نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" مقالا، للصحفي، إيشان ثارور، قال فيه إنه "لا تزال أراضي الضفة الغربية والقدس، والتي يُتصور أن تكون مقرا لعاصمة فلسطينية، تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، بحكم الأمر الواقع، مقسمة حسب الضرورات الأمنية لاحتلال الإسرائيلي. إن أراضي غزة هي منطقة حرب مدمرة ومليئة بالأنقاض، وهي مقبرة لأكثر من 34900 فلسطيني استشهدوا في الهجوم الإسرائيلي المستمر.
ليس هناك وضوح بشأن من سيحكم غزة بمجرد توقف الحرب، أو كيف يمكن حكم مثل هذا المكان المدمر وإعادة بنائه. إن الحركة الوطنية الفلسطينية تعيش حالة من الانقسام والضعف، وسوف تكافح السلطة الفلسطينية المحاصرة في شكلها الحالي من أجل تشكيل جبهة موحدة. ربما تتعرض حماس للضرب، لكن من الصعب هزيمتها، وما زالت تقاتل دولة الاحتلال الإسرائيلي في مناطق غزة حيث كان يعتقد أنه تم تحييدها.
وفي مختلف الفصائل الرئيسية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، من المعسكر اليميني بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى خصومه الأكثر اعتدالا، ليس هناك اهتمام حتى بالحديث عن تقرير المصير أو إقامة دولة فلسطينية. كان هذا هو الحال على نطاق واسع قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.. وحتى أكثر صحة بعد هذا التاريخ.
ومع ذلك، وبعيدا عن الأراضي المقدسة، فإن الضجة المطالبة بإقامة دولة فلسطينية تزداد ارتفاعا. وترى الولايات المتحدة وجيران دولة الاحتلال الإسرائيلي العرب أن إحياء "حل الدولتين" عنصر أساسي في أي سلام بعد الحرب. ويتجه عدد متزايد من الدول إلى تأكيد هذا السيناريو من حيث المبدأ، بغض النظر عن عدم وجوده على أرض الواقع.
واحدة من تلك الدول هي إسبانيا. ومن المتوقع أن تعترف الحكومة في
مدريد، إلى جانب نظيراتها في إيرلندا ومالطا وسلوفينيا، في وقت لاحق من هذا الشهر رسميا بالدولة الفلسطينية، لتنضم إلى أكثر من 140 دولة عضو أخرى في الأمم المتحدة تعترف بالفعل.
وفي مقابلة إعلامية، قال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، إن هذه اللفتة الرمزية، التي أرسلتها الحكومة الإسبانية ذات الميول اليسارية منذ فترة طويلة، كانت جزءا من إيمان بلاده بضرورة حل الدولتين لتسوية الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين و"وضع حد لدوامة العنف" في المنطقة.
أخبرني ألباريس أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو "الأداة الأفضل الآن لحماية حل الدولتين" في وقت يبدو فيه الأمل ضئيلا في أن يؤتي هذا الحل ثماره. وقال إن مثل هذا الإجراء، إلى جانب أشكال أخرى من الضغط الدبلوماسي على دولة الاحتلال الإسرائيلي مثل العقوبات المفروضة على بعض الكيانات الاستيطانية في الضفة الغربية التي فرضتها إدارة بايدن، يمكن أن يساعد في دفع الوضع الراهن الذي لا يمكن الدفاع عنه. مضيفا أن قرار إسبانيا بالاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية سوف يساعد في "توجيه الحوار" في أوروبا.
وفي مقابلة، الجمعة، في واشنطن، التي زارها ألباريس في رحلة ليوم واحد حيث التقى بوزير الخارجية، أنتوني بلينكن، قلل وزير الخارجية الإسباني، إنه من أهمية نقاط الخلاف مع الولايات المتحدة، مؤكدا رغبتهما المشتركة في تحقيق "سلام نهائي" في المنطقة.
وأشاد ألباريس، بدبلوماسية بلينكن المكوكية المتواصلة في الشرق الأوسط. لكن في ذلك اليوم بالذات، صوتت إسبانيا لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي حث على "حقوق وامتيازات" جديدة لدولة فلسطينية، فيما دعا مجلس الأمن إلى إعادة النظر في طلب الفلسطينيين أن يصبحوا العضو رقم 194 في الأمم المتحدة. وكانت الولايات المتحدة من بين مجموعة صغيرة مكونة من تسع دول صوتت ضد القرار.
وجهة النظر الأمريكية هي أن العضوية الفلسطينية الكاملة في الأمم المتحدة يجب ألا تسبق المحادثات الناجحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تأتي بعدها. وقال روبرت وود، نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، الخميس: "لقد قلنا منذ البداية إن أفضل طريقة لضمان العضوية الكاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة هي القيام بذلك من خلال المفاوضات مع إسرائيل. ويظل هذا هو موقفنا".
لكن ألباريس جادل بعكس ذلك. فنظرا للقوى السائدة التي تعمل ضد قيام الدولة الفلسطينية، فإن الاعتراف الدولي في منتديات مثل الأمم المتحدة يشكل إحدى الطرق القليلة لتعزيز قضية الدولة الفلسطينية ودعم البراغماتيين داخل الحركة الوطنية الفلسطينية الذين يمكنهم المساعدة في التوسط في السلام. وقال: "قريبا، إذا لم نتحرك، سيكون الأمر مستحيلا تماما. سيكون شيئا لكتب التاريخ".
وكانت الحكومة الإسبانية صريحة بخصوص التجاوزات الملحوظة في هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة. ودعا رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إلى وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/ نوفمبر، وحذر من أن نهج نتنياهو الحالي يهدد بعزلة الاحتلال الإسرائيلي على المسرح العالمي.
وأدان الباريس التحرك الواضح تجاه رفح جنوب غزة والتي تضم أكثر من مليون فلسطيني، العديد منهم نزحوا بسبب الحرب. وقال: "هناك بالفعل كارثة إنسانية تحدث في غزة، لكن هذا سوف يكون أكبر بكثير".
وكانت إسبانيا أيضا من بين الدول الغربية الأولى التي ضغطت ضد تخفيض التمويل للأونروا، وكالة الأمم المتحدة لمساعدة الفلسطينيين، ومنحت الشهر الماضي الوكالة ومديرها وسام إيزابيلا الكاثوليكية الملكي، وهو أعلى وسام في إسبانيا.
لم تُقابل الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الإسبانية بنفس الإجراءات القمعية التي شوهدت في أماكن أخرى في أوروبا والولايات المتحدة. وقال إغناسيو مولينا، وهو الخبير في معهد إلكانو الملكي، وهو مركز أبحاث في مدريد، لإذاعة صوت أمريكا: "إن فلسطين هي واحدة من القضايا القليلة التي يمكن لإسبانيا أن تصنع فيها سياسة خارجية تقدمية".
وأضاف: "كما أنها تمنح إسبانيا دورا قياديا في الاتحاد الأوروبي. تتمتع إسبانيا بمكانة خاصة على المستوى الدولي من حيث الروابط بين العالم العربي وأمريكا اللاتينية، ما يمنحها سلطة أخلاقية معينة في هذه القضية".
واتفق ألباريس مع ذلك قائلا إن الصراع كان له صدى أكبر بالنسبة لبلاده "ربما لأننا دولة متوسطية، لأننا نعرف العالم العربي جيدا، ولأنه جزء من تاريخنا". لكنه أضاف أن وجهة نظر حكومته ترتكز على تبني مبادئ عالمية تمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط وتؤكد أيضا نهجها في دعم مقاومة أوكرانيا للغزو الروسي، والإيمان بحماية المدنيين، والدفاع عن القانون الدولي والالتزام بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
وقال ألباريس للكاتب: "نحن نؤيد هذه الأشياء، سواء في أوكرانيا أو في غزة. وعندما نقول دعونا نوقف هذه الحرب، فإننا نريد ذلك في أوكرانيا ونريده في غزة".