وصلت أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى
مصر هربا من حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع
غزة المستمرة لليوم الـ212، مقدمين كل مدخراتهم ومثقلين بالديون فقط من أجل النجاة بالنفس وتوفير أبسط الحاجات الإنسانية لأطفالهم وعائلاتهم.
ونزح نحو 100 ألف فلسطيني إلى مصر من غزة منذ بدء الحرب الحالية، بحسب ما أفاد به السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح لوكالة "فرانس برس".
ويحرم هؤلاء النازحون حتى الآن من تسجيل أطفالهم في المدارس، أو فتح أعمال تجارية رسمية أو حسابات مصرفية أو السفر أو الحصول على التأمين الصحي.
توتر وخوف
يقول سراج (29 عاما) إنه حتى الآن يشعر بالصدمة في كل يوم وفي كل موقف يحدث له رغم وصوله إلى مصر منذ شهر تقريبا، مضيفا أن "جميع من سبقوني قالوا لي إن ذلك سيحدث معي لكني لم أتوقع أن يكون ذلك بهذه القوة".
ويكشف سراج لـ"عربي21" أنه يسكن حاليا في موقع قريب من مطار جوي، ويسمع يوميا أصوات الطائرات سواء المدنية أو الحربية، وأنه في كل مرة يشعر بالتوتر والخوف اللحظي حتى يدرك أن هذا الصوت لا يشبه في معناه ما كان يسمعه دائما في غزة ومختلف الأماكن التي نزح إليها داخل القطاع.
ويقول: "كنت خارجا من أحد المقاهي بعد لقاء أحد الأصدقاء من غزة كان قد سبقني إلى مصر ضمن تحويلة طبية ومكث في المستشفى حتى الأسبوع الماضي، ومرت طائرة حربية وبصوت مرتفع، أردت الانبطاح على الأرض.. الصوت باغتني بعد فترة طويلة من نسيان صوت الطائرات الحربية".
ويضيف: "نظرت إلى صديقي فوجدت نظرة معتادة على ملامحه، وليس نظرة استغراب من تصرفي الذي كان وشيكا، كلنا نعلم ما هذه الأصوات وماذا تمثل لنا، وحتى الآن وعند أي صوت مفاجئ مثل إغلاق باب بقوة أو سقوط زجاجة على الأرض نعود لنربط الأمور بالخطر الذي كان يتربص بنا وما زال يهدد أهلنا داخل القطاع".
التسجيل بالمدارس
من ناحيتها، تقول رشا (48 عاما) إنها منذ مجيئها إلى مصر برفقة أولادها وبقاء زوجها في غزة بسبب ظروف عمله، تكافح من أجل الاعتياد على وضعها الجديد التي تكاد لا تصدقه.
وتذكر رشا لـ"عربي21" أنه "في السابق أي مشوار أو تحرك كان صعبا ومعاناة كبيرة، من انتظار لساعات من أجل تحصيل سيارة أجرة مكتظة أو المشي على الأقدام لفترة طويلة وسط زحام الناس الشديد، كنا أيضا نتنقل بشاحنات النقل والباصات الصغيرة، حيث تركب النساء في المقاعد الأمامية في كابينة السائق، بينما يتكدس الرجال والشباب في صندوق النقل الكبير متمسكين بالقضبان الحديدية أو بعض الحبال التي يضيفها صاحب المركبة".
وتقول: "في أول مرة خرجت فيها مع أولادي ضمن نزهة، طلبوا تناول الآيس كريم، مع أول لحظة تذوقته بها انفجرت بالبكاء، والله لم يهن علي أن أكون بأمان وأتناول الآيس كريم وأهلي في خطر وقلق مستمر حول التهديد باجتياح رفح".
وتوضح أنها حتى الآن وفي كل خروج من المنزل تتردد بسبب صعوبة المواصلات التي كانت خلال الحرب، قائلة: "بعدها أتذكر أنني لست في الحرب وأنه بإمكاني أخيرا الذهاب إلى الطبيب من أجل علاج ألم أسنان ابنها الصغير أو عمل نظارة لمعالجة الانحراف لابنتها الأخرى التي خسرت نظارتها الخاصة خلال الحرب ولم تتمكن من عمل غيرها".
وتستطرد: "رغم نعمة الأمان إلا أننا أيضا غير مستقرين ونفتقد لأمور أساسية حتى عودتنا إلى غزة إن شاء الله، حتى الآن مش عارفين نسجل الأولاد في مدرسة، في البداية قالوا ممكن يتم التسجيل في مدرسة خاصة سورية أو دولية، ثم قالوا إن الدراسة ستكون في العام الجديد وإن هذا العام انتهى تقريبا ولا مجال لاستدراكه، حتى إنه لا يوجد موقف واضح من السفارة الفلسطينية، التي أعلنت قبل شهور عن برنامج للتعليم الإلكتروني ثم أوقفته بحسب ما قالوا لنا، ننتظر حتى العام الدراسي الجديد ونرى ما الذي سيحدث".
منع فتح حساب بنكي
بدوره، يقول محمد (32 عاما) إنه يعمل حاليا على إعادة فتح مطعم للوجبات السريعة الذي تدمر في غزة، مضيفا أن "المطعم هو مصدر رزقي الوحيد، وبعد سفري برفقة عائلتي جرى تدمير المطعم بشكل كامل".
ويكشف محمد لـ"عربي21" أنه يعمل حاليا على إعادة فتح مشروعه بشكل مؤقت في مصر من أجل تدبير مصدر دخل، موضحا أنه "لا يمكنني إتمام ذلك باسمي وأوراقي، أنا مضطر لعمل كل المعاملات الرسمية باسم أحد المواطنين المصريين إذا كنت أريد فتح المحل في مكان معروف مثل أحد المولات".
ويقول: "طبعا هناك أمور صعبة ومعوقات كثيرة مثل عدم إمكانية فتح حساب بنكي في مصر، البنك الوحيد الذي وافق على ذلك، وهو بنك خليجي، طلب مني ورقة تفيد عملي في شركة ما، وأنا لست كذلك".
تنسيق المطار
بدوره، يقول عمر (28 عاما) إنه بعدما وصل إلى مصر كان مضطرا للسفر إلى السعودية ضمن زيارة عمل كان مخططا لها من قبل الحرب لحضور مؤتمر ضمن المجال الذي يعمل به لتمثيل شركته العالمية.
ويكشف عمر لـ"عربي21" أن الأمر قد يبدو بسيطا ويمكن حله بحجز التذكرة والتوجه إلى المطار وتنتهي الأمور، موضحا أن "هذا لا يحدث مع الفلسطيني، وخاصة القادم من غزة، لأني عرفت أنه في حال مغادرتي مصر فقد لا أتمكن من العودة إليها، لذلك فإنه يوجد ما يسمى تنسيق المطار".
ويشرح عمر بأن "تنسيق المطار هو نفس تنسيق شركة هلا، أي دفع أموال من أجل المرور عبر وسيط لتنسيق السفر أو المرور مع جهة أمنية ما، الفارق أن ثمنه هذه المرة 300 دولار فقط وليس 5000 مثل الخروج من غزة باتجاه مصر".
ويضيف أنه "حتى تنسيق المطار مش جديد علينا، وكنا نضطر لعمله إذا أردنا دخول مصر وليس زيارة دولة أخرى مثل تركيا، وذلك من أجل تفادي ما يسمى ’الترحيل’ المهين والطويل الذي يستهدف الشباب والرجال".