نشر موقع "أوريون 21" الفرنسي تقريرا تحدث فيه عن الانقسام في الرأي العام الإسرائيلي بعد مرور ستة أشهر من العدوان المتواصل على قطاع
غزة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب، وصل مستوى الكراهية تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو إلى مستوى لم يسبق له مثيل في إسرائيل. هاجر موكي (54 عامًا) القادم من لينينغراد بروسيا إلى إسرائيل سنة 1997 وشارك في الحرب في لبنان سنة 2006، وعندما سئل عن الوضع في إسرائيل رد بالقول "بلد قذر".
أما حنا (27 عاما) المولودة في سانت بطرسبورغ، فقد وصلت قبل عامين هربا من روسيا وحربها في أوكرانيا، وهي تكرر عبارة موكي وتخطط لاستئناف رحلتها، وربما لن تكون الوحيدة، إذ يقول دبلوماسي أوروبي إن طلبات الحصول على جوازات السفر تتزايد بشكل حاد في القنصليات الغربية، وقد تضاعفت خمس مرات هذا العام، وفقا للتقرير.
وتكرر غابرييلا لازمة "بلد قذر" التي قالها السابقان، وقد شاركت في مظاهرات سنة 2023 للدفاع عن المحكمة العليا التي وصفتها باللعينة، وغضبها كبير على "حكومة الخاسرين" العاجزة عن تحرير المحتجزين والانتصار في "هذه الحرب الرهيبة" التي بدأتها.
"فليذهب وليذهبوا جميعهم"
ومن جانبها، وفقا للتقرير، تصرخ ماريانا "دعوهم يخرجون من هنا. إنهم خاسرون!"، هذه الحرب لن توصلنا إلى أي مكان. ويضيف وزير الصحة السابق نيتسان هورويتز وهو الزعيم السابق لحزب ميرتس من اليسار الصهيوني "الحكومة القذرة. إنهم غير أكفاء"، في حين يستنكر دبلوماسي أوروبي "الأخطاء المنهجية الفظيعة" التي ارتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته.
وذكر التقرير أنه بعد أكثر من 6 أشهر من الحرب، وصلت الكراهية تجاه نتنياهو إلى مستوى لم يسبق له مثيل في إسرائيل، إذ يشعر الإسرائيليون بالغضب عندما يعلمون أن ابنه يائير لجأ إلى ميامي تحت حماية اثنين من رجال الموساد، وزوجته لديها صالون لتصفيف الشعر في مقر إقامتها.
يقول نيتسان هوروفيتس: "ليس لدى نتنياهو أي أفكار سوى إنقاذ زوجته وابنه وأحبائه. فليذهب، وليذهبوا جميعهم".
"بلد قذر"، يقول
فلسطيني من سكان حيفا يخشى إظهار التضامن مع غزة خوفا من تدمير حياته، يستطيع الإسرائيليون التعبير عن غضبهم، عكس المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يلزمون الصمت، حيث الحرية للبعض والهراوات للبعض الآخر.
ونقل الموقع عن الأستاذ في الجامعة العبرية يوآف رينون، أن شمشون، البطل الديني القومي والشخصية الرمزية للمسيحيين الذين شاركوا في حكم إسرائيل، كان "أنانيا مجنونا"، وهم يعتقدون أن قوته تجعل منه شخصا لا يقهر.
وأوضح رينون أن هذه الأسطورة التي أودعت في الكتب المدرسية الدعائية تقترب من نهايتها، وأن الوقت قد حان للانتقال من فكرة مبنية على القتل إلى الدفع من أجل الحياة، مضيفا: "يجب أن نجعل هذه الأرض مساحة حياة لا مساحة موت لليهود والفلسطينيين".
ويقول المؤرخ الليبرالي يوفال نوال هراري إن "نتنياهو يواصل وعد الإسرائيليين بالنصر الشامل"، لكن الحقيقة أننا على بعد خطوتين من الهزيمة الكاملة، حيث أظهر نتنياهو "الفخر والعمى والانتقام" تماما مثل شمشون. في هذه الأثناء، يبقى السؤال الذي يطرحه معظم الإسرائيليين بصوت عالٍ، سواء كانوا يهودا أو مسيحيين أو مسلمين، على أنفسهم هو "هل هذه هي نهاية إسرائيل؟" ويبدو الكثيرون خائفين من هذا الشيء الذي يلقي بظلاله الرمادية على البلاد.
"الجنرالات لعنة إسرائيل"
وفقا للموقع، فإن الخروج من هذا المأزق المميت يبقى جوهر عمل أورلي نوي (54 عاما) المولودة في إيران ورئيسة منظمة بتسيلم، أقوى منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في إسرائيل، التي ساهمت في السنوات العشر الماضية في توصيف الفصل العنصري الإسرائيلي، وكشفت عن استخدام الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي في قطاع غزة.
بالنسبة لأورلي نوي، فإن هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي لا يمكن أن يجعلنا ننسى "سنوات
الاحتلال والحصار والإذلال والقمع القاسي للفلسطينيين في كل مكان، وخاصة في غزة"، وهو موقف تسبب في انسحاب البعض من منظمة بتسيلم، إلا أن ذلك لم يثنها عن التضامن مع الفلسطينيين الذين قُتلوا في قطاع غزة.
من جانبه، يحاول الجنرال يائير غولان إحياء يسار أكثر تقليدية لأنه يهدف إلى تولي رئاسة حزب العمل هافودا. ويقول أحد المثقفين إن نائب رئيس الأركان السابق هذا "مثل كل الجنرالات، عندما يتوقفون عن الخدمة يبدؤون بالحديث عن السلام، لأنهم يعرفون أنه من المستحيل كسب الحرب"، حسب التقرير.
وذكر الموقع أنه رغم ترشيح الجنرال غولان على رأس ائتلاف يساري مقبل يحظى بقبول نشطاء المظاهرات في تل أبيب والقدس، إلا أنه يواجه مقاومة كبيرة كذلك، إذ يقول ناشط سابق في حزب ميرتس إن "الجنرالات هم لعنة إسرائيل".
ويقول النائب السابق في الكنيست جمال زحالقة إن "اليسار الصهيوني لا يحب نتنياهو ولكنهم يحبون سياساته"، ويضيف: "لقد دعموا النكبة سنة 1948، ثم الفصل العنصري بحكم الأمر الواقع، والاستيطان والآن الإبادة الجماعية". وعلى الرغم من المظاهرات التي استعادت قوتها منذ منتصف آذار/مارس الماضي، إلا أن اليسار الإسرائيلي ليس لديه برنامج واضح فيما يتعلق بالسلام، ذلك الشيء العظيم المنسي في هذه اللحظة في بلد كله في حالة حرب، وفقا للموقع.
"معاقبة الفلسطينيين لأنهم فلسطينيون"
يقول آري ريميز، مدير الاتصالات في منظمة "عدالة" الحقوقية الفلسطينية غير الحكومية، إن "الصحافة الإسرائيلية تشبه الأوركسترا، حيث يعزف الموسيقيون الآلة نفسها"، ولا تجد أي فلسطيني على شاشة التلفزيون، وهي تدعم جرائم الحكومة.
بالنسبة للعديد من الناس، الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، أصبح الاستماع إلى قناة الجزيرة أمرا "ضروريا" للحصول على معلومات متنوعة. مع ذلك، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانونا يهدف إلى منع هذه القناة القطرية من البث، وفقا للموقع.
ويقول جمال زحالقة إن "الوحشية صادمة، لكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو الطريقة التي يدعم بها الإعلام الإسرائيلي هذه الوحشية ويقدم لنا أبطالا إسرائيليين. معظم الناس لا يعرفون ما يحدث لحرية التعبير أو لا يهتمون بها".
وذكر الموقع أن وسائل الإعلام، على سبيل المثال، شاركت في توجيه الاتهام العلني إلى أشخاص أبرياء، وكأن ذلك ساهم في الدفاع عن إذلال إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وُجه الهجوم أيضا نحو حرية تعبير الفلسطينيين ومناصريهم النادرين، إنه بمثابة نوع من الانتقام بالنسبة للنظام ووسائل الإعلام المتحالفة معه. يعلق أحد المحامين قائلا: "كما لو كان الأمر يتعلق في المقام الأول بمعاقبة الفلسطينيين لمجرد كونهم فلسطينيين".
يقول عدي منصور، المستشار القانوني لمنظمة عدالة غير الحكومية ومقرها حيفا: "مثل حرية التعبير، فإن حريات الفلسطينيين في إسرائيل مهددة، وأي انتقاد من قبلهم يُنظر إليه على أنه خيانة، ويعد التعاطف مع أهل غزة تعاطفا مع "الإرهاب"، تم توجيه التهم إلى أكثر من 95 طالبا من 25 كلية وجامعة".
ووفقا له فإن الإجراءات الجنائية تُستخدم لمعاقبة جرائم الرأي المفترضة في إطار الحرب، حيث يُعاقَب الأشخاص بناء على ما يفكرون به، بعض الاتهامات تبلغ حد المهزلة، فقد وُجهت تُهمة دعم حماس والإرهاب لطالبة نشرت، بعد أيام قليلة من السابع من تشرين الأول/أكتوبر، صورة احتفال بحدث شخصي وتعرضت لتهمة دعم حماس والإرهاب، حسب التقرير.
وحسب أحد المحامين فإن "ما هو على المحك يكمن في التشكيك في الحريات الأكاديمية وحقوق الطلاب". تمارس الحكومة ضغوطا على أساتذة الجامعات والكليات لضمان "ولاء" الطلاب. كما يعمل وزير الداخلية على فرض معايير على مواقع التواصل الاجتماعي وغالبا ما تكون الإجراءات القضائية في خدمة الدعاية السياسية. وتحدّث الناشط مجد كيالا عن الرقابة والاعتقالات والتهديدات، قائلا: "السلطات مجنونة بالتضامن مع غزة. نحن ننظم مظاهرات صغيرة فقط، لأن الناس يخافون من إطلاق النار عليهم".
"المشكلة هي بلدنا"
بالنسبة لمنصور، فإن الأمر يتعلق أولا وقبل كل شيء بمنع الفلسطينيين من التعبير عن هويتهم وكل هذا يخدم في المقام الأول تكميم المجتمع الفلسطيني، في مواجهة الخسائر الفادحة التي خلفتها حرب لا يتوقع أحد نتائجها بأكثر من 35 ألف شهيد، وما لا يقل عن 50 مليار دولار من الدمار في قطاع غزة، مع استمرار الإبادة الجماعية.
ويتساءل أحد المثقفين من نابلس "يمكننا أن نسأل أنفسنا هل نهاية إسرائيل هي مسألة وقت أم مسألة دعم؟"، ويقول أحد الدبلوماسيين "إنها نهاية النموذج بلا شك، ولكنها ليست نهاية البلد"، وفقا لما نقله التقرير.
وتساءل المتظاهرون الإسرائيليون في "تل أبيب" والقدس مطلع أبريل/نيسان الجاري "ما الذي سيحدث في اليوم التالي؟ المشكلة ليست في اليسار أو اليمين، إنها بلادنا"، كما قالت غابرييلا للمراسل، داعية إلى نشر قوة دولية في قطاع غزة وإنهاء الاحتلال في الضفة الغربية.
ومن جانب آخر، أكد جمال زحالقة: "نحن هنا نواجه بشكل مباشر مدنيين وسياسيين وصحفيين ومثقفين إسرائيليين، والجميع تقريبا يسيرون في الاتجاه نفسه "اقتلوهم حطموهم". وأضاف: "تصور طيارا إسرائيليا في طائرته المقاتلة، ويضغط على الزر ويقتل 100 فلسطيني ثم يعود إلى منزله للاستماع إلى سيمفونية بيتهوفن، وكأن المسافة بين الضحية ومطلق النار تجعل الحرب أنظف في أعينهم".
وفي الختام، أشار الموقع إلى أنه لا أحد على الساحة السياسية الإسرائيلية مستعد للتوصل إلى تسوية، كما أن الأمريكيين ليسوا مستعدين للتحرك، في حين أن الأوروبيين عاجزون، والروس والصينيون يكتفون بمراقبة الوضع المتقلب للغاية، أما حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فلا تتخلى عن قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تعمل هناك، ويبقى المفتاح هو وحدة الفلسطينيين.