مدونات

مراجعـات.. الهــروب

"المراجعة أساس لاختيار الطريق الأصوب وليس لتحسين الأداء فقط"- جيتي
المراجعة والتفاصيل:

المراجعة لها أهمية ملحة، حتى تلك الذاتية لأحداث اليوم، ومسار التنظيمات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى العلاقات الخاصة الأسرية والعامة. فالمراجعة نوع من الرقابة الذاتية للأمة، عبرت، مضت، مرت بسلام ودون تدقيق؛ هو هروب من العجز والجهل الذي يمكن حله بالتدريج مع الخبرة، فعندما لا تتراكم الخبرة، فلن يكون ممكنا منع تكرار الخطأ مهما كان حجمه، وأحيانا ما نراه صغيرا في ظرف ما، يصبح مؤثرا وخطيرا في ظرف آخر.

فالتفكر والمراجعة يفيدان التعلم، والإنسان يتعلم بالتجربة ويتحقق بالممارسة، لكن كيف يقيّم الأمور؟ فهذا مؤكد له محدداته في كل أمر وفق الأهداف والآليات والمتاح والمفقود، لكن ما يجمع الكل، هو كفاءة المنظومة العقلية وفاعلية مخرجاتها.

التعلم مهم لاستقرار البشرية وتغطية حاجاتها، فالآدمية التي بدأت بآدم وحواء، وصلت اليوم نحو خمسة مليارات، فتحتاج البشرية إلى طاقة وإلى آلات ومعدات وموارد مستجدة، وعمل دؤوب في تبسيط الأمور من سلاسة الحياة والإجراءات الإدارية إلى بناء أعقد المنشآت، لتنتج البشرية ما يدعم الاستقرار والأمن الغذائي والمواصلات والاتصالات وغيرها. وهنا ستظهر الشعوب تباينا في الاستخدام والتطوير للإنترنت مثلا، أو مهارات بناء السدود والمنشآت، أو التقنية في الزراعة والصناعة والفن والأدب.

التجربة حركة، وكما قلنا التوقف تلاش، فإن توقف الإنسان أو أصحاب القرار في أمة عند إنجاز ما، وبقي يراجع الذكريات ولا يبذل جهدا لتجاوز تلك المرحلة، فسيبقى يكرر إيجابيات عالقة في الذاكرة، ويسد الدرب على القادم، ومن ثم هذه ليست مراجعة، وإنما خداع للذات.

التوقف تلاش:

إن الخليقة قدرت حياتها على الحركة، فإن سكنت تلاشت. الكواكب والمجرات والكون كله في حركة، تدرك تلك الحركة بالبصيرة بما لا يطاله النظر؛ لأن البصيرة أمر فكري ومخرجات منظومة تحليل، تشحن بالتجربة والمعرفة المدركة وليس المعلومة المجردة، وعندما زل آدم قبلت توبته بعد استغفاره واعتباره، فالاعتبار أمر أساسي لفهم الدرس المفيد من التجربة.

الإنسان قد يصاب بالإحباط نتيجة عمله الدؤوب ومقابلته بالجحود والنكران، فالمعايير مهمة سواء السلوكية أو القيمية، والفعل أو رد الفعل الإيجابي من تفاعل البيئة يدفع للاستقرار، لكن عندما يحس النظام بالخطر، قد ترفع دروع الإخفاء عن البشر فنرى تطبيقات غير الزعم بالحقوق والحريات أو التقوى ورحابة الفكر، فبلا اعتبار لا فائدة وبلا توبة لا اعتبار، لأن التوبة تبدأ بالتراجع عن الإصرار، وتعطي المجال للمنظومة العقلية التي لا ينبغي أن تتوقف.

ديمومة الخلاصات تستقر مع ربط الخلاصات إلى تقييم المبدأ بعقيدة أفضل من السائبة.

التجربة والنقل:

تجارب الأمم لا تنقل كما هي سواء كانت مدنية أو فِكَرا، حصلت بموطن زماني أو مكاني آخر، وكذلك الشريعة لها اجتهادات وأحكام تتابع الزمن، فهي مثاني يفتحها الفكر المستنير.

التجربة حركة، وكما قلنا التوقف تلاش، فإن توقف الإنسان أو أصحاب القرار في أمة عند إنجاز ما، وبقي يراجع الذكريات ولا يبذل جهدا لتجاوز تلك المرحلة، فسيبقى يكرر إيجابيات عالقة في الذاكرة، ويسد الدرب على القادم، ومن ثم هذه ليست مراجعة، وإنما خداع للذات.

من دون شك، الاعتبار هو ثمرة الابتلاء، والاثنان مهمان في المراجعة.

المراجعة باختصار:

هي عملية إعادة تنظيم فكرية وأيدلوجية وآليات، لا تقام بشكل عشوائي، وإنما توضع وفق أركان رصينة قابلة للتطوير والاستطالة، بحيث تجيب عن جميع الأسئلة بكل وضوح.

1- اعتبار الفشل مسألة قدرية، هذا فشل في المراجعة.

2- إعادة المسارات على اعتبار أن الخلل ليس فيها وإنما هنالك عوارض مانعة، هذا فشل وليس مراجعة؛ لأن أي منظومة لا بد أن تأخذ التحديات بالاعتبار، بحيث تزيلها دون التأثير على الكفاءة والفاعلية.

3- هنالك خلل في صلاحية الأفكار كما فهمها القائمون بالعمل، لا تجعل النموذج الفكري صالحا، فلا بد من البحث وتعديل الأفهام، ومن مراحل عميقة.

4- الندوات والخطابات وورقات العمل دون دراسة وتمحيص من أناس ذوي إبداع، ورؤية وعلم ومهارات وآلية مراجعة ووضوح معايير ومرونة في التفكير والنفسية، وإلا فإن الجهود لا تتعدى الخطابة وزرع الأمل الزائف، والنجاح لا يتعدى نجاح الندوة وانعقادها، وإن كانت النوايا مخلصة.

 الحفظ والنقل والمعلوماتية ليست مفيدة ما لم تعالج في الذهن، ولا بد من التوقف عن مجاملة المنقول باعتباره حقائق مقدسة، وهذا لا يخص المتدينين فقط بل الجميع، والمراجعة أساس لاختيار الطريق الأصوب وليس لتحسين الأداء فقط، وتطبيق الشكليات ليس طريق النجاح، ولا بد من السعي للحفاظ على أهلية المنظومة العقلية للإنسان ليصل إلى القرار، وتكون فاعليته أمرا مشهودا.

5- التوازن بين الأمل والعمل والبيئة ومدى نفاذ التخطيط في الأساليب المتاحة.

6- النجاحات السابقة قد لا تتكرر بتغير الظرف، فهي محض تاريخ لا يدل على صلاحية الآلية للظرف الجديد الحالي في الزمان والمكان.

7- الوعود الدينية والمعتقدات قد تصنع الأوهام الظرفية، لكنها لا تمهد طرق التمكين.

8- إن الأفراد والأمم ممن لا يملكون آلية مراجعة، سيكررون أنفسهم وطرقهم مسدودة.

9- إن التعلم مهارة بشرية، وتعطيلها أيضا فعل بشري، والإحساس بعدم الجدوى، هو من معالم ضبابية الطريق ومسار التكتيك دون استراتيجية، أي تهدئة المشاكل دون وجود حل أو رؤية لحل فاعل، ناهيك عن تمهيد طرق النجاح.

إن الأمم لا تدوم بتمكينها والظلم لا يدوم، بل هو ما ينبغي أن يمنع تسلله في الحكم والسلطة، لكن يمكن تقصير زمن ضعف الأمم وهبوطها بحسن منهج المراجعات.

إن الحفظ والنقل والمعلوماتية ليست مفيدة ما لم تعالج في الذهن، ولا بد من التوقف عن مجاملة المنقول باعتباره حقائق مقدسة، وهذا لا يخص المتدينين فقط بل الجميع، والمراجعة أساس لاختيار الطريق الأصوب وليس لتحسين الأداء فقط، وتطبيق الشكليات ليس طريق النجاح، ولا بد من السعي للحفاظ على أهلية المنظومة العقلية للإنسان ليصل إلى القرار، وتكون فاعليته أمرا مشهودا.