة العادلة،
سواء من حيث التشريع أو الضرائب، أو من حيث الموارد، والاعتمادات، أو من حيث فرص التسويق.
نحن نتحسّس طريقنا، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، ونحن بدأنا من تحت الصفر
فيما يخص المنافسة، ونحن نتشرف بإضاءة الطريق برفقة الكوادر الوطنية، والقانونية والتشريعية،
إلى جانب الكوادر التجارية الصادقة الذين يدعمون هذا التوجه.
نحن نسير بعون الله للحاق بركب الدول المتقدمة في هذا الموضوع، وإن لم
نفعل فلن يكون لنا حق أو أمل في النجاح وفيما نتطلع إليه من تميز، ومن إرضاء لضمائرنا،
حتى نسير في الاتجاه الصحيح لتنفيذ أجندة روح القانون بتحقيق المنافسة العادلة.
هل الدولة الليبية تمتلك أموالا واستثمارات كبيرة في الخارج؟ وهل تسعون لاستعادة تلك الأموال؟
ليس من اختصاص مجلس المنافسة استعادة أموال الخارج، ولكن باعتباري وطني
مهتم الشأن العام، أتطلع لإعادة أموال الدولة الليبية، وكذلك أتطلع أن نعيد لليبيا
كرامتها، وهيبتها، وحقوقها، ودورها الفاعل لتكون عضو إيجابي ومؤثر في المجتمع الدولي،
يحمل على عاتقه جمع شتات المنطقة، وطموحاتها، والقيم النبيلة الخيرة في الكيان الذي
نعتز به وهو الأمة الإسلامية والعربية.
كم تبلغ قيمة الأموال والأصول الليبية في الخارج؟
قيمة الأموال بالتحديد
موثقة في سجلات رسمية، لأنها بطبيعة الحال أموال دولة وأموال مؤسسات استثمارية، وتنموية،
وتجارية، وربما تبلغ قيمتها 100 مليار دولار تقريبا.
أين تتركز
هذه الأموال؟
موجودة على شكل
استثمارات في إفريقيا، وأوروبا، وأمريكا، وبريطانيا، وكثير من الدول العربية؛ فليبيا
كانت تتبنى ثقافة «عدم وضع البيض في سلة واحدة»، وقد كانت الرؤية السياسية عند الدولة
الليبية أن توزع أموالها لتفادي مشكلة السقوط والصعود في الأسواق، لتقليل المخاطر،
وكانت الفلسفة قائمة على التنويع، جغرافيا، وكمّا، ونوعا، وكيفا، لذا هي موجودة في
معظم بقاع العالم بنسب مختلفة.
كيف استقبلتم
قرار حكومة المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو أواخر أيار/ مايو الماضي، بتأميم
المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية (باليب)؟
إذا غابت أخلاق
احترام المعاهدات والمواثيق سقطت الدول، وكل دولة تعبر عن نفسها، لكن الليبي قادر على
استرداد حقوقه وفق القوانين.
ليبيا تمتلك كوادر
تفهم القانون، وكوادر لديها انتماء وطني تصون عهودها ومواثيقها واتفاقياتها، لذا إن
ظهرت نزوة كما هو الحال في بوركينا فاسو، أو أي دولة أو نظام لا يحترم نفسه، ويحاول
التلاعب لن يكون له وزن، والجميع في نهاية الأمر يحسم أمره وفق اتفاقيات دولية متعارف
عليها، وليبيا قادرة على استرجاع حقوقها، وقادرة على استرجاع ما لديها من أموال يحاول
البعض الاستيلاء عليها.
هل الانقسام السياسي والمؤسسي يعد خطرا كبيرا على مصير استثمارات
ليبيا في الخارج؟
بالتأكيد، الانقسام السياسي يلقي بظلاله، ومع الأسف العالم الخارجي يستغل
هذا الانقسام، وكل دولة أو نظام لا يراعي ضميره، ولديه ثقافة الابتزاز، وأكل حقوق الآخرين،
وعدم احترام العهود يحاول أن يستفيد من هذا الانقسام، ولكن "نَفَس الدولة الليبية
والليبيين طويل"، ودائما نملك إرادة خير قادرة على الدفاع عن حقوقنا، ولدينا كوادر
وطنية تحرج كل من يحاول الاعتداء على
أموال ليبيا وأملاكها ومواردها في الخارج.
البعض يحاول إضعاف ليبيا عن طريق دعم الانقسام، ولو أن ليبيا فيها إرادة
سياسية واحدة سيكون لها دور بارز في الدفاع عن حقوقها، ولن يكون هناك مجال للآخرين
للقفز على ليبيا وعلى كرامتها، وسيادتها، وأموالها.
ليبيا في يوم من الأيام كانت رقما صعبا في المعادلة السياسية الدولية،
ومَن يحاول أن يثأر من ليبيا في فترة من الفترات نتيجة ضعف الدولة فعليه أن يراجع نفسه،
ومن يبادر بالخير تجاه ليبيا سنرد له الجميل وسنحفظ له المعروف، لذلك كل نظام يمثل
دولته، ويتصرف بما يمليه عليه ضميره، ويمليه عليه القانون، واحترام الشعوب وإرادتها.
كما نتطلع إلى الشراكة مع الخيرين، ونبادلهم احترام الأخلاق والقانون،
فهؤلاء هم قدوتنا ورفاقنا، أما مَن يحاولون امتهان الشعوب فهؤلاء يرمون على قارعة الطريق
سواء كانوا أفرادا أو دولا.
كيف ترى الصراع الحالي على وزارة النفط في "حكومة الوحدة
الوطنية"؟ وإلى ماذا سينتهي؟
إذا سلكنا طريق الحق فإن محمد عون هو صاحب الشرعية، وصاحب الحق، وصاحب
الاختصاص الأصيل، أما إذا اتجهنا نحو الصفقات، والشبهات، والريبة، وتحقيق المكاسب الشخصية
السياسية على حساب الدولة فسنرى خصوم محمد عون، وأنا لا تجمعني به علاقة شخصية، لكنه
رجل صادق، ومهني، رغم أن بعض أصحاب القرار ليسوا في صفه.
لكن هيئة الرقابة الإدارية أصدرت سابقا قرارا بوقف الوزير محمد
عون وأحالته للتحقيق؟
هيئة الرقابة الإدارية أصدرت قرارا سابقا بوقف الوزير محمد عون وإحالته
إلى التحقيق، لكنها سرعان ما تراجعت عنه قرارها، وتبين أن الموضوع أقرب إلى المكيدة؛
فالرقابة كانت واعية ودقيقة، ولم يتجاوز الأمر أسبوعين فقط وعادت عن قرارها، وأعطت
للرجل حقوقه، ومكّنته من العودة لعمله، ولكن رئيس الحكومة رفض ذلك لأسباب خاصة وبسبب
اعتراض «عون» على بعض الاتفاقيات، وهذا أمر لا يخفى عن الرأي العام والإعلام.
فقد كان هناك صفقات مع بعض الشركات وأراد رجال الحكومة تمريرها، لكن محمد
عون رفض ذلك؛ فشعروا أن الرجل ضد التوجه الذي يحميهم كسياسيين، ويجعل هذه الشركات تدعمهم،
وهذا دليل على استخدام نفوذ تلك الشركات ونفوذ بعض الدول لصالحهم، من أجل بقائهم في
السلطة، ومن أجل الحصول على شرعية، وهذه الحكومة مرفوضة، نتيجة الفشل في الغرب الليبي
في مجالات الأمن والاقتصاد والعبث بالموارد، وهذا يضرب النسيج الاجتماعي، ويرهن الدولة لصالح بعض الدول
الأخرى.
ولذا، أرى أن محمد عون رجل يستحق الدعم، ويستحق الدفاع عنه، لأن مَن يعارضه
يدعم بيع أموال ليبيا ومواردها للخارج.
البعض يرى أن مجلس النواب مُختطف من قِبل حفتر وعائلته.. ما
ردكم؟
هذا غير صحيح، البرلمان يمثل إرادته الحقيقية، وتقوده شخصية قريبة من الليبيين،
ومتوافقة مع مجلس الدولة، والمصرف المركزي، والمجلس الأعلى للقضاء، ومع النائب العام،
ومتوافقة مع 70% من جغرافيا ليبيا، والنسبة المتبقية في الغرب الليبي يمدوا جسور التواصل
مع البرلمان؛ فترى القوى الفاعلة في مصراتة، وبني وليد، وطرابلس كلهم على تواصل مع
البرلمان، البرلمان يكاد يأخذ الإجماع، فلدينا 200 برلماني يعملون على المحافظة على
حقوق أهلهم.
وأنصح الجميع سواء من الأفراد أو الدول أن يشدوا من أزر البرلمان، كما
نحتاج إلى جيش قوي يحافظ على هيبة الدولة، ومواردها، ولا يتدخل في السلطة.
مَن يسيطر على قطاع النفط حاليا في ليبيا؟
المؤسسة الوطنية للنفط هي صاحبة القرار، وهناك بعض الحيثيات حول هذا الأمر
عند شرق ليبيا بقيادة حكومة أسامة حماد، وأعتقد أن الرجل يجيد فن التعامل مع جميع الأطراف،
وأيضا رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قداره، يحاول أن يكون واقعيا في الحفاظ
على المؤسسة، ويحاول توفير الحد الأدنى من غذاء الليبيين ومواردهم.
ما زال الصراع على أشده، وما زال الصراع بين الأموال تبيحها المؤسسة الوطنية
للنفط، والمصرف العربي الخارجي؛ فالمصرف العربي الخارجي تحت إشراف وتوجيه المصرف المركزي،
وما زلت أرى في المصرف المركزي معول الخير، والقدرة على كبح جماح الفساد إلى حد ما.
الصراع على أشده؛ فهناك تيار يستخدم سياسة الأمر الواقع، ويرهن البلد من
خلال إنتاج قرار قوي من الخارج لحماية دعمه متمثل في حكومة عبدالحميد الدبيبة، وهناك
تيار آخر يعمل لصالح ليبيا ولصالح العقل، وفتح الأبواب لكل الدول.
البرلمان وشرق ليبيا يفتحون أيديهم للدول وللأفراد ولكل مَن يعترف بوحدة
ليبيا وكرامة الليبيين، ويدعم الحق والقانون بمعيار الأخوة والصداقة، ومعيار القانون
الدولي والاتفاقيات الدولية.
بينما نرى حكومة غرب ليبيا تخسر حليفا كل يوم، خاصة المصرف المركزي، والقوى
الأمنية؛ فحتى القوى الأمنية الحقيقية باتوا غير مقتنعين بهم، نظرا لعدم احترام المواثيق،
وانعدام الوضوح والشفافية، وانعدام الرؤية، فكل شخص يحترم نفسه لا يقف في الطابور الذي
يسيء للتاريخ وللقيم، ولا يحافظ على موارد دولته.
لماذا أخذت موقفا حادا من "حكومة الوحدة الوطنية"
واستقلت منها رغم أنك أشدت سابقا برئيسها عبد الحميد الدبيبة؟
أنا أؤمن بالإصلاح، وأحاول بقدر الإمكان أن أصلح من الداخل، ولم أكن من
الداعمين للسيد عبد الحميد الدبيبة من الأساس، ولكن كنت أراهن على أنه رجل أعمال ورجل
بناء، ولكن مع الأسف صُدمت كما صُدم كثير من الليبيين، لذا لن أصمت، ولن أكون كالشيطان
الأخرس؛ فعندما وجدت الأمور تنساق نحو ضياع حق المواطن، وهدر موارد البلد، نتيجة الاعتماد
على الولاء وليس الكفاءة، وغيرها من الأسباب التي جعلتني أترك الحكومة وأنا مطمئن.
لن نوالي ظالما يعبث بأموال الليبيين، ويعبث بكرامة ليبيا، ويحاول أن يسلمها
مقابل الحصول على المكاسب السياسية. ليبيا أكبر منا جميعا، أكبر مني ومن عبد الحميد.
لقد كان التفكير قاصرا، ومبني على ثقافة الصفقة، وأي شيء يُبنى على ثقافة الصفقة يسقط؛
فالبلاد تُبنى على ثقافة التنمية، والعدل، والشفافية، والحق؛ فليبيا تحتاج مَن يساعدها
ويشد من أزرها ويحترمها، وكذلك ليبيا عليها الدور في رد الجميل لمَن يحترمها ويقدّرها.
نحن تجمعنا الديانة الإسلامية السمحة، وتجمعنا الجغرافيا، ويجمعنا الإقليم،
وتجمعنا المصالح المشتركة، ولن نكون موالين إلا لمصلحة بلدنا، ومصلحة رفاقنا من كل
الأطياف الدينية والإثنية.
وما جعلنا نترك هذه الحكومة بكل ثقة في النفس، وبكل رضا، هو أننا لسنا
طلاب سلطة بقدر ما نحن طلاب قيم، وثبات أخلاق، وتاريخ مشرف، يتشرف به أولادنا وأهلنا
ومكوناتنا الاجتماعية، وكل مَن يعرفنا.
ذكرت في تصريح سابق عام 2021 أنك تتمنى ترشح الدبيبة لرئاسة
البلاد لأن لديه "قدرات هائلة".. ما تعقيبكم؟
أنا لا أستخدم لفظ "هائلة" أو "قدرات هائلة" على الإطلاق،
ولكن من باب جبر الخواطر، ومن مبدأ توجيه الآخرين، ولما قبلت العمل مع عبد الحميد الدبيبة
كوزير في حكومته لم أكن أتوقع أن الأمر بهذا السوء، ومع كل يوم تتضح الأمور أكثر، وكما
ذكرت لك كنت أراهن على خلفيته التنموية، وأنه رجل إعمار، وليس رجل مؤامرات يرهن البلاد
بسبب موقف سياسي، ويمنح وظائف الدولة بناء على الولاء، حتى سقط الحد الأدنى من هيبة
الدولة لصالح نظامه الاجتماعي.
كل ذلك سبّب لي صدمة، بعد أن كنت آمل في الإصلاح، لكن عندما وصلنا إلى
طريق مسدود، وخلال أقل من عام ونصف، وبمجرد رفع البرلمان غطاء الشرعية عن الحكومة،
وكان هناك مبرر قانوني، خرجت من الحكومة بإرادتي، وكان لي فيها وزارتان: وزارة الدولة
للشؤون الاقتصادية، ووزارة الثقافة، ولكني رأيت أن المناخ غير صحي لا يتناسب مع إنسان
معتد بمجتمعه وبأهله وقناعاته، لذا انسحبت بكل أدب واحترام وتقدير، وخرجت في الإعلام
وقلت إن الموضوع الذي كنا نعول عليه لم يعد موجودا؛ فلا وجود لعدالة، أو شفافية، أو
تنمية، ولا وجود لجبر خواطر القوى الفاعلة
في الوطن من خلال إعطائها أدوار لتشارك في الإنجازات.
وبدأ الفشل يزيد يوما بعد يوم، وزادت الفُرقة بزيادة تفريخ الميليشيات
بمنحها الأموال، وحاول أن يشرع اللا مشروع، حتى وصلنا إلى قناعة بأن هذا الطريق مسدود،
ولا يمكن الاستمرار فيه.
على صعيد آخر، ما وضع الاقتصاد الليبي اليوم، وهل ليبيا بحاجة
لقروض صندوق النقد الدولي؟
الوضع الاقتصادي الخاص بالمواطن ليس جيدا، أما وضع الدولة الاقتصادي جيد،
محافظ المصرف الليبي المركزي يسعى لخلق موارد جديدة، لكن على صعيد الوضع الاقتصادي
الخاص بالمواطنين نرى أن الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرا، وانعدمت الطبقة الوسطى
التي كنا نعول عليها، كما انعدمت البيئة الاستثمارية الحقيقية وخاصة في غرب ليبيا،
أما في شرق ليبيا فبدأت تزدهر إلى حد ما.
هناك منافسة في شرق ليبيا رغم عدم وجود أموال، وهناك نوع من التوافق المجتمعي،
وإدخال عدد كبير من الناس للاستفادة، وخلق التنمية، ويمكن أن تلاحظ ذلك من خلال موضوع
الإعمار الذي بدأ في بني غازي، وفي درنة، وجنوب ليبيا، وهناك تركيز على الأمن الغذائي،
وتركيز على هوية المواطن في جنوب ليبيا، من خلال توطين الاستثمارات، وفتح فرص لرجال
الأعمال بشراكة حقيقية بينهم وبين القوى الأمنية الفاعلة.
لكن غرب ليبيا للأسف يزداد الغني غنى، والفقير فقرا، نتيجة لسياسة رعناء
متورطة في إسقاط موارد الليبيين، وإضعاف حالتهم، واستعمال موارد البلاد في خلق ولاءات
سياسية، وسرعان ما يكتشف الجميع الحقيقة.
زيادة المرتبات تعني زيادة أثقال الكاهل الوظيفي للدولة، وزيادة المرتبات
تضعف قيمة الدينار مقابل الدولار، وبالتالي انحسرت الطبقة الوسطى، وانعدم الأمن، وانعدمت
التنمية والاستثمار، لأن الأمن هو أساس الاستثمار، وأساس التنمية، وأساس تشجيع رجال
الأعمال؛ فيجعل أصحاب رأس المال يتخوفون من ضخ رؤوس أموالهم في الصناعة والتجارة والخدمات.
الوضع غير مبشر خاصة في الغرب الليبي، وفي الشرق الليبي ومضة خير نتمنى
أن تزداد.
كما أتمنى أن الدولة تجتمع على سلطة سياسية عاقلة رشيدة تهدف إلى وضع ليبيا
في موقعها الصحيح في المجالات التجارية والسياسية، ولم شمل صفها، وإعطاء كوادرها المتميزة
الفرصة لإدارة الموارد الاقتصادية.
هناك مساع غربية لإقرار ميزانية مالية
موحدة في ليبيا.. هل ستنجح تلك المساعي برأيكم؟
آمل أن تكلل بالنجاح لأن أغلب الليبيين في اتجاه القرار الدولي الغربي
بأن توضع الميزانية من خلال السلطة الشرعية الحقيقية وهي البرلمان، من خلال اعتماد
ميزانية البرلمان، ومن خلال اقتصار صرف الميزانية على المرتبات فقط مع بعض الميزانيات
التشغيلية البسيطة، والابتعاد عن ميزانية التنمية التي لم تنجح إلا في الهدم.
ومن خلال وضع شفافية حقيقية ناجحة من خلال تشريع البرلمان ومن خلال القانون،
لا عن طريق سلطة الأمر الواقع الموجودة في غرب ليبيا، هذا هو الأمل الوحيد في النجاح
في هذا في الظرف الصعب.
هل الميزانية
الموحدة ربما تفتح الطريق نحو حكومة موحدة؟
بالتأكيد؛ فحكومة
غرب ليبيا تُجمّد الأموال، ولا تقدمها إلا لبعض مراكز القوى؛ فليس لديها برنامج، أو
اسم يجعلك تتشرف أن تكون جزءا منها، وكل ما لديها هو سياسة الأمر الواقع، وإيهام القوى
الدولية، والشركات الدولية، وفي الحقيقة هي تضحك على الجميع، وكل الدول تكتشف بمرور
الوقت أنها غير صادقة؛ فلم تصدق مع أي دولة، ولم تنفذ أي مشروع حقيقي، ولم تثبت أي
فاعلية، حتى مشروعها الأساسي
كان وهما، وأصبح الليبيون يكتشفون حقيقة الضحك عليهم، والعبث بأموالهم.
متفائل بأن تكون
في هناك حكومة واحدة موحدة، تجمع كل شتات ليبيا؛ فحتى مَن يدعم الحكومة منتهية الولاية
سيشعر يوما أنه في الاتجاه غير الصحيح، لذا لن تستمر هذه الحالة.
هل هناك
تحركات جارية حاليا من أجل تشكيل "حكومة ليبية موحدة"؟
من الوارد جدا أن
يتحرك مجلس النواب، ومجلس الدولة، خلال الفترة القليلة المقبلة في هذا الاتجاه، وستتحرك
الكثير من القوى الفاعلة أيضا على هذا الأساس.
وهل أنت
متفائل بهذه التحركات؟
نعم، متفائل جدا
متفائل لأن أكثر اتفاق الليبيين على مسيرة الحق، وحتى كثير من الدول الإقليمية على
تتفق على مسيرة الحق، وهناك اتفاق بين كثير من الدول العاقلة لأنها تبحث استكمال الطريق
مع الأصلح، لذا الجميع في مسار الخير، أما أصحاب مسار الشر، وأصحاب الصفقات من أجل
خلق حالة ما لن يكون لهم نصيب، لأن ليبيا أكبر من أن تدار بأفكار سوداء، وأفكار خراب،
وأفكار غير ناضجة.
هل يمكن
تشكيل الحكومة الموحدة في ليبيا قبل نهاية العام الجاري؟
ندعو الله سبحانه
وتعالى أن يتحقق ذلك الحلم، وندعو الله أن يؤكد أدوار الفاعلين تجاه نهج الحق، لتشكيل
حكومة ليبية واحدة تنقذ البلاد والعباد من الظروف الصعبة والسيئة، وبالفعل ربما
يحدث ما أشرت إليه.
كيف ترى فشل المشاريع البديلة للجنة المالية العليا؟
كل المشروعات التي وضعتها اللجنة المالية العليا فشلت لأنها لم تكن عن
طريق القانون، أو النواب، أو الشفافية والإشراف المجتمعي من السلطات القضائية والتنفيذية
والرقابية والمجتمعية، وسيُكتب لها الفشل الكامل لأن في النهاية لا يصح إلا الصحيح.
فلا بد أن تكون ميزانية هذه المشروعات مُعتمدة من مجلس النواب، وتُشرف
عليها القوة التنفيذية التي شرعها مجلس النواب، ويبتعد عنها أصحاب التاريخ المشبوه
في استخدام موارد الدولة لصالح خلق مكتسبات سياسية.
تابعنا مؤخرا أكبر محاولة في ليبيا لتهريب الذهب إلى الخارج..
فما أبعاد محاولات تهريب الذهب؟ ومَن يقف وراءها؟
لا نستطيع أن نتهم شخصا أو جهة بعينها، ولكن ما يطمئنك هو وجود سلطة حقيقية
شجاعة، وواضحة هي سلطة النائب العام، التي كانت دائما بالمرصاد لأي عملية سقوط لأي
مورد من موارد الدولة وضياعها أو العبث بها.
مطمئن لوجود سلطة مثل سلطة النائب العام التي اكتشفت هذا الموضوع، وحافظت
على الذهب، والدلائل أنك ترى كل يوم سلطة النائب العام تنجز المزيد من الأعمال في سبيل
الحفاظ على موارد الدولة.
ولكن بالتأكيد: بلد سقطت كرامته سيكثر فيه المجرمون، وتكثر فيه العصابات
المنظمة، وحتى بعض الدول عندها أجندات لصالح تهريب هذه الموارد، وحتى على مستوى العالم
هناك صراع بين الدول.
فأتمنى أن يكون أبناء ليبيا منتبهين، وأن تكون قاماتها القانونية، والقضائية،
والرقابة الإعلامية والرقابة المجتمعية جاهزة، وواعدة وشجاعة، حتى تحمي مواردها، ولا
نحتاج لمن يحميها من الخارج.
وأعود وأكرر: سلطة النائب العام سلطة مبشرة، ومنظمة، وسلطة وطنية، وأتشرف
بأن تكون هي السد المنيع للحفاظ على موارد الدولة، وعدم تهريبها أو بيعها للخارج.