قضايا وآراء

السعودية والحجيج بين التنظيم المشروع والملاحقات المهينة

من تحققت فيه شروط الاستطاعة لأداء الحج ولكن لم يصبه دور السماح بالحج، فعندئذ يسقط عنه أداء الحج، وليس مطلوبا منه أن يحتال للدخول، ولا أن يخالف هذه القوانين- (الأناضول)
الحج فريضة يسعى كل مسلم إلى تأديتها، ويسعى كثيرون إلى التخطيط لذلك تصل ببعضهم لسنوات، يدخر فيها من المال والجهد،  ربما وصل للحرمان من ملذات الحياة، كي يحظى بهذا الشرف، لأداء فريضة كانت تسمى بفريضة العمر، لأنها تؤدى مرة واحدة في عمر الإنسان، وتحتاج من كثير من المسلمين ـ بحكم قدرتهم المادية ـ إلى سنوات طويلة من الادخار.

ولا يخلو عمل من إدارة وتنظيم، ومن الطبيعي أن تنظيم الحج مرهون بالبلد الذي يقام فيه، وهو المملكة العربية السعودية، والحق يقال: منذ سنين طويلة وهي تبذل جهودا جبارة في تطوير المشاعر، وتذليل صعابه، هذا حق لا ينكره أحد، فما حدث من تطور وتطوير لمشاعر الحج والعمرة، منظور ومشهود، وإن لم يخل من ملاحظات تتعلق بفنيات مهمة لها علاقة بمهابة الحرم، وقيمته التاريخية والدينية.

لست مع فتاوى صدرت بأن الناس عليها أن تحتال لتصل للحج، وهو تكليف للناس بما لا تستطيع، وتعريض للناس للمساءلة هم في غنى عنها، وتعريض للمشاعر لمخاطر عند زيادة العدد عن الطاقة التي يمكن للقائمين عليها تحملها، وهي فتاوى صدرت من باب مراعاة عواطف الناس، وهو ما لا يستقيم فقها عند التبصر الصحيح للأمر.
وقد قررت السعودية منذ فترة فتح باب تأشيرات الزيارة، منذ التحول الجديد على يد الأمير محمد بن سلمان، بغية فتح أبواب المملكة لمجالات أخرى غير السياحة الدينية، ولأن كثيرين من الناس استفادوا بهذه المساحة المتاحة من حرية الوصول للسعودية، بالسعي للوصول للحرم للعمرة والحج.

وقد لاحظت السلطات أن معظم من استفادوا من هذه القرارات من يريدون زيارة بيت الله الحرام، لذا فقد قررت السلطات أن حاملي تأشيرة الزيارة ليس لهم أن يحجوا، وهو قرار لا نملك أمامه سوى تنفيذه، لأنه عون للقائمين على إدارة الحج، فإن الله عز وجل جعل الحج مرهونا بالاستطاعة، حيث قال: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ولا تقف الاستطاعة في زماننا على القدرة البدنية والمالية فقط، فقد كانت في سنوات في تاريخنا الإسلامية مرهونة بالأمان كذلك.

وأصبحت في زماننا التأشيرة والإجراءات الإدارية جزءا من الاستطاعة التي وجب الحج بها، فمن تحققت فيه شروط الاستطاعة، ولكن لم يصبه دور السماح بالحج، فعندئذ يسقط عنه أداء الحج، وليس مطلوبا منه أن يحتال للدخول، ولا أن يخالف هذه القوانين، لأن من وضعها أراد بها تنظيم المشاعر، والله يعلم النوايا، وهو يحاسب عليها، ولنا أن نلتزم بكل قرار يقصد به مصلحة المسلمين العامة.

ولست مع فتاوى صدرت بأن الناس عليها أن تحتال لتصل للحج، وهو تكليف للناس بما لا تستطيع، وتعريض للناس للمساءلة هم في غنى عنها، وتعريض للمشاعر لمخاطر عند زيادة العدد عن الطاقة التي يمكن للقائمين عليها تحملها، وهي فتاوى صدرت من باب مراعاة عواطف الناس، وهو ما لا يستقيم فقها عند التبصر الصحيح للأمر.

لكن ما حدث من السلطات من تعامل مع المخالفين، من مداهمات للبيوت، وكسر للأبواب، ومهانة لا تليق مع أشخاص لم يرتكبوا جرما، فمخالفتهم ليست مخالفة جنائية، وليس دافعها الجريمة، ولا دافعها المخالفة عن سوء نية وإضمار للشر، ولكن دفعتهم عواطفهم الدينية، وحبهم لأداء فريضة الحج، وحبهم لله ورسوله، فقاموا بهذا الفعل، متوسمين شهامة وسماحة من السلطات، تقديرا منهم لهذه العاطفة.

فمع إقرارنا بحقهم في التنظيم، وواجب الناس بالاستجابة، لكن هناك من يحاول الحج مخالفا عن حب، وإن كان ما يفعله خطأ، لكنه ليس خطيئة ولا جريمة يستحق عليها هذا التجاوز غير اللائق مع ضيوف الرحمن، بينما نرى مخالفات من وفدوا للمملكة من باب السياحة، أو الرياضة، الأمر أهون لديهم من ذلك.

إن شرف خدمة الحجيج، شرف يتمناه كل شعب، ومثل هذه التعبيرات التي تخرج تعليقا على تجاوزات من الشرطة مع المخالفين، لا تتوافق مع شرف الزوار، ولا شرف المزور، فهم زوار بيت الله الحرام، ولو أخطأ بعضهم طريقة الوصول، أو مراعاة الشروط الرسمية، ففي كل الأحوال يجب أن يعامل معاملة راقية، تليق بمن أتى لزيارته.
اللافت في الأمر، أن أرقام من منعوهم من الحج لأنهم أتوا بتأشيرة زيارة، وليست للحج، معظمهم من المصريين، ولم نر أي تحرك من السلطات المصرية للتوسط لأناس من بسطاء الشعب، أو لحث السلطات السعودية التعامل معهم بشكل لائق وإنساني، فضلا عن التوسط لاستثناء كبار السن منهم، ومن بلغ مرحلة ربما لا يمكنه العودة للحج مرة أخرى، وهؤلاء لو تأملنا في حالاتهم، ربما لم يزيدوا عن ألف حالة، وهؤلاء كان يمكن للسلطة المصرية التوسط لدى الملك سلمان، ولن يكون أمرا صعبا، وكانت ستحسب لهم وللسعودية.

اللافت أكثر في الموضوع هو ما بدأ يتسرب لدى الشعوب من التعامل في هذه القضايا بتجرد المشاعر عن التدين، فترى من يعلقون من أهل السعودية بأنها بلدنا وعليكم أن تحترموا قوانيننا، والأمر لا علاقة له باحترم أو عدم احترام، فليس في نية ولا فعل أحد ممن بقي ليحج، أن يتجاوز، أو لا يحترم السعودية قانونا ولا دولة، بل هي عاطفة دينية محضة لدى الناس، وبخاصة فقراء الشعوب ومنهم الشعب المصري، الذين قام كثير منهم ببيع ما لديه، فما يطفح به التواصل الاجتماعي من عبارات وتعليقات خالية من الإنسانية والرحمة الدينية التي من المفترض أن تراعى، هذه مسألة باتت فجة ومزعجة في آن واحد.

إن شرف خدمة الحجيج، شرف يتمناه كل شعب، ومثل هذه التعبيرات التي تخرج تعليقا على تجاوزات من الشرطة مع المخالفين، لا تتوافق مع شرف الزوار، ولا شرف المزور، فهم زوار بيت الله الحرام، ولو أخطأ بعضهم طريقة الوصول، أو مراعاة الشروط الرسمية، ففي كل الأحوال يجب أن يعامل معاملة راقية، تليق بمن أتى لزيارته.

ولو عدنا إلى أحداث مضت، كيف تعامل شرطي سعودي في المطار مع مغني أمريكي، وحين أوقفه لمخالفة قانونية، اشتكى المغني، وتحدث فيما بعد بسخرية عن السعودية، وكيف أن المسؤولين أرادوا إرضاءه بأي ثمن، ولو بسيارة فخمة وغالية الثمن، فإن فقيرا واحدا ممن رغبوا بالحج ولو مخالفا، يزن مئات من مثل هذا، وهو الأولى بالتقدير والاحترام، والتعامل الإنساني، حيث إنه قصد بيت الله الحرام.

Essamt74@hotmail.com