كشفت استغاثة من نحو 3
آلاف سجين ومعتقل سياسي
مصري عن تعرضهم للموت البطيء بسجن "وادي
النطرون" الكائن في صحراء مصر الغربية، مع استمرار شربهم مياها ملوثة، وتعنت
أمن السجن معهم بمنع إدخال فلاتر تنقية المياه، وذلك بهدف التربح من شرائهم المياه
المعدنية بأضعاف سعرها من "كانتين" السجن.
الاستغاثة، التي وصلت
"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، ونشرتها الخميس، تحدثت كذلك عن منع أمن
السجون للمعتقلين السياسيين والمسجونين الجنائيين من الخروج والتعرض للشمس أو نشر أغطيتهم ومتعلقاتهم، وحرمانهم من الهواء.
حقوقيون، تحدثوا إلى
"عربي21"، مؤكدين أن أمن السجون يقوم بصناعة الأزمات وتصديرها للمسجونين
والمعتقلين والضغط عليهم بمنع المياه النقية، وعدم دخول الطعام، وأدوات النظافة،
والمتعلقات الشخصية، لأجل شرائها من منافذ البيع بالسجون، والتربح منها، وتحقيق
مكاسب يتم توزيعها على الضباط، وعلى كبار ضباط الشرطة.
وهو ما كشفته
الاستغاثة، التي أوضحت أنه كان مسموحا قبل 3 سنوات إدخال فلاتر تنقية المياه
للمسجونين، لكن تم منعها لإحداث رواج بمبيعات المياه من كانتين السجن الذي يبيع
كرتونة المياه المعدنية 12 زجاجة عبوة 1.5 لتر بـ100 جنيه بينما سعرها 38 جنيها
بالأسواق.
"شهادة مفزعة"
وجاء نص الاستغاثة
بحسب المنظمة الحقوقية التي تعمل من لندن وتهتم بالشأن الحقوقي المصري، يقول إنها
الاستغاثة الثانية من أكثر من 2850 نزيلا، بينهم 350 معتقلا محبوسين على ذمة قضايا
ذات طابع سياسي، بسجن "وادي النطرون" (تأهيل 1) موزعين على 3 عنابر (أ)
و(ب)، و(ج)، وبكل منها 14 غرفة تطل على ممر داخلي، يشبه من حيث التصميم "سجن
العقرب" شديد الحراسة.
وأوضحت أن الطاقة
الاستيعابية للسجن بين (1600- 1800) نزيل، ما يجعلهم يعانون من اكتظاظ وانتهاكات
وجرائم خطيرة، تعرض حياتهم للموت نتيجة المياه الملوثة مع ارتفاع نسب الأملاح،
والرواسب، والرمال، والأتربة، بها.
الشبكة، نقلت عن أحد
النزلاء أن المياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وأن "شمعة الفلتر" عندما
كان مسموحا بدخولها قبل 3 سنوات لم تكن تتحمل أكثر من أسبوع وتتحول للون الأسود،
لافتا إلى أن شبكة المياه متهالكة، ويجري تغذيتها بخزانات موضوعة فوق أسطح
العنابر، ولم يتم تنظيفها منذ 5 سنوات، بحسب تأكيده.
وأوضحت الاستغاثة أنه
مع تعنت إدارة السجن ورفضها إدخال فلاتر تنقية المياه، يضطر النزلاء القادرون
ماديا على شراء "كرتونة المياه" من كانتين السجن بـ100 جنيه، في حين أن
سعرها بالأسواق لا يتجاوز 40 جنيها، ما يعني مكسبا ماليا بنحو 60 جنيها بالكرتونة
وحوالي 120 ألف جنيه شهريا، وفق حسابات الشبكة الحقوقية.
وأشارت لارتفاع نسب
الإصابة بأمراض الكلى، والأملاح، والتهابات المسالك البولية، وتكوين الحصوات،
واحتباس البول بأجسام النزلاء.
"يصنعون الأزمة ويتاجرون بها"
وفي تعليقه، قال
الحقوقي المصري أحمد العطار، إن "المتابع لما يحدث بالسجون يجد أن القائمين
على إدارتها يعملون جاهدين لخلق أزمات للمسجونين والمعتقلين، بقرارات مثل عدم
السماح بكثير من الأوقات بتوفير الحد الأدنى من الحقوق الأساسية".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أضاف: "كما هو الحال بسجن (وادي النطرون 1) ووفق ما
رصدنا ووثقنا بالشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإنه وبرغم علم إدارة السجن بعدم
صلاحية المياه للاستهلاك الآدمي وخطورتها على صحة وسلامة النزلاء لما تحتويه من
أملاح وشوائب وترسبات قد تصيبهم بأمراض تؤدي للموت، لم تحل المشكلة، بل وتمنع دخول
الفلاتر".
ووصف العطار، "ما
يجري بسجن وادي النطرون، بأنه جريمة من جرائم الشروع في قتل نزلاء يقارب عددهم
2850 سجينا، ما بين معتقل سياسي ونزيل جنائي، حيث تتعمد إدارة السجن عدم السماح
للنزلاء بتركيب فلاتر المياه على حسابهم الشخصي".
وألمح إلى أن
"إدارة السجن ومصلحة السجون المصرية مسؤولة عن توفير أدنى الحقوق الأساسية
للمسجونين، ومنها حق الحصول على مياه نظيفة، إلا أن جميعها تتخاذل في ذلك الأمر بل
وتصر على منع إدخال فلاتر تنقية المياه".
وأشار إلى أنها
"تقوم عن طريق كانتين السجن باستغلال هذه المأساة، وتقوم ببيع كراتين المياه المعدنية بأكثر من سعرها الحقيقي بنحو 62 جنيها مصريا لكل كرتونة".
"يضاف إلى ذلك تعنت إدارة السجن أثناء
الزيارات الشهرية، ورفض السماح في كثير من الأوقات بإدخال كمية تكفي من المأكولات
والمشروبات، ما يجبر النزيل أيضا على الشراء من كانتين السجن"، وفق قول العطار.
وختم حديثه مؤكدا
أن "كانتين السجون يقوم ببيع المأكولات والمشروبات بأسعار عالية جدا لمنتجات
رديئة الإنتاج، أضف إلى ذلك رداءة التعيين الميري المنصرف يوميا للمسجونين،
وبكميات قليلة أيضا".
"حق مشروع"
وتؤكد (المادتان 11
و12) من "العهد الدولي لحقوق الإنسان" على حق الحصول على كمية من المياه
كافية ومأمونة ومقبولة وميسورة التكلفة، وتوفير الماء الكافي والمأمون للسجناء
والمحتجزين للوفاء بمتطلباتهم الفردية اليومية، مع مراعاة متطلبات القانون الإنساني
الدولي ومعايير الأمم المتحدة الدنيا المعيارية لمعاملة السجناء.
ووفقا لـ"قواعد
الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، والمعروفة باسم (قواعد
نيلسون مانديلا): "تُفرَض على السجناء العناية بنظافتهم الشخصية، ويجب أن
يُوفر لهم الماء وما تتطلبه الصحة والنظافة من أدوات".
"أرباح البارونات وكبار العصابة"
وفي تعليقه، أكد
الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل، أن "أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز
بها، والسجون مصدر سبوبة ودخل كبير لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى أكشاك أمان،
وغيرها من المشروعات التي تنتهج فيها الشرطة نهج بيزنس الجيش"، ملمحا إلى
"وجود المزارع الملحقة بالسجون، ومقرات البيع المعروفة باسم (الكانتين)".
وفي حديثه،
لـ"عربي21"، أضاف: "أستطيع القول إن الانتهاكات التي تحدث مع
الجنائيين أبشع من تلك التي تحدث للسياسيين، وبعد رصد سنوات هو يتعمد ذلك مع
الجنائيين كونهم ليس لهم ظهر أو صوت، خاصة الجنائيين غير المقبوض عليهم في قضايا
أموال عامة".
ولفت إلى أن "هذه
النوعية من المسجونين (قضايا الفساد والمال العام) فئة تحظى بمعاملة مثل فنادق (5
نجوم)، لأنهم مجموعة مختلسين فاسدين يمتلكون المال وبه يشترون ذمم البعض ويحصلون على
أوضاع خاصة في السجون".
مدير مركز "ضحايا
حقوق الإنسان"، أكد أنه "في المقابل يتم فرم الجنائيين العاديين داخل
السجون، ومص دمائهم ودم أهليتهم، وفقا للغة الشرطية".
"أحياء بمقابر الموت"
ويعتقد أن "ما
يحدث في سجن وادي النطرون وغيره من السجون، ما هو إلا عملية إذلال للمعتقلين
والمسجونين العاديين"، ملمحا إلى أنه "في بعض الأحيان تقوم إدارة السجون
بمنع الزيارات عن المعتقلين والمسجونين لتشغيل عملية البيع من الكانتين التابع
للسجن".
وأشار إلى أنه
"في النهاية يقدم هذا الوضع دخلا ضخما لإدارة السجون ووزارة الداخلية، خاصة
وأن لدينا أكثر من 150 ألف سجين ما بين جنائي ومعتقل سياسي".
وألمح إلى أنه"
كان هناك حوالي 76 ألف سجين جنائي طبقا لإحصائيات نشرت عام 2013، وبإضافة رقم 60
ألف معتقل ومعهم الغارمين والغارمات تجد أن الرقم كبير يتعدى 150 ألف سجين
يتعاملون مع الكانتين، ويريدون أن يبقوا أحياء داخل مقابر الموت".
وقال إنها "تدر
دخلا معتبرا للداخلية، وبالتالي يتم توزيع هذه الأموال على كبار الباشوات في
الوزارة، وهو الأمر الذي يقابله غياب الرقابة والشفافية، وخصوصا مع غياب البرلمان
والجهات الرقابية فلن يستطيع أحد التفتيش على وزارة الداخلية".
وأشار إلى وقائع
"فساد الداخلية وتسخير المجندين والعمال من قبل الوزير الأسبق حبيب العادلي
والتي تكشفت عقب ثورة 25 يناير 2011"، ملمحا إلى "استمرار التجاوزات
وبلوغها نسبا هائلة ومرعبة، وبينها التضييق على المسجونين والمعتقلين لوضع أموال
في الكانتين أكثر وأكثر".
أبوخليل، أوضح أنه
"يمكن ببعض الحالات تحديد المبلغ الموضوع بالكانتين لكل معتقل سياسي بـ1500
جنيه، ولكن بالنسبة لبعض الحالات فكانتين السجون يكون مفتوحا للجنائيين حتى مبلغ
15 و20 ألف جنيه شهريا".
وأشار إلى
"تصريحات سابقة لشقيق السجين محسن السكري –قاتل اللبنانية سوزان تميم وأفرج
عنه بعفو صحي أيار/ مايو 2022- حول وضعه 15 ألف جنيه شهريا في الكانتين لأخيه".
وختم الحقوقي المصري،
بالقول إن "المسجونين في قضايا الأموال العامة ومن يكون لهم حيثية توضع لهم
مبالغ طائلة، وكلها أرباح للبارونات وكبار العصابة من الداخلية".
"إمبراطورية الداخلية"
ووسط تغول إمبراطورية
الجيش الاقتصادية في مصر خلال عصر السيسي، حاولت وزارة الداخلية أن تنحو نحوها
وتضاعف من حجم أعمالها الاقتصادية، ومن أموال صناديقها الخاصة.
وعلى غرار "جهاز
مشروعات الخدمة الوطنية" بالقوات المسلحة، افتتحت وزارة الداخلية في تشرين
الأول/ أكتوبر 2015، منظومة "أمان" لتوفير السلع الغذائية عبر 740 منفذا
ثابتا للبيع و190 منفذا متحركا تجوب سياراته العاصمة المصرية القاهرة.
وبذات طريقة اعتماد
الجيش في مشروعاته الاقتصادية على المجندين، اعتمد القطاع الاقتصادي بوزارة
الداخلية على تشغيل آلاف المجندين، والمسجونين، لتدوير المصانع والورش والمزارع
وتلك الملحقة بالسجون لقاء بعض الأجر.
وإلى جانب شركة
"المستقبل للأعمال الاستثمارية والتوريدات العامة"، الذراع الاقتصادي
لوزارة الداخلية، هناك مصانع لمنتجات البلاستيك، والإسفنج، والأخشاب، والجلود،
والبطاطين، والجوارب، والتريكو، والملابس.
وفي ظل ما يعانيه
الاقتصاد المصري من تغول الصناديق الخاصة والسيادية في عهد السيسي، على الموازنة
العامة للدولة والاقتطاع منها، أصبح لوزارة الداخلية الكثير من الصناديق الخاصة.
منها على سبيل المثال
صناديق: "تحسين الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة"،
و"العطاء لضباط الأمن المركزي"، و"التأمين الخاص بضباط
المرور"، و"التضامن لضباط أكاديمية الشرطة"، و"الوفاء لضباط
أمن القاهرة"، و"التكافل لضباط قطاع السجون".
"بناء السجون"
وشهد عهد السيسي، طفرة
في بناء السجون ونقل السجون القديمة من أماكن حيوية من عواصم المحافظات والقاهرة،
وطرحها للمستثمرين، أو عرضها للبيع.
آخر ما أثير عن بناء
سجون جديدة كان الحديث عن "مجمع سجون الجفجافة" السري في سيناء، والذي
ينضم إلى 91 سجنا رئيسيا في مصر، بُني منها في عهد السيسي 48 سجنا، وذلك بجانب
مقرات الاحتجاز بالأقسام والمراكز الشرطية وتصل لـ382 مقرا.
وفي 5 كانون الأول/
ديسمبر 2022، جرى نقل 10 سجون ومراكز احتجاز بمناطق حيوية بمساحات شاسعة وسط
الكتل السكنية لعواصم المحافظات من ملكية وزارة الداخلية لوزارة المالية.
وهو ما اعتبره مراقبون
خطوة من النظام لبيع تلك المساحات الشاسعة من المباني والأراضي، وتمهيدا لطرحها
للبيع للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب أو استغلالها في بناء عقارات سكنية
وتجارية.
ومنذ الانقلاب العسكري
الذي ضرب مصر منتصف 2013، وأطاح بأول تجربة ديمقراطية شهدتها البلاد، يقود
السيسي، (وزير الدفاع حينها)، حملة أمنية على أنصار أول رئيس مدني منتخب الراحل
محمد مرسي، طالت بعض أطياف المعارضة الأخرى.
وقدرت منظمة العفو
الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد السجناء والمعتقلين بنحو 114 ألف سجين،
فيما أكدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أن عدد السجناء
والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين حتى آذار/ مارس 2021، نحو 120 ألف سجين، بينهم نحو
65 ألف سياسي.
ومع الأعداد الهائلة
للمعتقلين لنحو 11 عاما تتزايد الشكاوى من أوضاعهم السيئة بالسجون، وسط تجاهل
النظام للملف الحقوقي، وتراجع الاهتمام الدولي بملف السيسي في حقوق الإنسان.