ما
زالت أوامر الاعتقال المتوقع أن تنشرها المحكمة
الجنائية الدولية في لاهاي تترك
تبعاتها الخطيرة على
الاحتلال الإسرائيلي، كونها تمثل خطوة أخرى في الحملة
القانونية الدولية ضده.
وتعدّ أوامر الاعتقال في حال صدورها جزءا من الإجراءات
القانونية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، بدءاً بمطالبة جنوب أفريقيا ضده في محكمة
العدل الدولية، مروراً بإجراءات أمام محاكم في دول مختلفة، مثل هولندا وألمانيا،
في محاولة لمنع حكومات الدول من بيع الأسلحة للاحتلال، بما في ذلك الشكاوى
الجنائية المرفوعة في دول مختلفة ضد ضباطه وجنوده؛ لأنهم انتهكوا القانون الدولي.
البروفيسور
عميحاي كوهين الزميل بمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، وعضو هيئة التدريس بكلية "أونو" الأكاديمية، أكد أنه "في الوقت الحالي، يتم تنفيذ هذه الحملة القانونية المعادية
لإسرائيل في قاعات مكيّفة، وبين لوحات المفاتيح في بلدان مختلفة، ولكن لن يمرّ وقت
طويل، وقد يؤثر ذلك على نتائج القتال في
غزة، بما لا يقل عن المعارك الدائرة على
الأرض، لأننا أمام اتهام تاريخي خطير موجه لإسرائيل حول الإبادة الجماعية بحق
الفلسطينيين".
وأضاف
في مقال نشرته "
القناة 12" العبرية، وترجمته "عربي21"، أن "التخوف الإسرائيلي ينبع من كون المحكمة
الجنائية الدولية لديها القدرة على إلحاق الضرر الأكبر بالاحتلال، حيث يمكن لها التسبب
بالعديد من الصعوبات لمسؤوليه الذين صدرت بحقهم مذكرات الاعتقال، لأنه تم إنشاؤها
من أجل العمل ضد الأفراد، وليس ضد الدول، وترفع اتهامات ضد المشتبه بارتكابهم
انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، مثل
جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة
الجماعية، ولديها سلطة إصدار أوامر اعتقال ضد المشتبه بانتهاكهم لقوانين الحرب،
وإلزام أكثر من 120 دولة انضمت لميثاق روما بتنفيذ الأوامر".
وأشار
إلى أنه "من المرجح أنه إذا صدرت الأوامر بالفعل، فستصدر ضد كبار مسؤولي
الاحتلال: رئيس الوزراء، ووزير الحرب، وعضو مجلس الوزراء الحربي بيني غانتس، ورئيس
الأركان هآرتسي هاليفي، وتمثل هذه الأوامر تقييدًا كبيرًا لتحركاتهم حول العالم،
بحيث إذا وطئت أقدامهم دولًا مثل كندا أو أستراليا أو بريطانيا أو ألمانيا أو
التشيك، فمن المتوقع أن يتم القبض عليهم، ونقلهم للمحكمة الجنائية الدولية التي
لديها مركز احتجاز في لاهاي بهولندا".
واستدرك
بالقول إن "الخطر الشخصي على حرية هؤلاء المسؤولين القلائل ليس سوى غيض من
فيض من الضرر الذي سيلحق بإسرائيل بسبب أوامر الاعتقال، لأن أحد مستويات
"الضرر الجانبي" الذي قد يحدث أن المحكمة الجنائية الدولية سبق لها أن أصدرت
أوامر اعتقال ضد مسؤولين رفيعي المستوى في دول مثل روسيا وليبيا وأفريقيا الوسطى، والخطورة
اليوم تتمثل بأن الضرر الذي سيلحق بإسرائيل نتيجة انضمامها لتلك المجموعة من الدول،
أنها ستنضم لعائلة الدول "المصابة بالجذام"، وهو أمر لا يمكن تصوره
تقريبًا".
وأوضح
أن "صدور أوامر الاعتقال بحق مسئولي الاحتلال سينجم عنه وقف التعاون مع
العلماء الإسرائيليين، ناهيك عن تجميد مبيعات الأسلحة التي ستتعرض لأضرار بالغة،
وبالتالي فإن تقدير الضرر سيمتد إلى مستوى آخر يسمى "الضرر الأفقي" المتعلق
بإمكانية رفع دعاوى جنائية ضد الإسرائيليين المشاركين في حرب "السيوف
الحديدية" ضد الفلسطينيين في غزة، وسيجعل العديد من الإسرائيليين عرضة
للملاحقة في بلدان مختلفة، وليس فقط كبار المسؤولين".
وأشار
إلى أنه "ينبغي أن يكون مفهوما أنه حتى بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية،
احتفظت العديد من البلدان بسلطة محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيرة
للقانون الجنائي الدولي، بموجب مبدأ "السلطة العالمية"، ووفقاً لهذا
المبدأ، فإن أي دولة في العالم يصل إليها مشتبه به بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون
الدولي، يمكنها أن تحاكمه، حتى لو ارتكبت الانتهاكات في دول أجنبية، ومن بين أمور
أخرى، يمكن ممارسة السلطة العالمية ضد المشتبه بهم بانتهاك قوانين الحرب، مع أنه
حتى الآن، كانت ممارسة هذه السلطة تجاه الإسرائيليين محدودة للغاية".
وأوضح
أنه "إذا أظهرت المحكمة الجنائية الدولية استعدادها لمحاكمة الإسرائيليين، وفق
إصدار مذكرات الاعتقال، فهذا يعني أن المحكمة فقدت ثقتها في نظام التحقيق
الإسرائيلي، وستحذو حذوها دول أخرى، وبالتالي فإن أنظمة الملاحقة الجنائية في
مختلف الدول الأوروبية قد لا تصمد أمام الضغط الشعبي، وقد يرتفع عدد القضايا المرفوعة
ضد الإسرائيليين بشكل كبير، وقد يتعرض كبار الضباط في جيش الاحتلال، والإسرائيليون
ذوو الجنسية المزدوجة، ممن يشغلون مناصب عليا في الخدمة الحكومية، للملاحقة
القضائية، مع أن إصدار المحكمة الجنائية الدولية لأوامر الاعتقال متأثر بالأجواء
المعادية للاحتلال في العالم".
يؤكد هذا التحليل القانوني أن التعامل
الإسرائيلي مع مخاطر المقاطعة الدولية والملاحقة القضائية واسعة النطاق
للإسرائيليين، إذا تحققت، فسيكون تحويل النقاش الدولي من نظري إلى عملي بالنسبة
للعديد من الإسرائيليين الذين قد يجدون أنفسهم في مأزق قانوني من شأنه أن يعطّل
حياتهم، لأنه سيعني عملياً فشل الجهود الدبلوماسية والمهنية التي تبذلها الولايات
المتحدة أمام المحكمة الجنائية، وبالتالي أخفقت في وقف الطوفان الذي ستجد دولة
الاحتلال نفسها تواجهه، خاصة أن حكومتها اليمينية الحالية "تحتقر"
الدبلوماسية، ومستعدة بسهولة لمواجهة الولايات المتحدة، وبالتالي التسبب في كارثة
قضائية للاحتلال وحلفائه.