لا يكاد يمرّ يوم إلا وتصدر المزيد من الدعوات الإسرائيلية الرافضة للفكرة الغوغائية المسماة "النصر المطلق" التي تبنّاها رئيس حكومة
الاحتلال بنيامين
نتنياهو، لأنها لم تؤدّ إلا لمزيد من التورط الإسرائيلي في
غزة، وجباية المزيد من الأثمان الباهظة من جنود الاحتلال، دون جدوى، فضلا عن كون هذه الفكرة لا تستند إلى أي استراتيجية، لأن بقاء جيش الاحتلال لفترة طويلة في غزة سيكرّر الواقع المأساوي الذي استنزف الاحتلال في لبنان، لكنه هذه المرة، وفي غزة، أكثر فتكا بعدّة مرات.
الجنرال يائير غولان نائب رئيس الأركان الأسبق في جيش الاحتلال، والزعيم الجديد لحزب العمل، ذكر أن "هناك خطة بديلة عن هذه الفكرة الشعبوية التي ينادي بها نتنياهو، أهم بند فيها أن يحرّر الإسرائيليون أنفسهم من الشعار الأجوف "النصر الشامل"، لكن العقبة الرئيسية التي تواجهها هي حكومة اليمين الحالية، التي تعتبر الأمن القومي للدولة تمرينًا في دورة إعلانية، وليس أمرا جديا وخطيرا".
وأضاف في مقال نشره موقع "
واللا" العبري، وترجمته "عربي21"، أن "كل عاقل يدرك استحالة إطلاق سراح المختطفين قسراً، ممن تخلت عنهم الحكومة يوم السابع من أكتوبر، وما زالت تتخلى عنهم حتى اليوم، والبديل أنه لا يمكننا إطلاق سراحهم إلا بصفقة، والصفقة يجب أن تكون مع حماس، مع أنه يمكن للإسرائيليين الاستمرار في خداع أنفسهم، لكن الواقع الميداني لن يتوافق مع الشعارات الفضفاضة، علاوة على ذلك، حتى في عالم خيالي لا يوجد فيه مختطفون، لن يكون من الممكن إنهاء الحرب في غزة بانتصار كامل".
وأشار إلى أنه "كما يوضح مسؤولو الجيش في ظل يأسهم، يستحيل إسقاط حماس دون خطة استراتيجية، لأنه في العقد الأخير، وفي ظل سياسة "إدارة الصراع" التي ينتهجها نتنياهو وشركاؤه، أصبحت حماس منظمة ذات خصائص جيش نظامي، بألوية وكتائب وتشكيلات مساندة، ورغم أن تشكيلاتها القتالية تلقت ضربة موجعة، إلا أنها لن تختفي، بل ستعود إلى مستوى العمليات المسلحة وحرب العصابات، وإن الاستمرار في البقاء داخل قطاع غزة، وفقًا لخطة نتنياهو وبن غفير، سيسمح لحماس باستنزاف جيش الاحتلال كما كان الحال في أيام الحزام الأمني في جنوب لبنان، لكن في ظل ظروف أكثر صعوبة، وبدرجة أعلى، لأن الحركة ستزداد قوتها من جديد".
وأكد أن "القناعات السائدة في أوساط الجيش اليوم، ورغم سيطرته الأمنية، وحرية عملياته العسكرية التي يتمتع بها في قلب قطاع غزة، فإن الهجمات لا تزال تحدث، ولا تزال هناك حاجة إلى قدر كبير من القوات للتعامل مع التهديد الذي ما زال قائما، ما يستدعي البحث عن المصلحة العليا للدولة في ما يتعلق بقطاع غزة ببناء بديل لحكم حماس، بتعاون مع الدول المعتدلة بقيادة السعودية ومصر، بجانب الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، على أن يبقى شرطها الأساسي هو موافقة الاحتلال على وجود سلطة
فلسطينية في غزة".
وأوضح أن "محافظة الجيش على حرية العمليات على الأرض في غزة وفقًا للضرورة الاستخباراتية والعملياتية، لا يتطلب إقامة دائمة في عمقها، مما يستدعي الحدّ الأدنى من التعرّض لنقاط الضعف النموذجية للأنشطة الأمنية المستمرة، والحدّ الأدنى من استثمار القوات، ولمنع تهريب الأسلحة، يجب التأكد من أن حدود القطاع مع مصر تحت إشراف جهة موثوقة مع قدرة أمنية متطورة، كالقوة الأمريكية تشرف على تنفيذ اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر، وتجمع الوسائل التكنولوجية تحت سيطرة الاحتلال".
من الواضح أن العقبة الرئيسية أمام المضي قدما في مثل هذه الخطة هي حكومة الاحتلال نفسها، لأن الاستعانة بالدول العربية "المعتدلة"، والالتزام الأمريكي بها، سيتطلب التخلي عن فكرة ضمّ الضفة الغربية، والاعتراف بأن شكلاً ما من وجود السلطة الفلسطينية في غزة يمثل مصلحة للاحتلال، لكن حكومته الحالية غير قادرة على التعامل مع اليوم التالي، ولا تريد رسم أي مستقبل للقطاع مع وجود 2.1 مليون فلسطيني يعيشون فيه، وبالتالي فإن النهج الإسرائيلي الحالي لن يؤدي إلى هزيمة حماس، ولن يخلق بديلاً لها، ولن يطلق سراح المختطفين، بل الاستمرار في الدوران في حلقة مفرغة ما زالت قائمة منذ تسعة أشهر.