طرحت الزيارة الرسمية الأولى التي قامت بها
رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني للواء الليبي المتقاعد خليفة
حفتر، في مقره العسكري
بشرق البلاد تساؤلات حول التداعيات والدلالات والأهداف التي
تحملها هذه الزيارة في هذا التوقيت.
وزارت "ميلوني" المقر العسكري للقوات
التابعة لحفتر والتقت الأخير لمناقشة المستجدات والتطورات المحلية وسبل التعاون
والتنسيق بين البلدين، وكذلك أهمية العمل على مواصلة الدفع بالعملية السياسية
لضمان إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في
ليبيا للوصول إلى مرحلة الاستقرار، وفق التصريحات التي صدرت عنهما.
وسلط الإعلام الحربي التابع لحفتر الأضواء على
الزيارة وتعمد إظهار حفتر في دور المسيطر وأنه يجبر المسؤولين على زيارة مقراته
العسكرية واللقاء به بشكل رسمي وبصفة "قائد القيادة العامة"، مشيرا إلى
أن "ميلوني" أعربت عن تقديرها لدور القيادة العامة (حفتر) في حفظ الأمن
والاستقرار وحرصها على وحدة التراب الليبي، وفق المكتب الإعلامي التابع لحفتر.
"أبناء حفتر"
والملفت في الزيارة هو قيام "بلقاسم
وصدام" نجلي خليفة حفتر بالاستقبال الرسمي لرئيسة الوزراء الإيطالية متجاوزين
كل الرتب والقواعد العسكرية والبروتوكولية في مراسم الاستقبال لدرجة تقدمهم على
رئيس أركان قوات حفتر نفسه، ما طرح تساؤلات حول سبب ظهورهم ومدى سيطرتهم على قوات
حفتر فعليا.
وزارت "ميلوني" العاصمة الليبية
"طرابلس" والتقت كلا من رئيس الحكومة هناك، عبدالحميد الدبيبة، وكذلك رئيس
المجلس الرئاسي، محمد المنفي، لبحث تطورات العملية الانتخابية وتوقيع عشرات
الاتفاقات مع حكومة الدبيبة.
لكن زيارتها الرسمية لأول مرة لحفتر هي ما أثار
سؤالا عن أهداف الخطوة وهل تدخل في إطار الدعم السياسي أم إنها استغلال لحفتر في ملف
الهجرة غير النظامية؟
"صفقات غربا وشرقا"
من جهته قال وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى
التويجر، إن "زيارة ميلوني لبنغازي بعد طرابلس تؤكد أنها تدرك أن حكومة
الدبيبة وحدها لا تمثل كل ليبيا وأن القضايا المشتركة بينها وبين ليبيا لن تحل مع
طرابلس وحدها، واستقبال أبناء حفتر لميلوني يدل على دورهما المتزايد في قيادة
القوات المسلحة والمنطقة الشرقية".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن
"الزيارة لا تشكل دعما سياسيا لحفتر بقدر ما تنم عن قضايا محلية تواجه ميلوني
تبحث عن حلول لها في ليبيا بعقد صفقات مقابل أوهام تقدمها لليبيين كعادة
إيطاليا
التي تأخذ ولا تعطي"، وفق تعبيره.
وتابع: "لا نستبعد أيضا احتمال أن تقوم
إيطاليا بإغراء القيادة العامة في شرق ليبيا بضرورة التخلي عن قوات
"فاغنر" الروسية خشية روما من تجذر وجود الروس في المنطقة
الشرقية"، كما رأى.
"دور إيطالي قوي"
في حين قالت رئيسة لجنة التنمية المستدامة بمجلس
النواب الليبي، ربيعة بوراص، إن "ما تشهده ليبيا من تركيبة سياسية وعسكرية
وأمنية معقدة سواء في شرق أو غرب وجنوب البلاد، هو ما يجعل الأطراف الدولية وأيضا
الليبية تتعامل مع المشهد بحياد وبدون تحيز لأي طرف لضمان استمرار الاستقرار على
الصعيد الدولي والمحلي".
وأشارت في تصريحها لـ"عربي21" إلى أن
"كل المؤسسات في ليبيا خاصة العسكرية والأمنية أخذت الطابع الأسري من ناحية
القيادات الرئيسية في هذه المؤسسات، لذا فإن وجود أبناء حفتر في المشهد السياسي في شرق
البلاد هو ما يفرضه واقع الحال وواقع الاستقرار الذي تحصلت عليه المنطقة بعد
صراعات وحروب طويلة، وينطبق ذات الشيء على المناطق والمدن الأخرى"، بحسب
تقديراتها.
وحول دور إيطاليا في ليبيا، قالت: "روما
تتعامل بشكل واقعي مع الأطراف الليبية، فهناك مصالح كثيرة مشتركة بين ليبيا
وإيطاليا لا تحتمل التأجيل، مثل ملفات الهجرة والطاقة والتنمية بشكل عام، ومثل هذه
الواقعية التي نشهدها اليوم تسهم بشكل غير مباشر في استمرار وقف إطلاق النار وجسر
الهوة بين الأطراف المتصارعة"، كما صرحت.
"فتح قنوات تواصل وتفاوض"
الأكاديمي الليبي وأستاذ علم الاجتماع السياسي،
رمضان بن طاهر رأى من جانبه أن "الزيارة تشير إلى الرغبة في تعزيز العلاقات
والتواصل مع جميع الأطراف المعنية في الصراع الليبي، والترويج للحوار والتفاهم بين
الأطراف المختلفة وتعزيز الاستقرار في البلاد، وهذا النوع من اللقاءات يمكن أن
يساعد في فتح قنوات الاتصال مع الأطراف المعنية بالصراع الليبي وتعزيز فهم المواقف
والمصالح المشتركة".
وأكد أن "نتائج الزيارة وتأثيرها تعتمد
على العديد من العوامل المعقدة والديناميكيات السياسية والميدانية في ليبيا، وقد
لا تحقق الزيارة نتائج فورية وقد تكون هناك صعوبات في التوصل إلى تفاهم شامل حول
المصالح المشتركة بما فيها ملف الهجرة غير الشرعية"، كما توقع.
وفي تعليقه على ظهور أبناء حفتر بقوة في
الزيارة، قال لـ"عربي21": "قد يكون الهدف هو إظهار الدور المهم لهم
في الساحة السياسية والعسكرية في ليبيا، ويمكن أن يكون الاستقبال جزءًا من الجهود
لتعزيز المكانة والشرعية لأبناء حفتر والتأكيد على دورهم باعتبارهم جزءًا من
الجهود العسكرية والسياسية، خاصة دروهم في الشرق والجنوب الليبي"، بحسب كلامه.
ورأى الصحفي الليبي، موسى تيهو ساي، أن "الزيارة
لها بعد أمني واقتصادي وهو ما يخص الحد من الهجرة غير الشرعية، وهدف آخر هو عرض
مخاوف إيطاليا من التوسع الروسي غير المسبوق في البلاد وهذه مطالب غربية بالدرجة
الأولى، بما في ذلك عرض الأوروبيين التعاون مع حفتر في مجالات أمنية وسياسية بشكل
أكبر في حال تعامله ببرود مع الروس"، كما صرح لـ"عربي21".