تحتفل
مصر في الأول من مايو بيوم العمال، وهو يوم يشهد ظاهرة الحفاوة والاحتفاء بدور العمال في بناء الوطن، لكن وراء هذه الاحتفالات تكمن معاناة الملايين منهم الذين يواجهون صعوبات عديدة في ظل غلاء المعيشة وسوء الظروف العملية.
يسلط
عيد العمال في مصر الضوء على العديد من التحديات والمشاكل التي يواجهها العمال، ويتطلب التغلب عليها جهودا مشتركة من الحكومة وأصحاب العمل والمجتمع المدني لتحسين أوضاعهم وتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة.
تبلغ قوة العمل في مصر نحو 30 مليون عامل وموظف، ويستحوذ القطاع الحكومي والعام على نحو 17 في المئة بإجمالي خمسة ملايين موظف وعامل، بينما يعمل حوالي 25 مليون عامل في القطاع الخاص بنسبة 83 في المئة.
وتنعكس أوضاع الأعمال المتردية على أكثر من 110 ملايين مواطن حيث يعيش نحو 60 في المئة من سكان مصر تحت خط الفقر أو يقتربون منه، وفق وكالة "رويترز"، كما يعاني نحو 60 مليونا من الفقر بحسب تقديرات البنك الدولي.
لماذا يحرم العمال من إنشاء نقابات مستقلة في مصر؟
أحد أبرز الأسباب في تراجع أجور العمال هو تقييد حرية النقابة في مصر بسبب السيطرة الحكومية القوية على الشؤون العمالية، وهو ما يجعل العمال غير قادرين على الدفاع عن حقوقهم والمطالبة بتحسين ظروف العمل والأجور.
هذا على الرغم من تشكيل أول نقابة عمال فى مصر عام 1898 وهي نقابة عمال السجائر كأول نقابة مصرية، ومن ثم توالى ميلاد التنظيمات النقابية فى مصر التي أخذت تمارس دورها، وتنظيم الإضرابات، وصدر أول قانون يعترف بالنقابات في مصر في أيلول/ سبتمبر 1942 وهو القانون رقم 85 لسنة 1942.
لماذا لم ينعكس زيادة الحد الأدنى للأجور على كل العاملين في القطاع الخاص؟
زادت الحكومة المصرية، الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص من 3500 جنيه (72.9 دولار) إلى 6 آلاف جنيه (125 دولار) شهريا، على أن يطبق بداية من شهر أيار/ مايو الجاري. رغم الزيادة الكبيرة إلا أنها لم تنعكس على قيمة الأجر بسبب تعويم الجنيه أكثر من مرة.
باتت قيمة الحد الأدنى من الأجور الحقيقية في تناقص مقارنة بقيمتها عام 2014، بعد أن تراجعت قوتها الشرائية بشكل كبير، بالتالي لم تنعكس على تحسين حياة العمال، إضافة إلى عدم تطبيق الحد الأدنى على جميع العمال.
يُعَتَقَد أن عدم تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور على جميع العمال في القطاع الخاص يعود إلى ضعف التنفيذ والرقابة، فضلا عن مقاومة بعض أصحاب العمل لهذه الزيادة نتيجة تأثيرها على تكاليف الإنتاج والأرباح.
ويُعَتَبَر العمال في مصر غالبا الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج، حيث يعملون في ظروف صعبة ويتلقون أجورا منخفضة نسبيا مقارنة بتكاليف المعيشة المتزايدة.
الحاجة إلى إصلاحات أوسع
يُشير بعض الخبراء إلى أنّ رفع الحد الأدنى للأجور وحده لن يحل مشكلة الفقر في مصر. فإنّ الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية أوسع، مثل تحسين بيئة الأعمال وتوفير فرص عمل جديدة، هي ضرورية لزيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة.
يقول القيادي النقابي وعضو لجنة القوى العاملة والصناعة بمجلس الشورى سابقا، طارق مرسي، إن "الحديث عن أوضاع العمال هو حديث ذو شجون، للأسف الشديد أحوالهم من أسوأ لأسوأ وبعد رفع الحد الأدني للأجور إلى 6000 جنيه ( 125 دولارا) في الشهر أي 4 دولارات في اليوم".
وأضاف لـ"عربي21": "هذا الأجر ليس له أي قيمة الآن في ظل هذا الغلاء الفاحش بسبب هذا النظام الفاشل الذي أغرق مصر بالديون، ولا يستفيد منها إلا عدد محدود لأن القانون يستثني من رفع الحد الأدنى للأجور العاملين بالقطاع الخاص كل العاملين بالمشروعات التي يقل عدد العمال فيها عن عشرة عمال".
ونبه مرسي إلى "خطورة توجه نظام السيسي أيضا للتخلص من العمال من خلال تصفية الشركات وتسريح العمال وبيعها في طروحات لمستثمرين لسداد الديون"، مشيرا إلى "أن العمال في مصر يعانون من ظروف عمل غير مستقرة، وأجور غير كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وهذا يرجع إلى ضعف قوانين حماية العمال وتطبيقها، بالإضافة إلى انعدام حرية النقابة والتنظيم العمالي المستقل.
العمال بين تدني الأجور وتقييد الحريات
وصف رئيس لجنة العمال باتحاد القوى الوطنية بالخارج، سيد حماد، أوضاع أكثر من 25 مليون عامل في مصر بالمزرية، قائلا: "إن أوضاع العمال في مصر تدهور على محورين؛ الأول هو تقييد حريات الاحتجاج والتظاهر وملاحقتهم أمنيا في حال المطالبة بحقوقهم وتحسين أوضاعهم، الثاني، هو تدني الأجور من ناحية والظروف الصعبة التي يعملون فيها مع ارتفاع التضخم لنسب غير مسبوقة".
وفي ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور الذي يطبق اعتبارا من مطلع الشهر الجاري، أوضح في تصريحات لـ"عربي21" أنه "يجب أن نفهم أن هذا القرار لا يسري إلا على 10 في المئة فقط من العمال؛ لأن القرار يستثني المنشآت الصغيرة أقل من 10 أفراد من تطبيق القرار، وغالبية العمال ينتمون إلى تلك الشركات والمصانع والورش، وصافي الحد الأدنى هو نحو 4800 جنيه وليس 6 آلاف بعد اقتطاع حصة صاحب العمل في التأمين من الأجر، بالتالي فهي أقل نسبة أجر على الإطلاق".
واختتم حماد حديثه بالقول: "في النهاية، يجب على الحكومة المصرية اتخاذ خطوات جدية لتحسين أوضاع العمال، وذلك من خلال تشديد الرقابة على أوضاع العمل، وتعزيز حرية النقابة، وتنفيذ قوانين تحمي حقوق العمال وتضمن لهم حياة كريمة تليق بجهودهم في بناء الوطن".