يبدو أن الاجتياح العسكري الإسرائيلي الذي
تهدد به حكومة
الاحتلال مدينة
رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة قد اقترب، ما يدعو للتساؤل
حول موقف النظام المصري من تلك العملية، التي تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري،
وكذلك التساؤل حول رد فعل
الجيش المصري، ومدى قبوله بالتواجد الإسرائيلي بمنطقة حيوية
من حدود مصر وفلسطين.
العديد من الأنباء تشير لاقتراب تلك العملية،
حيث أفاد تلفزيون (آي 24 نيوز)، العبري، الجمعة، بأن جيش الاحتلال قدم للجيش الأمريكي
خطة لتفعيل "ممر إنساني" في غزة، استعدادا للعملية البرية المزمعة في رفح،
فيما نقلت عن مسؤولين قولهم إن عملية رفح محسومة، وإن السؤال "متى تنفيذها؟".
من جانبه، أكد موقع "أكسيوس"
الإخباري الأمريكي، على عقد مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين اجتماعا افتراضيا، الخميس
الماضي، بهدف بحث العملية العسكرية المحتملة في رفح".
وأعلنت "هيئة البث الإسرائيلية"
الخميس الماضي، وصول مدرعات جيش الاحتلال أطراف رفح الفلسطينية، موضحة أنها تنتظر
الضوء الأخضر لبدء اجتياح رفح.
"إلى أين؟"
حديث تلفزيون (آي 24 نيوز) عن ممر إنساني،
وإعلان "هيئة البث الإسرائيلية" عن أن دخول رفح يسبقه إجلاء السكان والنازحين
من المدينة، ونقل "أكسيوس" عن مسؤول أمريكي قوله إنه سيتم إخلاء أحياء في
رفح قبل بدء العمليات، جميعها تشير إلى أن الإخلاء سيكون نحو الأراضي المصرية.
وهو ما توقعه مفوض الأمم المتحدة السامي
لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، حين قال في 14 نيسان/ أبريل الجاري، إن "الهجوم
على رفح قد يجعل نزوح سكان غزة إلى مصر الخيار الوحيد المتاح لسلامتهم".
المثير هنا أيضا هو تحليل للكاتب الإسرائيلي
تسفي برئيل، بصحيفة "هآرتس" العبرية، الجمعة، كشف فيه عن أطراف التنسيق لعملية
اجتياح رفح، والمتمثلين في الكيان المحتل، والإدارة الأمريكية، والسلطات المصرية بقيادة
رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
برئيل، قال إنه "وبحسب التقارير، فقد
قبلت مصر والسلطة الفلسطينية بالفعل حقيقة دخول إسرائيل إلى رفح، وبدأتا الاستعدادات
لاستيعاب النازحين وإدارة الشؤون المدنية"، وذلك في إشارة إلى دور تنسيق مصري
إسرائيلي، ودور في استيعاب النازحين على أرض مصر، وفق قراءة مراقبين.
"مواقف مصر السيسي"
الموقف الرسمي المصري دائم الإعلان عن رفض
اجتياح رفح، مشيرا إلى خطورة الأمر على نحو 1.5 مليون من أهالي غزة المتكدسين في رفح
فرارا من القصف الإسرائيلي على شمال ووسط القطاع، وهو الموقف الذي سبقه تأكيد القاهرة
مرارا على رفضها أي عمليات
تهجير للفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية.
وفي 15 آذار/ مارس الماضي، حذر السيسي من
اجتياح رفح، وتأثير ذلك على سكان القطاع.
لكن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لم
يقطع برفض بلاده فتح حدودها للفلسطينيين من القطاع حال حدوث عملية اجتياح برية إسرائيلية
على مدينة رفح.
وردا على سؤال حول استقبال بلاده للنازحين
إثر الاجتياح الإسرائيلي المحتمل، قال شكري، لفضائية "سي إن إن" الأمريكية
الأربعاء الماضي، إن "الطريقة التي سيُفعل بها ذلك ستعتمد على الظروف"، مضيفا:
"سنتعامل مع أي ظروف بالأسلوب المناسب وبالإنسانية".
المواقف المصرية الرسمية من الحرب في رفح
منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومع
استمرارها لنحو 200 يوم، طالتها الكثير من الاتهامات، خاصة مع غلق سلطات القاهرة معبر
رفح الحدودي -المنفذ البري الوحيد للقطاع مع مصر والعالم- وفرض قيود على خروج الفلسطينيين
المرضى والعالقين، بل وتحصيل إتاوات وصلت حتى 10 آلاف دولار مقابل المرور من المعبر.
وبينما يصف البعض الموقف المصري بالباهت؛
يراه آخرون متواطئا، خاصة مع تواصل عمليات الإبادة الجماعية وما ارتكبته الآلة العسكرية
الإسرائيلية من مجازر أودت بحياة نحو 34 ألف فلسطيني وجرح نحو 60 ألف آخرين أغلبهم
من النساء والأطفال، وتهجير نحو 1.5 مليون نسمة لجنوب القطاع، وهدم مئات الآلاف من
المنازل، وتخريب البنية التحتية، وهدم المدارس والمستشفيات.
كما كان بيان "الهيئة العامة للاستعلامات"
التابعة للرئاسة المصرية، في كانون الثاني/ يناير الماضي، كاشفا عن دور السلطات المصرية
في خنق قطاع غزة وحصار المقاومة الفلسطينية وتجفيف منابعها، حيث اعترف بتدمير مصر لـ1500
نفق، وإقامة منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات على حدود غزة، وتقوية الجدار الحدودي مع
القطاع بطول 14 كيلومترا، وعمل جدار ثالث بارتفاع 6 أمتار، لمنع عمليات التهريب تحت
الأرض وفوقها.
أيضا، فإن الوضع الكارثي الذي يواجهه الاقتصاد
المصري، وأزمات شح الدولار وعجز الدولة عن توفير النقد الأجنبي، وتغول أزمة الدين الخارجي
والداخلي بأكثر من 168 مليار دولار للأول و100 مليار دولار للأخير، يجعل ما تم
عرضه على نظام السيسي، من مساعدات دولية وقروض واستثمارات بالشهرين الأخيرين وبلغت
نحو 50 مليار دولار، تطالها شبهة الرشوة مقابل توطين سكان غزة في سيناء، وفقا لصفقة
القرن المعلنة عام 2016.
ولذا، فإنه مع تواتر الأنباء حول قرب عملية
اجتياح رفح، ومع ما سجلته المواقف المصرية خلال حرب غزة، تساءل مراقبون عن رد الفعل
العسكري المصري، مذكرين بأحاديث سابقة لرأس النظام، حين قال في شباط/ فبراير 2016:
"قسما بالله اللي هيقرب من مصر هشيله من على وش الأرض".
وعبر موقع "إكس"، كتب الخبير العسكري
المصري محمود جمال، موجها تساؤله لـ"الفريق أسامة عسكر والقابعين في رئاسة الأركان
المصرية، ماذا أنتم فاعلون؟"، فيما تحدث آخرون وبينهم عضو مجموعة "تكنوقراط
مصر" الدكتور محمود وهبه، عن تواطؤ النظام المصري وقبوله الغزو الإسرائيلي لغزة.
"تنسيق"
وفي توقعاته لموقف النظام والجيش المصري
من الاجتياح المحتمل لرفح مع ما به من تهديد للأمن القومي المصري، قال الخبير العسكري
وضابط الجيش المصري السابق، العميد عادل الشريف، إن "النظام في مصر بدأ منذ الخميس
الماضي، يتحدث عن العدوان الإسرائيلي الدموي على أشقائنا في غزة".
القيادي في حزب "العمل الجديد"،
أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا يعني أنه سيفرز مجموعة من التصريحات
المخدرة".
ويرى أنه "إذا بدأت عملية رفح؛ فاليقين
أنه تم التنسيق تماما معه (السيسي)"، مشيرا إلى أن "موضوع تهديد الأمن القومي
المصري هي بالنسبة له مجموعة خزعبلات"، لافتا إلى أن "الأمن القومي الحقيقي
عنده هو التخلص من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليس إلا".
"من الفرات لا من غزة"
وفي قراءته، قال السياسي المصري الدكتور
عمرو عادل، إن "الخط يمتد على استقامته، فلا جديد في موقف النظام المصري الحاكم
في تعامله مع القضية الفلسطينية وعدائه التام لها منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري
في 2013 ودعمه الكامل للكيان الصهيوني".
رئيس المكتب السياسي لـ"المجلس الثوري
المصري" أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الأمن القومي المصري يبدأ
شرقا من نهر الفرات، وليس في غزة، والنظام المصري منذ اتفاقية (كامب ديفيد) 1978، وهو
مستسلم تماما للمشروع الصهيوني مع بعض اللقطات لحفظ ماء الوجه".
ويرى أن "النظام المصري فرط في أمنه
القومي منذ المعاونة في اجتياح العراق 1990، وإدخاله في دوامة الفوضى، والآن يدعم بلا
حدود الكيان الصهيوني".
عادل، خلص إلى التأكيد على أنه "لا
يمكننا توقع غير الاستسلام للإرادة الصهيونية، والتي تخطط منذ اليوم الأول تفريغ قطاع
غزة، وإعادة السيطرة التامة عليه، والقضاء على المقاومة الشعبية في كل القطاع".
وقال إن "ما يفعله النظام المصري منذ
طرحه لصفقة القرن عام 2018، هي خيانة مؤلمة لأمن أرض مصر وشعبها"، مشيرا إلى أن
"غزة كانت خط دفاع متقدم عن مصر، وسقوطها كما أرى هو بداية انتقال الفوضى لمصر".
ويعتقد أن "الشعب الفلسطيني من تجربته
المأساوية، وخيانة العرب له، هو شعب مقاوم من ولادته حتى مماته، رجاله ونساؤه، وانتقال
الشعب الفلسطيني الإجباري في النكبة الثالثة المتوقعة عند اجتياح رفح إلى سيناء، لن
تنقل فقط بشرا بل ستنقل روحا مقاومة في أرض مصر كلها".
وحول خيارات مصر للتعامل مع الاجتياح الإسرائيلي
المحتمل وتهديد الأمن القومي المصري، ختم السياسي المصري، بالقول إن "النظام المصري
ليس له خيارات، هو فقط يتبع المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، والذي يسعى لتخريبها
قيميا، وإعادة تشكيلها طبقا لإرادتهم، وأعتقد أن هذا لن يحدث".
"أي الأمنين؟.. مصر أم النظام؟"
وحول مؤشرات اقتراب عملية اجتياح رفح ورد
فعل النظام المصري، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبدالشافي،
إن "عملية اجتياح رفح أحد السيناريوهات المطروحة بقوة، لكنها ليست السيناريو الوحيد،
حيث يمكن أن تكون هناك بدائل أخرى يستخدمها جيش الاحتلال في ظل السياقات الإقليمية
والدولية".
مدير "المعهد المصري للدراسات السياسية
والإستراتيجية"، لفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى "دخول إيران على
خط المواجهات المباشرة مع الكيان الصهيوني، وكذلك تصاعد حدة العمليات التي يقوم بها
حزب الله اللبناني في شمال الأراضي المحتلة، وأيضا تصاعد حدة الضغوط الداخلية التي
تواجه حكومة الكيان".
واستدرك قائلا: "لكن بافتراض تحقق
سيناريو الاجتياح، وخاصة مع تعدد التصريحات الرسمية لحكومة الكيان، وتراجع حدة الضغوط،
ولو شكليا التي تمارسها الإدارة الأمريكية على نتنياهو، بل وربط تمرير عملية الاجتياح،
فإن التداعيات البشرية ستكون كارثية، على الفلسطينيين، في ظل نزوح مئات الآلاف خلال
الأشهر الستة الماضية بعد عمليات طوفان الأقصى".
ولا يتوقع الأكاديمي المصري، "أن يكون
للنظام المصري أو الجيش المصري، ردود فعل حقيقية أو جادة لمنع الاجتياح، وخاصة في ظل
التنسيق الأمني والعسكري والاستخباراتي بين النظام وحكومة الكيان الصهيوني وأجهزته
الأمنية والعسكرية".
وأكد أن "هذا التنسيق ليس وليد اليوم
فقط، لكنه قائم ومتجذر منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في تموز/ يوليو 2013، وكان
الكيان أهم داعميه والمخططين له".
وخلص للقول إنه "هنا يجب التمييز بين
الأمن القومي المصري، وأمن النظام المصري، فاجتياح رفح هو تهديد مباشر للأمن القومي
المصري، استنادا إلى أن الكيان الصهيوني هو العدو الاستراتيجي الأول للدولة المصرية،
وتمدده عسكريا يهدد أمنها واستقرارها، ويعزز من قدرات الصهاينة على اختراق هذا الأمن".
أما عن أمن النظام المصري، فيرى أن
"اجتياح رفح يعزز من أمن واستقرار هذا النظام، باعتباره شريكا استراتيجيا للكيان
الصهيوني من ناحية، ويستفيد اقتصاديا وتسليحيا وسياسيا وإعلاميا من استمرار العمليات
العسكرية وتمددها، من ناحية ثانية".
ولفت إلى أن "أحد الأهداف المعلنة
للنظام المصري الراهن هو التخلص من كل حركات المقاومة الفلسطينية التي يرى فيها عدوا
استراتيجيا وامتدادا للإخوان المسلمين الذين يصنفهم كجماعة إرهابية".
عبدالشافي، أضاف: "ومن ناحية ثالثة،
ورابعة، فإن اجتياح رفح وتشديد الضغوط على النازحين يساهم بشكل كبير في ملف التهجير، وإعادة التوطين الذي يتبناه النظام في مصر، ويسعى إليه منذ 2017 في إطار ما أسماه صفقة
قرن تقوم على تصفية القضية الفلسطينية لصالح حليفه الاستراتيجي، الكيان الصهيوني".
الأكاديمي المصري ختم بالقول: "وإذا
كانت هذه توجهات النظام المصري، والجيش المصري اليوم ما هو إلا أداة لتنفيذ سياسات
هذا النظام، فلا أعتقد أنه يمكن الرهان على أي دور إيجابي يقوم به الجيش لمنع الاجتياح
والدفاع عن الحق الفلسطيني، أو حماية الأمن القومي المصري".