يعتبر قادة
الاحتلال الإسرائيلي أن اليوم التالي لإنهاء الحرب على
غزة، سيكون "مليئا بالغموض"،
ولا تستطيع "إسرائيل" وضع خطة له، فيما يتفق معظم المسؤولين الإسرائيليين على
أن الوقت قد حان لـ "التفكير في عملية انتقالية في غزة".
وقال الكاتب
ديفيد إغناتيوس في مقال له في
واشنطن بوست: "عندما أطلب من أحد كبار
المسؤولين الإسرائيليين أن يصف لي كيف قد يبدو 'اليوم التالي' في غزة، على افتراض
إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار، يجيبني بإجابة صادقة ولكنها تقشعر لها
الأبدان: 'سوف يكون طويلا ودمويا'".
وأضاف إغناتيوس أن
هذه هي الحقيقة الصارخة التي تواجه الوسطاء الأمريكيين وهم يسعون إلى التوصل إلى
هدنة بدعم جديد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحتى لو وافقت
حماس وانتهى
القتال الرئيسي، فإن الاحتلال سيظل ملتزما بتجريد حماس من السلاح، ومن غير المرجح
أن يقبل أي حكومة مستقبلية بأقل من ذلك، ومن المؤكد أن حماس ستقاوم.
وأوضح أنه عند التحدث عن غزة ما بعد الحرب فإن ذلك يعني بالنسبة له أن المجتمع الدولي،
بقيادة الولايات المتحدة، يجب أن ينشئ إطارا أمنيا للحد من العنف والإصابات بين
المدنيين عندما يبدأ هذا الصراع المروع في التراجع، وأن تتحرك إدارة بايدن في هذا
الاتجاه، بدعم من القيادة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، إن لم يكن رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو.
ويشير إلى أن
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يواصل دبلوماسيته المكوكية المتقطعة هذا الأسبوع
عندما سافر إلى "إسرائيل" والمنطقة، وذكّر نتنياهو بأن "النصر الكامل"
يمكن أن يكون سرابا، مذكرا بأن الولايات المتحدة تعلمت بالطريقة الصعبة في العراق
وأفغانستان أنها تستطيع الانتصار في كل معركة ولكنها تخسر الحرب - لأنها تفتقر إلى
استراتيجية سياسية واقعية.
ويرى أن ما يأمله بلينكن هو أن يقبل قادة حماس الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النار وإطلاق
سراح الأسرى وبدء ما قد يكون طريقا طويلا نحو سلام دائم، ومن الممكن أن تبدأ
المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار على الفور إذا وافقت حماس على ذلك، لكن بلينكن
كان يتحدث مع الإسرائيليين والعرب حول الطريق نحو وقف التصعيد، بغض النظر عما تقرره
حماس.
أضاف إغناتيوس أن معظم القادة الإسرائيليين متفقون على أن الوقت قد حان للتفكير في عملية
انتقالية في غزة. وتريد إسرائيل "تحولا هبوطيا" هناك، كما قال أحد
المسؤولين الأمريكيين، جزئيا حتى تتمكن من التركيز بشكل أكبر على التهديد المتزايد
الذي يشكله حزب الله في لبنان.
وبحسب ما أخبر
المسؤولون كاتب المقال فإن لدى "إسرائيل" خطة لليوم التالي، وقد أقرها مجلس الوزراء
الحربي (بما في ذلك نتنياهو) قبل استقالة زعيم المعارضة بيني غانتس في نهاية
الأسبوع الماضي، وقد اقترح هذه الخطة وزير الحرب يوآف غالانت، الذي لا يزال في
الحكومة، ويطلق عليها الاسم المختصر "الفقاعات الإنسانية".
ويشرح كاتب المقال
الفكرة قائلا إن "إسرائيل" ستبدأ "عملية انتقالية أحادية الجانب في منطقة في شمال
غزة تكون خالية إلى حد كبير من أفراد حماس، وبعد إقامة محيط محكم هناك، سينسحب
الإسرائيليون ويتركون الحكم والأمن المحلي لمجلس فضفاض يتألف من عائلات محلية
بارزة وتجار ونقابات عمالية وأعيان آخرين".
ولتوفير القوة
اللازمة لإبعاد حماس والحفاظ على النظام، ستعتمد هذه المجموعة الحاكمة على
فلسطينيين محليين تم فحصهم ودعمهم بقوة دولية، بما في ذلك بعض القوات العربية ذات
الخبرة من دول مثل
مصر ومن باب حسن التدبير، قد تقوم "الفقاعة" أيضا
بتوظيف مقاولين أمنيين غربيين، لن يكونوا من شركة بلاك ووتر، ولكن هذه هي الفكرة.
ويقول إن
المسؤولين الأمريكيين أخبروه أنهم متشككون في هذه الخطة، وقال إنه يشاركهم هذه
الشكوك. إنه شيء بين "مجتمع مسور" في ضاحية خيالية بعيدة عن غزة ومفهوم
"القرية الاستراتيجية" الذي أثبت فشله في فيتنام. علاوة على ذلك، لن
تكون مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، التي، بالإضافة إلى كونها المجموعة الحاكمة
الشرعية، تظل العدو الفلسطيني الأقوى لحماس.
ويرى المسؤولون
الإسرائيليون أن الفقاعة ستكون نموذجا تجريبيا قد يجذب الدعم تدريجيا من
الفلسطينيين الآخرين الذين هم في أمس الحاجة إلى العمل والأمن. ويقول هؤلاء
المسؤولون إن الهدف هو إضعاف حماس مع خلق مساحة سياسية بديلة حيث يمكن تسليم
المساعدات الإنسانية بشكل آمن ويمكن البدء في إعادة الإعمار. في هذه الأثناء، خارج
الفقاعة، ستستمر معركة القضاء على حماس.
وبحسب مقال
إغناتيوس فإن بعض المسؤولين الإسرائيليين الأكثر خبرة يجادل لصالح نهج الفقاعة،
لأنهم يقولون إن معظم الفلسطينيين في غزة لا يعتقدون أن حماس فقدت السلطة، ولكسر
هذه الحالة النفسية، كما يقولون، كان على إسرائيل أن توقف تهريب حماس من خلال
الاستيلاء على ممر رفح في الشهر الماضي. وعلى نحو مماثل، يتعين عليها أن تستمر في
محاولة القضاء على قيادة حماس والتمسك بشكل حاسم بهدف نزع السلاح.
ويؤكد هؤلاء
المسؤولون أن اللجوء إلى السلطة الفلسطينية ليس أمرا منطقيا، لأن لديها بضعة آلاف
فقط من الأعضاء الذين يمكن الاعتماد عليهم في غزة، كما أن قادتها كبار في السن
ومتعبون ومكروهون من قبل الجمهور. لا يوجد "تنشيط" للسلطة الفلسطينية
حتى الآن، بل فقط "تجميل"، كما يقول أحد المسؤولين.
ويتساءل الكاتب
عن الرؤية البديلة لإدارة بايدن للمضي قدماً؟ ويجيب قائلا إنها تبدأ بحقيقة أن
إسرائيل لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها. ولإنهاء الحرب، سواء بوقف إطلاق النار أو
بدونه، فإن ذلك يحتاج إلى دعم من المجتمع الدولي. وقد أيد مجلس الأمن الخطة
الأمريكية لهدنة مرحلية؛ وبعد ذلك، يمكنها أن تدعم إطارا للانتقال الفعلي - والذي
من شأنه أن يوفر الشرعية لسلطة حكم انتقالية وقوة أمنية دولية للعمل مع
الفلسطينيين المحليين.
ويختتم مقاله
قائلا: "لم نصل بعد إلى اليوم التالي، وحتى عندما نصل إلى هناك، فلن تكون
عملية غير دموية. ولكن ربما يكون هذا هو 'اليوم الفاصل'، ويستحق بايدن وفريقه
الثناء على مواصلة المسار، وتفادي الضربات من اليسار واليمين، في محاولة وقف هذه
الحرب الرهيبة".