تتفاعل منذ مدة في الشمال السوري "المحرر" قضية ما بات
يُعرف بـ"العملاء"، على خلفية ما قامت به هيئة
تحرير الشام من اعتقال عشرات
العسكريين والنشطاء والشخصيات المؤثرة خلال الشهور الماضية، للاشتباه في تورطهم
بعلاقات مشبوهة وعمالة للتحالف والروس والنظام السوري.
صاحب ذلك وجود خلافات داخلية في أوساط أجنحة الهيئة، واشتداد القبضة
الأمنية في التعامل مع نشطاء الفصائل الأخرى، وأصحاب الرأي المعارض لسياسات
الهيئة، وتشير تقارير صحفية إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، والمظاهرات بسبب سياسة
الهيئة في التعامل مع قضية "العملاء" والمعارضين لسياساتها.
فما هي قصة "العملاء"؟ وما هي تداعياتها وتفاعلاتها داخل
الهيئة، وفي الأوساط الحزبية والشعبية السورية؟ وما هي أسباب تصاعد تلك الاحتجاجات
وانفجار المظاهرات ضد الهيئة.. ومن يحركها ويقف وراءها؟ وكيف تعاملت الهيئة معها
ومع المعارضين لسياساتها؟ وما هي مآلات تلك الاحتجاجات الآخذة بالتوسع في مناطق
الشمال السوري "المحرر"؟
الكاتب والإعلامي السوري، أحمد موفق زيدان أوضح أن خلفية الأحداث
المتصاعدة حاليا ترجع إلى "اعتقال بعض العسكريين والشخصيات في الشمال المحرر
على خلفية معلومات وشبهات وردت لجهاز الأمن عن تورطهم بعلاقة وعمالة مع التحالف
والروس والنظام، ليتبين لاحقا أن هذه الشخصيات، وهي المشهود لها بالسابقة، بريئة
مما نسب إليها فريق التحقيق الخاص الذي أخضعها للتعذيب لانتزاع رواية تناسبه".
وأضاف: "فتم توقيف فريق التحقيق وأودع السجن، وأطلق سراح كل من
تم إيقافه، لكن هذا الأمر نشر القلق والخوف لدى الحاضنة في الشمال المحرر، وبدأت
المخاوف تجري في أوساط المعتقلين والموقوفين الآخرين واستغلت بعض الجهات ذلك، وعلى
رأسها حزب التحرير" على حد قوله.
وواصل حديثه لـ
"عربي21" بالقول إنه "من المؤكد أن هناك
جهات علمائية ومشيخية حريصة على الشمال السوري المحرر، وتطالب بالعدل، وإطلاق سراح
البريئين وقد أُطلق سراح كثير منهم، لكن ينبغي أن نتفطن لقضية مهمة جدا، وهو أن ما
تحقق في ضبط الأمن والسلامة بمنطقة واسعة تضم حوالي خمسة ملايين شخص، ليس بالأمر
السهل ولا يمكن التفريط به، وينبغي الحذر من زيادة ضغط المظاهرات، لأن هذا يودي
بكل المكتسبات التي حققها المحرر، مع الحرص على المطالبة بالأفضل".
أحمد موفق زيدان.. كاتب وإعلامي سوري
واستدرك قائلا: "ولكن ينبغي أن تتم معالجة الأمر بدقة، فنحن ـ أولا
وأخير ـ كسنة في الشمال المحرر وسوريا ليس لدينا التجربة الحكمية، وبالتالي سيقع
كل طرف حاكم بأخطاء، والعلاج هو أن نتحمل بعضنا، ونطالب بالإصلاح، ولكن مع تجنب
خسارة كل شيء، وكما قيل فكم من مريد للخير لا يصيبه ولا يدركه.
أما عن تعامل الهيئة مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، فوصف زيدان
تعاملها بـ"الجيد، إذ إنها لم تقمع المظاهرات، ولم تتعرض لها، ومن ثم كان
حراكا سلميا عريقا يليق بثورة عظيمة كالشعب السوري، وهو ما يؤسس ـ فيما أرى ـ إلى
تقبل الرأي والرأي الآخر".
ودعا "الشخصيات الرمزية إلى الحذر من ركوب بعض الجهات الموجة،
مما يفقد هذه الرمزيات تأثيرها وضبطها للأمور، فتبوء ـ لا سمح الله ـ بمسؤوليتها
الدنيوية والأخروية، لأنه كما نعرف أن الرموز في العادة ليست قادرة على ضبط
الشارع، وليس لديها من القوة التي تمكنها من أن تكون البديل، فيكون البديل جهة
أخرى، ربما ستندم حينها تلك الرموز على ما حصل، ولنا عبرة في ندم أحمد شوقي ومحمد
رشيد رضا وغيرهم على دعوتهم لمناهضة الخلافة العثمانية".
وفي هذا الإطار كان لافتا ما ذكره الداعية السوري، أحد أبرز
الشرعيين، عبد الرزاق المهدي بشأن لقائه بأبي محمد الجولاني، رئيس تحرير هيئة
الشام في السابع عشر من الشهر الجاري، بأنه وافق على اللقاء بعد إلحاح بعض الدعاة
عليه كي يجلس مع الجولاني وينصحه، لما له من مكانة وتقدير عنده.
وأضاف في بيان نشره عبر حسابه على موقع إكس: "فوافقت وتم
اللقاء.. وقد تكلمت في الجلسة بما أتكلم به على قناتي أو في المظاهرات.. تكلمت عن
السجون والمنفردات وعن التعذيب الشديد، والشبح والكهرباء.. كما تكلمت عن الضرائب
والمعابر والتشديد على الناس".
وأوضح أنه ذهب لينصح ولم يذهب للتفاوض "فلا أحد يملك التفاوض
نيابة عن الناس" وأكد في ختام بيانه أنه "لا يجوز لي ولا لغيري أن نسكت
عن الظلم والخطأ، والمظاهرات السلمية المنضبطة هي مشروعة طالما قامت لتحقيق مطالب
مشروعة، وطالما هناك ظلم ومخالفات شرعية من قبل السلطة فمن حق الناس التعبير عن
رفضهم لذلك، بكل وسيلة سلمية متاحة حتى يرفع الظلم وينشر العدل".
حزب التحرير من الأحزاب والقوى المشاركة في المظاهرات والاحتجاجات
الشعبية في مناطق الشمال السوري "المحرر"، وهو يطالب بقوة بإسقاط
الجولاني، وكانت الهيئة قد اعتقلت خلال الشهور الماضية العشرات من قيادات وأعضاء
حزب التحرير في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، على خلفية نشاطاتهم المعارضة
لسياسات الهيئة، واتهامهم لهها بالتورط بالمال السياسي، وتنفيذ سياسات وأجندات
خارجية تتعارض مع مطالب وأهداف الثورة السورية.
من جهته لفت عضو حزب التحرير، منذر عبد الله إلى أن "شباب حزب
التحرير كانوا في طليعة الحراك من البداية فنالهم القدر الأكبر من القمع والبطش
والسجن لمدد طويلة، وتم تغييبهم عن أهلهم وأطفالهم بلا ذنب سوى قول كلمة
الحق" مضيفا "لقد ازداد تخبط جماعة الجولاني بعد اتساع الحراك فقد
أدركوا أن نهايتهم قد اقتربت فباتوا يحاولون مرة خداع الناس بالحديث عن إصلاحات،
ومرى أخرى يمارسون البلطجة لعلهم يجهضون الحراك".
وردا على سؤال
"عربي21" حول الأسباب الرئيسية لهذا الحراك
المتصاعد ضد الهيئة، فإنه أرجعها إلى "تحول الهيئة إلى أداة لتمرير وفرض، ما أسماه
بـ"التسوية الخيانية" مع عصابة دمشق، فقد كانت مطواعة في تنفيذ مخرجات
سوتشي والاستانة، والتزمت بالبرنامج الذي فرضته السلطات التركية التي تلعب دورا
أساسيا في تنفيذ سياسة أمريكا الهادفة إلى تصفية الثورة وتعويم النظام المجرم".
منذر عبد الله.. ناشط وعضو في حزب التحرير
وتابع بأنه "كان من نتائج ذلك توقف القتال الحقيقي مع النظام
التزاما بالتهدئة التي فرضها الضامن المتآمر، وأن تلاحق الهيئة كل فصيل يحاول فتح
الجبهات، فكان القمع والبطش بكل مخلص، ولم يقتصر الأمر على ضرب المجاهدين
المخلصين، بل شمل القمع كل من ينتقد هذا المسار (الخياني)، وزج الناشطين في السجون
وقتل بعضهم".
وأردف بأنه "في المقابل فتحت المعابر مع النظام، وباتت الهيئة تسوق
نفسها كجماعة معتدلة تحارب التطرف لعلها تصبح مقبولة عند رأس الكفر أمريكا، إضافة
إلى ذلك كله فثمة مظالم تتعلق بفرض الضرائب والمكوس التي حرمها الإسلام، والتي
تثقل كاهل الناس" حسب قوله.
ووفقا لمراقبين فإن هيئة تحرير الشام منذ بدء المظاهرات المناهضة
لسياساتها في مناطق نفوذها قبل شهرين تقريبا تواجه أزمة حقيقية، تحاشت معها اللجوء
إلى القوة لمواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، فلم تقمع المتظاهرين، وفضلت
اتباع أساليب ناعمة لاحتواء الحراك الشعبي، والالتفاف على مطالب المتظاهرين، عبر
الوعود بالقيام بإصلاحات جدية وحقيقية، سواء على لسان زعيمها الجولاني، أو عبر
مؤسساتها وهيئاتها الرسمية.