أكدت منظمات الإغاثة أن "الفوضى الشديدة" التي اجتاحت قطاع
غزة، تجعل توزيع
المساعدات أمرا خطيرا وصعبا للغاية، على الرغم من "الهدنة التكتيكية" اليومية التي أعلنتها "
إسرائيل".
وقالت صحيفة "
نيويورك تايمز": إنه بعد أيام من سريان الهدنة، لا تزال هناك أكثر من 1000 شاحنة محملة بالإمدادات عالقة في غزة بالقرب من معبر كرم أبو سالم الحدودي مع "إسرائيل"، مع وجود آلاف الأطنان من المواد الغذائية والأدوية والسلع الأخرى على بعد أميال فقط من
الفلسطينيين الذين يحتاجون إليها.
وأضافت الصحيفة أن "التهديد بالنهب والهجمات التي تشنها العصابات المسلحة أجبر منظمات الإغاثة على التوقف عن تقديم المساعدات في جنوب غزة، وكانت الشاحنات التي تستخدم طرق الإمداد مليئة بثقوب الرصاص، بينما قرر رجال الأعمال الذين يرسلون بضائع تجارية إلى الإقليم ووكالات الإغاثة أنهم لا يستطيعون المخاطرة بحياة موظفيهم".
وأوضحت أنه "ونتيجة لذلك فإن قرار الجيش الإسرائيلي بوقف القتال لساعات كل يوم على طول طريق المساعدات لم يحقق حتى الآن سوى فائدة إنسانية ضئيلة، وهذا الوضع المرير هو جزء من تأثير الدومينو للحملة الإسرائيلية في غزة، والتي أطاحت بمعظم حكومة حماس دون أي إدارة مدنية تحل محلها".
وذكرت أنه "في معظم أنحاء غزة، لا يوجد ضباط شرطة لمنع الفوضى، وعدد قليل من عمال البلدية ينظفون أكوام الركام والقمامة، ولا يوجد سوى الحد الأدنى من الخدمات العامة، في حين عوضت جماعات الجريمة المنظمة الفراغ، ولا تزال انتماءاتها – سواء كانت لعشائر غزة أو الجماعات المسلحة مثل حماس – غير واضحة".
والأربعاء، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري: إن "قادة إسرائيل بحاجة إلى تقديم بديل لحماس في غزة لتوزيع الغذاء والتعامل مع الخدمات العامة، وإلا فإنهم يخاطرون برؤية المجموعة التي قادت هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل تعود إلى السلطة".
وأضاف هاغاري: "فكرة أنه من الممكن تدمير حماس، وجعل حماس تختفي، هي ذر للرماد في عيون الشعب، إذا لم نأت بشيء آخر إلى غزة، ففي نهاية المطاف، سنحصل على حماس".
وجاءت تصريحاته وسط احتكاك علني متزايد وغير عادي بين الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية في البلاد، وبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على الحرب، لم يضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد خطة واضحة لتحقيق الاستقرار في غزة أو إدارتها، على الرغم من أنه استبعد تولي السلطة الفلسطينية المدعومة دوليا المسؤولية وبناء المستوطنات هناك.
وفي هذه الأثناء، يعاني الفلسطينيون في غزة من الفوضى والحرمان على نطاق واسع، وتؤكد منظمات الإغاثة أن مساعدات قليلة للغاية تدخل إلى المنطقة، وحتى تلك المساعدات لا تصل في كثير من الأحيان إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها.
ومنذ أن أدى الهجوم العسكري الإسرائيلي على مدينة رفح الجنوبية إلى إغلاق معبر آخر الشهر الماضي، أصبح معبر كرم أبو سالم هو القناة الوحيدة للمساعدات إلى جنوب غزة.
وقال منهل شحيبر، الذي يشرف على شركة نقل فلسطينية تعمل في معبر كرم أبو سالم، إن "بعض البضائع تفسد بسبب الحرارة على الجانب الغزي، وأن بعض الشاحنات التجارية تمكنت من الخروج تحت حراسة مشددة، على الرغم من الهجمات التي شنها مسلحون من غزة.. لكن المساعدات ظلت عالقة"، بحسب ما نقلت الصحيفة.
وأوضح شحيبر: "الناس في غزة لا يستطيعون العثور على الطعام، لكن البضائع متناثرة هنا في المعبر.. إنها كارثة".
والثلاثاء، قال فرحان حق، المتحدث باسم الأمم المتحدة، للصحفيين: إن الإعلان الإسرائيلي عن وقف المساعدات "لم يترجم بعد إلى وصول المزيد من المساعدات إلى المحتاجين".
وأضاف حق أن "غياب أي شرطة أو سيادة قانون في المنطقة جعل الطرق المحيطة بالمعبر خطيرة للغاية".
وقال أحد الأشخاص المشاركين في جهود توزيع المساعدات إن "العصابات الإجرامية المسلحة تعمل بحرية شبه كاملة في منطقة الحدود بين إسرائيل وغزة، حيث يجب أن تمر الشاحنات، وتهاجمها يوميا". ووصف هذا الشخص الهجمات بأنها منسقة ومنظمة، وليست عمليات نهب عفوية قام بها مدنيون يائسون في غزة والتي أزعجت قوافل المساعدات في الأشهر الأولى من الحرب.
وأضاف هذا الشخص أن "مهاجمين مسلحين يطلقون النار على الشاحنات ويجبرونها على التوقف ويضربون السائقين في بعض الأحيان قبل تجريد الشاحنات من محتوياتها".
وأوضحت الصحيفة أنه "ليس هناك من يمكن طلبه للمساعدة: فقوة الشرطة التي تديرها حماس والتي ساعدت في تأمين مرور المساعدات في وقت سابق من الحرب تلاشت قبل أشهر بعد أن قتل الجيش الإسرائيلي العديد من الضباط".
وانخفض عدد شاحنات المساعدات الدولية التي تصل إلى الفلسطينيين في جنوب غزة منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على رفح في أوائل أيار/ مايو، بينما يقول مسؤولو الإغاثة إن كمية صغيرة فقط من المساعدات وصلت عبر معبر كرم أبو سالم، بما في ذلك ما قال مسؤول إغاثة غربي إنها 30 شاحنة أرسلت عبر الأردن يوم الاثنين.
وظل معبر حدودي آخر، عند رفح على الحدود بين مصر وغزة، مغلقا منذ أوائل أيار/ مايو، على الرغم من أن السلطات المصرية سمحت لبعض الشاحنات بالعبور من هناك في طريقها إلى معبر كرم أبو سالم، وتختلف مصر و"إسرائيل" منذ أسابيع حول كيفية وموعد إعادة فتح معبر رفح.
وفي محاولة لتعويض النقص، بدأت السلطات الإسرائيلية بالسماح لمزيد من السلع التجارية بدخول غزة من "إسرائيل" والضفة الغربية المحتلة. وعلى عكس قوافل الأمم المتحدة، تميل هذه الشاحنات إلى السفر بحماية مسلحة، مما يسمح لها باجتياز التضاريس الخطرة.
وأوقفت "إسرائيل" عمليات التسليم التجارية لمدة أسبوعين تقريبا في محاولة للسماح لشاحنات المساعدات بالمرور، وفقا لمسؤول أمريكي يعمل في جهود الإغاثة. لكن المسؤول قال إنه يوم الأحد، ومع عدم وصول المساعدات على هذا الطريق بسبب انعدام الأمن، استأنفت إسرائيل إرسال الشاحنات التجارية، التي ذهب 20 منها إلى غزة. ولم يكن المسؤول الأمريكي مخولا بالتحدث علنا.
وقال سعيد أبو العوف، وهو رجل أعمال من غزة أرسل نحو ثلاث شاحنات محملة بالأرز إلى القطاع منذ منتصف أيار/ مايو، إنه أوقف الشحنات مؤقتا بسبب العصابات المسلحة.
وأضاف أنه دفع في الماضي آلاف الدولارات من أموال الحماية لمجموعة من سكان غزة لتأمين شاحناته، موضحا أن "الوضع الآن خطير للغاية على الجانب الغزاوي من معبر كرم أبو سالم، وهو يحمل أحدث حمولة شاحنته من البضائع على الجانب الإسرائيلي، على أمل استعادة نوع ما من النظام".
وقال أبو العوف: "لا يوجد حكم أمني أو حكومي في غزة. يمكن للأشخاص المسلحين الاستيلاء على بضائعك، لقد أصبح الأمر أكثر خطورة بكثير مما كان عليه من قبل، ونحن بحاجة إلى جهاز شرطي قوي لحمايتنا. نحن تجار، لا يمكننا أن نلعب دور الشرطة في نفس الوقت".