ملفات وتقارير

تسوية أم استغلال.. رفع رسوم مبادرة تسوية التجنيد للمغتربين المصريين إلى 7 آلاف دولار

رفع تسوية الإعفاء من التجنيد للمغتربين من 5 آلاف إلى 7 آلاف دولار- القوات المسلحة
رفعت الحكومة المصرية رسوم مبادرة تسوية التجنيد للمغتربين المصريين إلى 7 آلاف دولار، بدلا من 5 آلاف دولار، ما أثار جدلا واسعا داخل المجتمع المصري.

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، تبدو هذه الخطوة محاولة لاستغلال الموارد المالية للمصريين المقيمين في الخارج.

ولكنها في الوقت نفسه تفتح نقاشا حول مدى مشروعية تحويل الخدمات والمزايا كافة إلى عرض للبيع مقابل المال، وهو ما يمكن أن يؤثر على نظام القيم الاجتماعية والسياسية في البلاد.

ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء الماضي، أعلنت فيه رفع رسوم "تسوية التجنيد" للمصريين بالخارج من 5 إلى 7 آلاف دولار.

وأشارت الوزارة في بيان لها: "لن يُسمح بتجديد جوازات السفر للمصريين بالخارج، إلا بعد تسوية المواقف التجنيدية، بداية من مطلع الشهر الجاري ولمدة شهرين".

واشترطت الوزارة أن يتم تحويل المبالغ بالعملات الأجنبية من خارج مصر، ولن يتم قبول العملة المحلية في هذا الأمر.

ويلزم قانون الخدمة العسكرية والوطنية، رقم 127 لسنة 1980، بتجنيد من أتم 18 عاما، ولا يسمح بمغادرته البلاد دون إذن من وزير الدفاع أو تقديم شهادة إتمام الخدمة العسكرية أو استثنائه أو إعفائه منها.

ويعاقب "كل متخلف عن مرحلة الفحص أو التجنيد متى جاوزت سنه الثلاثين عاما بالحبس، وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

الجوانب السياسية

من الناحية السياسية، يُمكن النظر إلى هذه المبادرة كنوع من المساومة على أداء الخدمة العسكرية، وهو واجب وطني. فبدلا من أداء الخدمة، يُمكن للمغتربين دفع مبلغ من المال للحصول على إعفاء.

وقد يُثير ذلك تساؤلات حول عدالة هذه المبادرة، وإمكانية تهميش مبدأ المساواة بين المواطنين. فهل يُمكن شراء الإعفاء من واجب وطني بالمال؟

أضف إلى ذلك، تُثير هذه المبادرة تساؤلات حول مسؤوليتها في تعزيز ظاهرة تهرب الشباب من أداء الخدمة العسكرية من ناحية، ومنح الحكومة الحق في خرق القوانين مقابل المال من ناحية الأخرى.



"الهبرة" و"السبوبة" 
يرى استشاري الاستثمار والاستراتيجيات، الدكتور مراد علي، أن "الاختلاف ليس في المبادرة في حد ذاتها التي تطبق في بعض البلدان، بقدر ما هو اختلاف حول أسلوب إدارة البلاد وطغيان مفاهيم مثل "السبوبة" و "الهبرة" على المبادئ الأساسية والأسس الحاكمة المنظمة للحكم".

ودلل على حديثه بالقول في تصريحات لـ"عربي21": "ما الذي حدث حتى يتم زيادة سعر الإعفاء  إلى 7 آلاف دولار بدلا من 5 آلاف دولار، ما المقابل الذي حصل عليه المغترب في الخارج حتى ترفع الرسوم بنسبة 40%، هل شرحت الدولة للمغتربين أسباب هذه الزيادة، وما هي المعايير التي استندت إليها في تقييمها لهذا المبلغ؟ كلها أسئلة دون إجابات".

وانتقد مراد "هيمنة أسلوب الجباية لدى الحكومة المصرية، وطرق أي باب حتى لو كان مخالفا للقانون، من أجل تحصيل أي أموال من جيوب المصريين، سواء في الداخل أو الخارج، وهو يعكس فلسفة الحكم والإدارة في مصر القائم على استغلال، وليس تسهيل أوضاع المصريين".


"حلول من جيوب المواطنين"
اقتصاديا، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سابقا، أحمد ذكر الله؛ إن "الدولة في ظل الأزمة الاقتصادية وشح الدولار، وما ترتب على ذلك من أزمات متعددة، واضطرارها إلى بيع أصول قديمة وأخرى جديدة وحديثة، وبيع أسطول طائراتها الأخيرة، يدل على أن هناك أزمة مستمرة ولم تنته حتى الآن٬ ولذلك، تتواصل المبادرات التي تخاطب المغتربين لجمع أكبر قدر ممكن من أموالهم، مثل مبادرات سيارات المصريين في الخارج، والشهادات الدولارية، وأراضي بيت الوطن، وأخيرا مبادرة الإعفاء التجنيد التي تأتي ضمن هذا السياق".

وانتقد في حديثه لـ"عربي21": "المغالاة في تحديد رسوم تسوية موقف المغتربين من التجنيد، ومبلغ 7 آلاف دولار أو يورو، هو مبلغ كبير بالنسبة للشباب العالمين، سواء في دول الخليج أو الدول الأوروبية ولا يأخذ بعين الاعتبار الأعباء الاقتصادية في تلك البلاد ومسؤولياتهم تجاه أسرهم، وغيرها من المسؤوليات، ومن ثم لم تراع الدولة ذلك ولم تر إلا مصلحتها".

وختم حديثه قائلا: "نستخلص أن الغرض هو استغلال هؤلاء المغتربين هذه المبالغ، لا تورد إلى خزانة الدولة، وإنما إلى القوات المسلحة وصناديقه الخاصة التي لا نعلم عنها شيئا، والأثر السلبي من وجهة نظري هو اضطرار جمهور الناس من الشباب إلى تأجيل العمل بالخارج، في ظل وجود مثل هذه الرسوم الباهظة٬ ما ينعكس بالسلب على تحويلات المصريين بالخارج، والجفاء بين الشباب وأوطانهم الذين سوف يقاطعون العودة إلى حين تجاوز سن الثلاثين".