أمضيت
حوالي أسبوعين بين العاصمتين
الباكستانية والأفغانية، وأنا أبحث وأسأل عن خلفيات
وتداعيات التوتر الأخير الناشب بين البلدين، والذي أتى ظاهريا على ما تقوله إسلام
آباد بسبب دعم وإيواء كابول لمقاتلي حركة
طالبان باكستان الذين يواصلون عملياتهم
ضد قوات الأمن الباكستانية، لا سيما بعد فشل التوصل لهدنة بين الطرفين برعاية
حكومة الإمارة الإسلامية الأفغانية في كابول.
وتعتقد
أوساط عدة في العاصمة الأفغانية أن من نسف هذه الهدنة بعض الأوساط العسكرية
الباكستانية، إذ إن الاتفاق كان قد أُبرم في ظل حكومة عمران خان الذي يواجه السجن
بتهم عدة الآن، ليتم التخلي عنه فجأة، وتعود الأمور إلى حالتها المتأزمة، ومربعها
الأول.
بالتأكيد
لا يمكن اختزال مسألة التوتر بهذا الشكل البسيط، فمقاتلو طالبان باكستان هم نسيج
قبلي باكستاني مقيم على الجانب الجغرافي الآخر، وقد لعبوا أدوارا مهمة، شبيهة
بأدوار الدولة الباكستانية أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، من حيث توفير الملاذ
الآمن لمقاتلي طالبان أفغانستان، ودعمهم ومساندتهم في مواجهة القوات الغربية
بقيادة أمريكا، وذلك على مدى عقدين كاملين من المقاومة الأفغانية، بينما اصطفت
الحكومة الباكستانية الرسمية طوال تلك الفترة إلى جانب القوات الغربية ضد مقاتلي
طالبان أفغانستان، إما بدعم القوات الأمريكية،
مقاتلو طالبان باكستان هم نسيج قبلي باكستاني مقيم على الجانب الجغرافي الآخر، وقد لعبوا أدوارا مهمة، شبيهة بأدوار الدولة الباكستانية أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، من حيث توفير الملاذ الآمن لمقاتلي طالبان أفغانستان، ودعمهم ومساندتهم في مواجهة القوات الغربية بقيادة أمريكا، وذلك على مدى عقدين كاملين من المقاومة الأفغانية، بينما اصطفت الحكومة الباكستانية الرسمية طوال تلك الفترة إلى جانب القوات الغربية
أو باعتقال المقاتلين وشحنهم إلى
غوانتانامو، فضلا عن مهاجمة مقاتلي طالبان باكستان وإجلائهم عن مناطقهم القبلية
إلى أفغانستان، وهو الأمر الذي لا يمكن لمقاتلي طالبان أفغانستان أن يتخلوا عنه،
الأمر الذي يذكر تماما بخسارة طالبان بقيادة الملا محمد عمر لدولتها من أجل حماية
أسامة بن لادن، يوم رفضت تسليمه للسعودية أو لأمريكا، فكيف ستُقدم الإمارة
الإسلامية الأفغانية على التخلي عن طالبان باكستان التي وقفت معها في ساعة العسرة!
يدور همس
واسع في أفغانستان بأن باكستان هي من أقنعت المملكة العربية السعودية ودولا عربية
أخرى بالابتعاد عن كابول، وإغلاق سفاراتها، ولكن مثل هذه السياسة الباكستانية إن
صحت لا يمكن التعويل عليها اليوم في ظل استقطاب إقليمي ودولي واسع النطاق، ونحن
نرى اقترابا روسيا وصينيا وإيرانيا وحتى دول شرق آسيا باتجاه الحكم الجديد في
كابول، الأمر الذي سيعزل الطرف الآخر وهو باكستان ومن يبتعد عن أفغانستان، ومعه
سيسعى المقتربون من الإمارة الإسلامية الأفغانية لاستغلال كابول لتكون مصدر تهديد
بشكل أو بآخر لإسلام آباد وغيرها. ونحن نرى ذلك بشكل واضح من خلال تشغيل شركة
هندية لميناء تشاربهار الإيراني باتجاه دول وسط آسيا.
فالإعلان
الأخير الذي تم بين نيودلهي وطهران عن تشغيل هذا الميناء المهم ولمدة عشر سنوات؛
سيلقي بتداعيات جيوسياسية خطيرة على كل من الصين وباكستان وربما على دول الخليج،
إذ إنه سيوفر نافذة لكل من أفغانستان ودول وسط آسيا بعيدا عن ميناءي كراتشي وجوادر
الباكستانيين، مما سيحرم باكستان من الإطلالة على أفغانستان ووسط آسيا، ويقدم هذه
الفرصة لخصمها اللدود الهند، ومن خلفه سيحرم الصين من استراتيجية الطريق والحزام
الواحد. أما على صعيد الخليج فإنه سيقدم الغاز الإيراني وربما غاز مناطق وسط آسيا
وتحديدا تركمانستان، كبديل عن غاز بعض دول الخليج.
ما زاد
الغضب الأفغاني أكثر هو التململ الباكستاني من شق قناة أفغانية على نهر جيحون لجرّ
المياه إلى آلاف الهكتارات الأفغانية لريّها، الأمر الذي يشي بثورة زراعية مهمة في
الشمال الأفغاني الذي يبعد مئات الكيلومترات عن الأراضي الباكستانية، ويقول
الأفغان بأن إسلام آباد منعت تصدير الإسمنت الذي يستخدم في بناء مثل هذه القنوات،
وذلك بحجة أن ذلك ربما يساعد في بناء سدود مقبلة على الأنهار الأفغانية، ومنها نهر
كونار الذي سيهدد برأيها كمية المياه الواصلة إلى باكستان، وهو أمر لم يتحمله
الأفغان، بل وصل الأمر إلى قول أحدهم لي في كابول: "إن خلاف إسلام آباد لم
يعد مع حكومة طالبان أو مع حكومة إسلامية في كابول، إن خلافها الحقيقي مع حكومة
قوية مستقلة ذات قرار وطني".
وصل الأمر إلى قول أحدهم لي في كابول: "إن خلاف إسلام آباد لم يعد مع حكومة طالبان أو مع حكومة إسلامية في كابول، إن خلافها الحقيقي مع حكومة قوية مستقلة ذات قرار وطني"
على
باكستان أن تعي تماما أن مياها كثيرة جرت بعد الغزو الغربي لأفغانستان بقيادة
أمريكا، وأن تحالفها طوال تلك الفترة ضد طالبان أفغانستان، لا يمكن تناسيه أفغانيا
بهذه السهولة، ويحتاج وقتا لتندمل تلك الجروح الغائرة. كما على باكستان أن تعي
تماما أن الجيل الأفغاني الجديد في كابول ليس كالجيل القديم الذي كان مواليا لها،
ولديها عليه أفضال كثيرة، مما يجعله محكوما بالولاء لها، فالجيل الشبابي الأفغاني
الجديد في كابول لا تربطه روابط قوية بباكستان، وإن كانت تربطه، فبمقدار وقوف
الشرائح الباكستانية معه في قتاله ضد الأمريكيين، لقد بات هذا معيارا مهما في
الحكم على الجهات التي يتعامل معها الجيل الأفغاني الحاكم.
بالمقابل
فإن على الإمارة الإسلامية في كابول أن تعي أن التعويل على
علاقات تكتيكية مع
الدول الأخرى لا يمكن الرهان عليه، يضاف إليه بأن قهر الجغرافيا يفرض على كابول
وإسلام آباد الكثير من التعاون وتناسي الخلافات التكتيكية، خصوصا مع التشاطر
العرقي والديني والمذهبي الكبير بينهما، وبجانب هذا تحديات كثيرة يطول الحديث عنها
في هذا المقال، فكما قال المثل البشتوني "إن الماء لا يمكن فصله بالعصا".