ليست فلسطين
وحدها التي تعاني تلك الظروف المعيشية بالغة الصعوبة منذ طوفان الأقصى وما قبلها
بعدة سنوات، بل تمتد المعاناة إلى البلدان العربية التي تعاني من حروب أهلية مثل
السودان واليمن وليبيا وسوريا، وإلى البلدان التي تعاني ظروفا اقتصادية وسياسية
صعبة في مصر ولبنان وتونس وغيرها، والنتيجة أننا بصدد شعوب أنهكتها المتاعب
المعيشية، الأمر الذي أضعف من قدرتها على الثورة ضد الأنظمة
الاستبدادية التي
تحكمها.
ومن هنا، فإن
مناسبات الأعياد كعيد الأضحى تثير المواجع والأسى أكثر مما تبعث على مشاعر الفرحة التي
تتطلبها الأعياد، فمن يعجزون عن تدبير المستلزمات الأساسية لأسرهم، من الصعب عليهم
مد العون إلى سكان
غزة المحاصرين، أو إلى سكان السودان واليمن الجائعين.
فها هو اليمن الذي
يعاني من اضطرابات داخلية منذ الربيع العربي، وزادت حدتها بعد سيطرة الحوثيين على
صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، والذين استولوا على بضعة مدن أخرى، وإطلاق عملية
عاصفة الحزم في آذار/ مارس 2015 من خلال قوات سعودية وإماراتية وأردنية وكويتية
وقطرية، واستيلاء القاعدة على مدينتي المكلا وحضرموت، ثم استعادة القوات الحكومية المدعومة
خليجيا السيطرة على عدن ومدن أخرى،
مناسبات الأعياد كعيد الأضحى تثير المواجع والأسى أكثر مما تبعث على مشاعر الفرحة التي تتطلبها الأعياد، فمن يعجزون عن تدبير المستلزمات الأساسية لأسرهم، من الصعب عليهم مد العون إلى سكان غزة المحاصرين، أو إلى سكان السودان واليمن الجائعين.
وما نجم عن تلك العمليات العسكرية من تدمير
للبنية التحتية، وتعطيل الاقتصاد وغلاء الأسعار والبطالة والفقر، مع النزوح الداخلي
لأكثر من مليوني يمني، والنزوح خارج اليمن لحوالي مليون يمني، خاصة إلى الصومال
وجيبوتي وسلطنة عمان وإثيوبيا والسعودية والسودان، وانتشار المجاعة وسوء التغذية، رغم وقف إطلاق النار منذ الشهر الأخير من العام الماضي.
لكن الأمر لا
يخلو من مناوشات عسكرية بين طرفي النزاع الرئيسيين، الحكومة والحوثيين، لتجيء عمليات
الحوثيين ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل لتجلب عليه هجمات مسلحة قاسية من قبل
القوات الأمريكية وحلفائها.
20 مليون جائع
بالسودان
ويتكرر المشهد اليمني
في سوريا التي شهدت اضطرابات ضمن احتجاجات الربيع العربي عام 2011، وما تلاها من
تمرد مسلح وتصعيد للقتال بين الفصائل المتحاربة، واستخدام القوات الحكومية للأسلحة
الكيماوية خاصة غاز السارين والقنابل العنقودية، والنتيجة نزوح داخلي لحوالي سبعة
ملايين شخص، ونزوح خارجي إلى لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، في ظل التدخل الأمريكي
والتركي ثم التدخل العسكري الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015. ورغم اتفاق وقف إطلاق
النار في كانون الأول/ ديسمبر 2016، فإن السلطات تمارس حرب التجويع ضد السوريين، مما نجم عنه تردي الأوضاع المعيشية لغالبية السوريين.
وها هو السودان
المنكوب بالانقلابات العسكرية في العقود الماضية، التي عطلت الاستفادة من مقوماته
الزراعية ليصبح مستوردا صافيا للغذاء، يشهد حربا أهلية ضارية منذ منتصف نيسان/
أبريل من العام الماضي، بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم
السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، التي انتشرت معاركها في عدة مناطق، ليسفر الأمر عن نزوح داخلي كبير لأكثر من 9 ملايين شخص، ومواجهة نحو عشرين مليونا
للجوع، بخلاف نزوح خارجي لأكثر من 1.7 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، مثل تشاد
وجنوب السودان ومصر وأفريقيا الوسطى.
وما زال طرفا
النزاع في ليبيا المدعومان من أطراف خارجية، يترقب كل منهما مواقف الآخر منذ عام
2020، مع توجيه كثير من الموارد لشراء السلاح استعدادا لنشوب الصراع في أي وقت، وما
زال للصومال نحو 842 ألف نازح خارجه حتى نهاية العام الماضي، وما زال لبنان بلا
رئيس منذ انتهاء فترة الرئيس ميشال عون بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2022، رغم إجراء
12 جلسة في البرلمان لاختيار رئيس جديد، وسط معدلات تضخم مرتفعة وترقب مخيف
لتطورات الحرب مع إسرائيل التي يكرر قادتها تهديداتهم بقصف بيروت وغيرها من المدن
اللبنانية.
قهر سياسي وتجويع
غذائي
وفي تونس، يجتمع الاستبداد
السياسي مع الغلاء وصعوبات سداد الديون، وهو أمر مشابه لما تمر به مصر منذ استيلاء
الجيش على السلطة حتى الآن، وها هي الكويت تلتحق بالدول غير الديمقراطية بعد إلغاء
نتائج الانتخابات البرلمانية، وانفراد الأمير بالسلطتين التنفيذية والتشريعية. ولا
يختلف حال الحريات في المغرب عن ذلك كثيرا، ويتضاءل الهامش الديمقراطي المتاح بدول
الخليج التي تتفنن في ترويع المعارضين مثلما يحدث في السعودية والإمارات والبحرين.
يواجه المواطن العربي في غالب الدول العربية، معاناة مزدوجة تجمع ما بين القهر السياسي، وصعوبات مواجهة تكاليف المعيشة مع ارتفاع أسعار الغذاء والمرافق، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، والإحساس بالعجز وهو يرى المواقف المتواطئة للأنظمة العربية تجاه سكان غزة والضفة الغربية، وتنسيقها مع الجيش الإسرائيلي للتجهيز للقضاء على المقاومة الفلسطينية.
وهكذا يواجه
المواطن العربي في غالب الدول العربية معاناة مزدوجة، تجمع ما بين القهر السياسي، وصعوبات
مواجهة تكاليف المعيشة مع ارتفاع أسعار الغذاء والمرافق، وارتفاع معدلات البطالة
والفقر، والإحساس بالعجز وهو يرى المواقف المتواطئة للأنظمة العربية تجاه سكان غزة
والضفة الغربية، وتنسيقها مع الجيش الإسرائيلي للتجهيز للقضاء على المقاومة
الفلسطينية، سواء من خلال اللقاءات المباشرة بين المسؤولين الإسرائيليين والعرب، أو
من خلال المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، الذين ينسقون بين المواقف الإسرائيلية
والعربية؛ سعيا لإقامة إدارة بديلة لحماس في إدارة قطاع غزة، وتقسيم غزة إلى مناطق
صغيرة المساحة، تديرها كوادر تابعة للحكومة الإسرائيلية، تمدها بالسلاح وتمنحها مهمة
توزيع المساعدات، وتكلفها بمهمة تنقية المقررات التعليمية من كل ما يمس صورة إسرائيل،
وامتداد ذلك إلى الخطاب الديني وخطب المساجد والمضمون الإعلامي المناصر للعلاقات
الودية مع إسرائيل، مع مساهمة الأنظمة العربية في القوات الدولية التي تضمن أمن
اسرائيل.
ورغم قتامة
الكثير من ملامح الصورة العربية، إلا أن صمود المقاومة لنحو تسعة أشهر، رغم الحصار
المضروب عليها غربيا وعربيا، والمشاعر الجيّاشة التي تحملها نفوس غالبية العرب
للقضية الفلسطينية، الأمر الذي يدعو للأمل ويدعو إلى التفاؤل، والتأكيد أن حل
مشكلة القضية الفلسطينية يبدأ من تطهير البلدان العربية من حكامها المتواطئين
والمنفذين للتعليمات الأمريكية والإسرائيلية بدأب.
x.com/mamdouh_alwaly