سياسة دولية

هل ستستمر علاقة الولايات المتحدة الخاصة مع الاحتلال الإسرائيلي؟

الإدارة الأمريكية التي تتراجع عن السلوك الإسرائيلي أو تطالب بتنازلات كبيرة قد تثير الجدل- الأناضول
نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للباحثة داليا شيندلين، قالت فيه؛ إن إدارة بايدن أكدت في 8 أيار/ مايو أنها احتجزت شحنة أسلحة كبيرة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي. وكانت هذه أكبر خطوة اتخذتها الولايات المتحدة منذ عقود لكبح تصرفات الاحتلال الإسرائيلي. ويتعلق القرار بشحنة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، ولم يؤثر القرار على عمليات نقل الأسلحة الأخرى. 

لكن الإعلان أكد أيضا شيئا آخر: الانقسام الحزبي المتزايد داخل الولايات المتحدة بشأن دولة الاحتلال الإسرائيلي، لعدة أشهر، جعل بعض القادة الديمقراطيين في الكونغرس والعديد من الناخبين الديمقراطيين يشعرون بأن الإدارة كانت متسامحة للغاية مع سلوك الاحتلال الإسرائيلي في الحرب. على الجانب الآخر، تعرض قرار بايدن بخصوص القنابل لانتقادات شديدة من قبل العشرات من أعضاء الكونغرس الجمهوريين.

وتفتخر واشنطن بتقاليدها المتمثلة في دعم الحزبين لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن في الواقع، فإن الفجوة الحزبية آخذة في الاتساع منذ سنوات؛ إذ أصبح الناخبون الديمقراطيون، والأمريكيون الأصغر سنا بشكل عام، ينتقدون حرمان دولة الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين من حقوقهم، وفاقم من ذلك السياسات الشعبوية لحكومة نتنياهو المتطرفة. ومن ناحية أخرى، يعدّ الجمهوريون والعديد من المحافظين الدينيين الدعم لدولة الاحتلال الإسرائيلي أحد أركان الإيمان.

إن القراءة الحزبية المتزايدة للعلاقات الثنائية لا تقتصر على الجانب الأمريكي فقط. على الرغم من الدعم القوي الذي قدمته إدارة بايدن لدولة الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر وطيلة الحرب، إلا أن الإسرائيليين يظهرون أنهم يفضلون دونالد ترامب على جو بايدن بفارق كبير. وليس من الواضح ما إذا كان هؤلاء يشعرون بقلق كبير إزاء حدوث تمزق في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، قد يعرض المساعدات العسكرية الكبيرة التي تعتمد عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي للخطر.

لم يظهر الاحتكاك المتزايد بين الإسرائيليين والأمريكيين فقط بسبب الحرب الحالية في غزة، حيث تشير المسارات الاجتماعية والسياسية الأطول أمدا في كل من البلدين، إلى أن "القيم المشتركة" الشهيرة التي عززت العلاقة لعقود من الزمن كانت تحت الضغط أصلا. لكن الحرب أبرزت هذا التوتر، والسياسات الحزبية التي تحركه، بشكل واضح، وهذا لا يعني أن البلدين يسيران على مسار تصادمي، لكنه يثير تساؤلات مهمة حول طبيعة التحالف في السنوات المقبلة.

لفهم أهمية الخلاف الحالي، من المهم أن نتذكر أن التحالف الأمريكي الإسرائيلي قد صمد في وجه العديد من الخلافات على مدى العقود الماضية. في الماضي، كان كل جانب يفترض أن العلاقة الأساسية كانت قوية بما يكفي لاستيعاب التوترات أو حتى الأزمات. 

إن الإدارة الأمريكية التي تتراجع عن السلوك الإسرائيلي أو تطالب بتنازلات كبيرة قد تثير الجدل، لكن استطلاعات الرأي، حيثما كانت متاحة، أشارت إلى أن الإسرائيليين عموما أذعنوا للأمريكيين، بغض النظر عمن كان في البيت الأبيض.


لنأخذ إدارة كارتر على سبيل المثال. وفي خرق لعقود من السياسة الأمريكية، أصبح الرئيس جيمي كارتر في عام 1977، أول رئيس أمريكي يتحدث علنا عن الحاجة إلى وطن فلسطيني، في ملاحظة مرتجلة في اجتماع في قاعة مدينة ماساتشوستس، حتى إن ستيوارت آيزنستات الذي كان كبير مستشاري كارتر للسياسة الداخلية، والذي شارك بشكل كبير في سياسة الإدارة في الشرق الأوسط، تفاجأ، ويتذكر في إحدى المقابلات: "لقد كدت أن أسقط من مقعدي".

ومع ذلك، في عام 1978، استضاف كارتر مفاوضات كامب ديفيد بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تملّق الاحتلال الإسرائيلي لإجراء انسحاب لا يحظى بشعبية من سيناء، التي احتلتها بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، ووضع القضية الفلسطينية بشكل مباشر على جدول أعمال المفاوضات.  وعندما سُئل اليهود الإسرائيليون في شهر أيلول/ سبتمبر من ذلك العام عن مدى ثقتهم في كارتر، قال ما يقرب من ثلثيهم؛ إنهم يثقون به إلى حد ما أو بقدر كبير. 

كذلك، حافظ الرئيس بيل كلينتون على دعم واسع النطاق في دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى عندما كان يدعو إلى سياسات لا تحظى بشعبية. وفي عام 1994، بعد مرور عام على توقيع اتفاقيات أوسلو المثيرة للجدل، قال 65 في المئة من الإسرائيليين؛ إنهم راضون إلى حد ما أو جدا عن كلينتون. 

وفي العام التالي، عاشت دولة الاحتلال الإسرائيلي موجة من التفجيرات الانتحارية واغتيال رئيس وزرائها، وكان هناك ما يكفي من القلق بشأن الاتفاقات التي دفعت الإسرائيليين إلى انتخاب نتنياهو؛ ومع ذلك، ظل الدعم لكلينتون قائما.

وتابع التقرير نفسه بالقول: "كما كان الزعيم الإسرائيلي الذي يتحدى رئيسا أمريكيا بوقاحة شديدة، قد يواجه عواقب سياسية خطيرة في الداخل. في أوائل عام 1992، هدد وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر بحجب ضمانات القروض الأمريكية لردع الزعيم الإسرائيلي اليميني، إسحاق شامير عن استخدام الأموال لبناء المستوطنات. فيما رفضت حكومة شامير الشروط الأمريكية، ويقال؛ إن هذا الصدع ساهم على نطاق واسع في خسارة شامير في الانتخابات الإسرائيلية عام 1992".

لكن ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت هذه الأنماط صحيحة اليوم. وعلى الرغم من دعم بايدن الساحق لدولة الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول وطوال فترة الحرب، إلا أن الإسرائيليين لم يظهروا سوى موافقة فاترة عليه. 

وفي منتصف شهر آذار/ مارس، وجد استطلاع للرأي أجرته شبكة "نيوز 12" العبرية، أن الإسرائيليين يفضلون ترامب على بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بفارق 14 نقطة: 44 في المئة لترامب، مقابل 30 في المئة فقط لبايدن. 

وكان هذا قبل فترة طويلة من إعلان الإدارة قرارها بحجب شحنة الأسلحة، وقبل أن تقول الإدارة؛ إنها ستفرض عقوبات على عدد صغير من المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية.

كما هو الحال مع المواقف الأمريكية تجاه القيادة الإسرائيلية، فإن المواقف الإسرائيلية تجاه الإدارات الأمريكية تتوافق أيضا إلى حد كبير مع الانتماء السياسي: في استطلاع نيوز 12، قال ما يقرب من ثلاثة أرباع أولئك الذين يدعمون ائتلاف نتنياهو؛ إنهم يفضلون ترامب، في حين قال 55 في المئة من أولئك الذين يدعمون الأحزاب المعارضة؛ إنهم يفضلون بايدن. وفي الواقع، يعكس هذا الانقسام الحزبي ذروة القوى الاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة في كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة لسنوات.

وفي الأشهر التي سبقت إعلان بايدن عن تأخير شحنة الأسلحة، كان استياء الديمقراطيين من الحرب الإسرائيلية في غزة يتصاعد. وكان الأعضاء التقدميون في الكونغرس يضغطون على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد سياسات نتنياهو. وفي شهر آذار/ مارس الماضي، وفي سابقة انتقد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو ديمقراطي وسطي ومؤيد معروف لدولة الاحتلال الإسرائيلي. نتنياهو علنا، ودعا إلى إجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة. 

لكن هذه التطورات تعكس أيضا اتجاهات طويلة المدى في الرأي الأمريكي بشأن  دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومن المهم أن نلاحظ أنه، كما كان الحال في العقود الماضية، فإن أغلبية كبيرة من الأمريكيين تدعم الاحتلال الإسرائيلي. 

وقد استشهد نتنياهو نفسه باستطلاع أجرته Harvard CAPS / Harris في شهر آذار/ مارس، الذي وجد أن 82 في المئة من البالغين الأمريكيين يدعمون دولة الاحتلال الإسرائيلي على حماس في الحرب الحالية. 

وفي الشهر التالي، وجد استطلاع أجرته Harvard CAPS / Harris أن 52 في المئة من الأمريكيين أعطوا دولة الاحتلال الإسرائيلي تصنيفا "إيجابيا" أو "إيجابيا جدا"، مقارنة بـ 16 في المئة فقط للسلطة الفلسطينية، و14 في المئة لحماس. 

ومع ذلك، فقد أصبح الأمريكيون ينتقدون على نحو متزايد السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وذلك وفقا لاستطلاعات غالوب، إذ انخفض الجزء الإجمالي من الأمريكيين الذين يقفون إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين من 64 في المئة في عام 2018 إلى 51 في المئة فقط في أوائل عام 2024. 

وكشفت استطلاعات مركز بيو أيضا، عن فجوة حزبية متزايدة بشأن هذه المسألة؛ ففي عام 2001، انحاز 50 في المئة فقط من الجمهوريين إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي.

وبحلول عام 2018، ارتفع العدد إلى 79 في المئة؛ على العكس من ذلك، تقلصت نسبة أولئك الذين اختاروا دولة الاحتلال الإسرائيلي بين الديمقراطيين من 38 في المئة في عام 2001 إلى 27 في المئة فقط في عام 2018، ويبدو أن هذا الاختلاف قد تعزز في السنوات التي تلت ذلك.

كما أن هناك فجوة كبيرة بين الأجيال في وجهات النظر الأمريكية بشأن دولة الاحتلال الإسرائيلي. ووجد استطلاع أجراه مركز بيو في شباط/ فبراير 2024، أن 78 في المئة من الأمريكيين الأكبر سنا (أكثر من 65 عاما)، يرون أن أسباب خوض دولة الاحتلال الإسرائيلي للحرب صحيحة، في حين أن 38 في المئة فقط من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يعتقدون ذلك، أي بفارق 40 نقطة. كما وجد استطلاع Harvard CAPS / Harris الذي أجري في نيسان/ أبريل أن المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، انقسموا بالتساوي تقريبا بين أولئك الذين يعتقدون أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي المسؤولة في الغالب عن "الأزمة في غزة"، وبين الذين حمّلوا حماس المسؤولية في الغالب، ومن ألقى فقط اللوم على دولة الاحتلال الإسرائيلي.


في أغلب دول العالم الغربي، يميل الشباب إلى الليبرالية والتقدمية، وتميل السياسات الليبرالية أو ذات الميول اليسارية إلى دعم الأشخاص المضطهدين، وهو النمط الذي ساعد في تأجيج الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين من قبل الشباب الأمريكيين. ومن الجدير بالذكر، أن الميل التقدمي للشباب في الغرب، يبدو عكس الاتجاه الذي يتجه إليه الشباب الإسرائيلي. وعلى مدى 15 عاما على الأقل، أظهرت الدراسات المتعمقة توجهات يمينية ثابتة بين الشباب اليهود الإسرائيليين. 

وتزامن الميل اليميني للناخبين الإسرائيليين الشباب بشكل وثيق مع جهود نتنياهو لجعل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية أكثر حزبية. فبعد وقت قصير من عودة نتنياهو إلى السلطة في عام 2009 بدأ نتنياهو ووكلاؤه في مهاجمة أوباما بشكل منهجي؛ لأسباب مثل دعم الرئيس في عام 2011 لحل الدولتين.

وفي عام 2015، خاض نتنياهو مقامرة أكبر، فكسر أحد المحرمات لفترة طويلة، وألقى خطابا في الكونغرس بناء على دعوة أحادية من المشرعين الجمهوريين، حيث شن هجوما واسع النطاق على جهود إدارة أوباما، لتأمين اتفاق مع إيران لكبح جماح برنامجها النووي. 

وقام نتنياهو بتلك المغامرة ليعاد انتخابه. ولم تثن إهانة نتنياهو لأوباما الرئيس عن التوقيع على ما كان في ذلك الوقت أحد أكبر حزم المساعدات الأمريكية في التاريخ: 38 مليار دولار لدولة الاحتلال الإسرائيلي على مدى عشر سنوات.


عندما تم انتخاب ترامب رئيسا في عام 2016، صوره نتنياهو على أنه أفضل صديق لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وسرعان ما أصبح مصطلح "مؤيد لإسرائيل" يعني تبني سياسات ترامب: إذلال الفلسطينيين، واقتراح خطط لدولة الاحتلال الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس. إذا نظرنا إلى الماضي، ونظرا لسجل إدارة ترامب تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، فليس من المستغرب أن ينظر إليه الإسرائيليون بشكل إيجابي.

على النقيض من ذلك، حتى قبل دخوله المكتب البيضاوي، فإن سجل بايدن طوال حياته باعتباره ديمقراطيا مخلصا مؤيدا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لم يشفع له لدى العديد من الإسرائيليين. 
الرأي العام يتقلب، لكن في الماضي، ساعدت المواقف الإسرائيلية الإيجابية بشكل عام تجاه الرئيس الأمريكي أحيانا، في منح الرئيس السلطة لتعزيز السياسات في دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تعكس المصالح الأمريكية. 

وأشار آيزنستات إلى أن فريق كارتر قرأ استطلاعات الرأي الإسرائيلية عن كثب، لمعرفة ما إذا كان الإسرائيليون يدعمون جهود الرئيس للتوصل إلى ما وصفه بـ"سلام إسرائيلي مصري". يتذكر آيزنستات أن الإسرائيليين كانوا يريدون ذلك بشكل عام.

على النقيض من ذلك، في نيسان/ أبريل 2024، بعد أن جمعت الولايات المتحدة تحالفا دوليا يضم حتى دولا عربية لتقديم دعم عسكري استثنائي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، باستخدام دفاعاتها الجوية المشتركة لإحباط هجوم صاروخي إيراني ضخم، بدا أن الإسرائيليين لم يعودوا أكثر تفضيلا لإدارة بايدن من ذي قبل. 

وفي أعقاب الهجوم، ذكّرت مبادرة "إسرائيل" للديمقراطية الإسرائيليين بهذا التحالف الفعال للغاية، وسألتهم عما إذا كانوا "سيوافقون الآن من حيث المبدأ على إنشاء دولة فلسطينية في المستقبل، مقابل اتفاق دفاع إقليمي دائم". ولم تتزحزح الأرقام الإسرائيلية: فقد رفضت الفكرة أغلبية بلغت 55 في المئة، بينما وافق عليها 34 في المئة فقط. وكان المعدل أقل بين اليهود الإسرائيليين: 26 في المئة فقط وافقوا على ذلك.


ويعتقد العديد من الإسرائيليين أن بايدن استسلم لضغوط اليسار، وأن طلاب الجامعات الأمريكية الذين كانوا يحتجون على الحرب في غزة تعرضوا لغسيل أدمغة، وأن معاداة السامية ارتفعت إلى مستويات خطيرة.

لا يُعرف الكثير عن الوجهة التي سيتجه إليها كلا البلدين، ولكن إذا تباعدت القيم الأساسية للولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل أكبر، فإن الجيل القادم من القادة في كلا البلدين قد لا ينظر بعضهم إلى بعض على أنهم متقاربون. وفي هذه الحالة، قد تضمن المصالح الاستراتيجية المشتركة بقاء الدولتين حليفتين، لكنها قد تفقد "العلاقة الخاصة" التي اعتمدت عليها في الماضي.