مرَّت سنة على
الحرب المستعرة في
السودان بين
الجيش
وقوات "
الدعم السريع" شبه العسكرية دون اختراق يوقفها وينهي المعاناة الإنسانية.
المعارك بين الجانبين امتدت إلى أجزاء جديدة من البلاد؛
مما زاد من وطأة أزمة إنسانية كارثية ألقت بظلالها على قطاع كبير من الشعب السوداني.
ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش و"الدعم
السريع" حربا خلّفت حوالي 13 ألفا و900 قتيل ونحو 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم
المتحدة.
انسداد سياسي
لم تتمكن وساطات إقليمية ودولية من إحداث اختراق
ينهي الحرب عبر المفاوضات، إذ باءت كل الجهود بالفشل في وقف الأعمال العدائية.
ورغم نجاح مبادرة سعودية أمريكية، من خلال منبر جدة
بالمملكة، في جمع الطرفين أكثر من مرة، إلا أنهما لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن وقف حقيقي
لإطلاق النار، وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن استمرار القتال.
وفي 10 نيسان/ أبريل الجاري، قال المبعوث الأمريكي
الخاص إلى السودان توم بيرييلو، في تصريح صحفي، إنه "من غير المرجح أن تُستأنف
محادثات السلام في 18 نيسان/ أبريل".
وسبق وأن أعلن بيرييلو أن واشنطن تتطلع إلى استئناف
المحادثات في هذا التاريخ.
ويأتي ذلك في وقت صعَّد فيه قادة الجيش و"الدعم
السريع" من تصريحات تؤكد تمسك الطرفين باستمرار القتال على أمل الانتصار على الطرف
الآخر.
وفي 10 نيسان/ أبريل الجاري، قال رئيس مجلس السيادة
الانتقالي عبد الفتاح البرهان، إن "هذه المعركة ضد المليشيا (يقصد "الدعم
السريع") ستنتهي بانتصار الدولة والقوات المسلحة والشعب السوداني".
وأضاف البرهان، وهو أيضا قائد الجيش: "ليس لدينا
أي حديث إلا بعد انتهاء المعركة مع هؤلاء المجرمين".
وفي اليوم نفسه، قال قائد قوات "الدعم السريع"
محمد حمدان دقلو (حميدتي): "خيارنا واحد، وهو النصر".
وتابع حميدتي، في تسجيل صوتي عبر منصة "إكس":
"سننتصر لإرادة شعبنا ولوطننا ولضحايا الحرب والمشردين والمهمشين".
توسع المعارك
وحتى خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر المبارك التي
انتهت في 12 نيسان/ أبريل الجاري، استمرت المعارك بوتيرة شرسة بين الجيش و"الدعم
السريع" في مناطق عدة.
بل وتوسعت المعارك ودخلت مناطق جديدة، خاصة في قرى
ولاية النيل الأبيض (جنوب) وقرى ولاية سنار (جنوب شرق).
وحافظت النقاط الساخنة سابقا على وتيرتها من الاشتباكات
في الخرطوم والجزيرة (وسط) وولايات دارفور (5 ولايات- غرب) وكردفان (3 ولايات- جنوب).
وتتألف الخرطوم من ثلاث مدن هي الخرطوم وأم درمان
وبحري.
وفي أم درمان، تقدم الجيش مؤخرا، وفرض سيطرته على
وسط المدينة، ليضاف إلى الناحية الشمالية، بينما تتواجد قوات "الدعم السريع"
في جنوبي وغربي المدينة.
وفي الخرطوم، استمرت المعارك دون أن يحرز أي طرف
تقدما ملحوظا.
أما في بحري، فتواصلت الاشتباكات في شمالي المدينة،
حيث يشن الجيش هجمات متتالية.
ولا يختلف الوضع في ولايات دارفور، فلا زالت قوات
"الدعم السريع" تسيطر على عواصم 4 ولايات، هي: شرق وغرب ووسط وجنوب دارفور.
فيما ظلت الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تحت سيطرة
الجيش.
وفي ولايات كردفان (جنوب)، خاصة غرب كردفان وكبرى
مدنها بابنوسة وهي أكثر نقطة ساخنة منذ أكثر من شهر، تدور معارك ضارية، دون أن تحقق
قوات "الدعم السريع" أي انتصار على الجيش المتواجد في المدينة.
وفي وسط السودان، أصبحت ولاية الجزيرة ساحة معركة،
حيث يشن الجيش هجوما على "الدعم السريع" من ثلاثة محاور شرقا وجنوبا وغربا.
كما تشهد ولايتا النيل الأبيض وسنار، المجاورتان
للجزيرة، هجمات من "الدعم السريع" على الجيش المسيطر على الولايتين.
هذا التوسع في مناطق الاشتباكات اعتبره مراقبون مؤشرا
على رغبة الطرفين في زيادة الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها كل منهما تمهيدا لاحتمال
الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وضع مأساوي
ومع استمرار المعارك، ازداد الوضع الإنساني سوءا،
وحسب المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني فإن الوضع كارثي، ويتجه نحو الأسوأ.
وفي 12 نيسان/ أبريل الجاري، دعا متحدث منظمة الصحة
العالمية كريستيان ليندماير، في تصريح صحفي، إلى وقف القتال ودخول المساعدات الإنسانية
من دون عوائق.
وحذر ليندماير من أنه إذا لم يحدث ذلك فإن
"أزمة السودان ستتفاقم بشكل كبير في الأشهر المقبلة وقد تؤثر سلبا على المنطقة
برمّتها".
وأفادت شبكة "نظام الإنذار المبكر بالمجاعة"،
قبل أيام، بأنه من المتوقع حدوث مستويات كارثية (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل
الأمن الغذائي) بين الأسر في أجزاء من غرب دارفور والخرطوم وبين النازحين.
وحذرت منظمة إنقاذ الطفولة (مقرها بريطانيا)، في
آذار/ مارس الماضي، من أن نحو 230 ألف طفل وامرأة حامل وأم جديدة قد يموتون في الأشهر
المقبلة بسبب الجوع، ما لم يتوفر التمويل والمساعدات العاجلة المنقذة للحياة.
وتسببت الحرب في إغلاق ما بين 70 إلى 80 بالمئة
من مستشفيات السودان، وتعاني المستشفيات التي لا زالت تعمل من نقص في الاحتياجات والإمدادات
الطبية والعاملين، حسب منظمة الصحة العالمية.
وأدت الحرب إلى فرار 8.5 ملايين شخص من ديارهم داخليا
وعبر الحدود إلى الدول المجاورة، وفق أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون
الإنسانية (أوتشا).
ويتواجد 6.5 ملايين نازح في جميع ولايات السودان الـ18،
مع أعلى النسب في جنوب دارفور (11 بالمئة) ونهر النيل (11 بالمئة) وشرق دارفور (10
بالمئة).
فيما عبر حوالي 1.96 مليون شخص الحدود إلى الدول
المجاورة، مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا، بحسب التقرير
الأممي.
وفيما يلي تسلسل زمني
للأحداث التي أدت إلى الصراع وما تلاه من اضطرابات:
أحداث
ما قبل الحرب
19 كانون الأول/ ديسمبر 2018
احتجاج المئات في مدينة
عطبرة الشمالية على ارتفاع أسعار الخبز. وسرعان ما انتشرت المظاهرات المدفوعة
بأزمة اقتصادية أوسع إلى الخرطوم ومدن أخرى. لترد قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع
وإطلاق النار.
6
نيسان/ أبريل 2019
يبدأ مئات الآلاف من
المتظاهرين اعتصاما أمام مقر الجيش في الخرطوم. وبعد خمسة أيام، يطيح الجيش
بالرئيس عمر البشير ويحتجزه، منهيا بذلك حكمه الذي دام ثلاثة عقود.
17 آب/ أغسطس 2019
قوى مدنية مؤيدة
للانتفاضة توقع اتفاقا لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية تفضي إلى
انتخابات. ويتم تعيين عبد الله حمدوك الاقتصادي والمسؤول السابق في الأمم المتحدة
على رأس الحكومة في وقت لاحق.
31 آب/ أغسطس 2020
تتوصل السلطات
الانتقالية إلى اتفاق سلام مع بعض الجماعات المتمردة من إقليم دارفور المضطرب غرب
البلاد ومن المناطق الجنوبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن مجموعتين رئيسيتين
ترفضان الاتفاق.
25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
قوات الأمن تعتقل حمدوك
والعديد من القيادات المدنية في مداهمات قبل الفجر، وذلك بعد أسابيع من تبادل
الاتهامات بين القوى المدنية والعسكرية ومحاولة انقلاب فاشلة. وقائد الجيش الفريق
أول ركن عبد الفتاح البرهان يعلن حل الحكومة المدنية.
21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021
بعد خروج عدة مسيرات
حاشدة احتجاجا على الانقلاب وتعليق معظم الدعم المالي الدولي للسودان، يعلن القادة
العسكريون وحمدوك عن اتفاق لإعادة تعيينه رئيسا للوزراء. لكنه يستقيل بعد أقل من
شهرين مع استمرار الاحتجاجات.
5
كانون الأول/ ديسمبر 2022
توقع قوى مدنية جرى
تهميشها بسبب الانقلاب على اتفاق إطاري مع الجيش لبدء عملية جديدة للانتقال
السياسي لمدة عامين وتعيين حكومة مدنية.
5
نيسان/ أبريل 2023
تأجيل توقيع الاتفاق
النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية وسط خلافات حول ما إذا كان الجيش سيخضع
لإشراف مدني وحول خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
اندلاع
الحرب
13 نيسان/ أبريل 2023
يقول الجيش السوداني إن
تعبئة قوات الدعم السريع تنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين، تندلع اشتباكات
بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى.
21 نيسان/ أبريل 2023
عدد السكان الفارين من
الخرطوم يتزايد بسرعة مع تصاعد الضربات الجوية التي ينفذها الجيش والاشتباكات
وعمليات النهب في العاصمة. الدبلوماسيون والوافدون يهرعون إلى المطارات والحدود
ومناطق إخلاء أخرى في الأيام والأسابيع التالية.
20 أيار/ مايو 2023
يتفق طرفا الصراع في
محادثات عقدت في جدة على وقف لإطلاق النار لمدة سبعة أيام لكن القتال لم يتوقف.
المفاوضات بوساطة سعودية وأمريكية هي الأولى في العديد من المحاولات الدولية التي
لم تفلح في تسوية الصراع.
تموز/ يوليو 2023
نطاق الصراع يتوسع ليشمل منطقة دارفور غرب البلاد التي تتمكن فيها قوات الدعم السريع من تحقيق المزيد من المكاسب في الأشهر التالية.
14 كانون الأول/ ديسمبر 2023
الأمم المتحدة تحذر من
أن الأسر في مناطق الصراع قد تواجه ظروفا مماثلة للمجاعة في 2024. ويحتاج نحو 30
مليونا، بما يشكل نحو ثلثي سكان البلاد، لمساعدات وهو ضعف العدد قبل الحرب. تتزايد
التحذيرات من احتدام الأزمة الإنسانية في الأشهر التالية.
19 كانون الأول/ ديسمبر 2023
الجيش ينسحب مع تقدم
قوات الدعم السريع للسيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. وتسيطر قوات الدعم
السريع بشكل كبير على الخرطوم المجاورة وكل منطقة دارفور تقريبا وأغلب ولاية
كردفان بينما يسيطر الجيش على الشمال والشرق بما يشمل الميناء الرئيسي للبلاد على
البحر الأحمر. وتقول الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن الجانبين ارتكبا انتهاكات.
12 آذار/ مارس 2024
الجيش يقول إنه سيطر
على مقر هيئة البث الرسمية في أم درمان المقابلة للخرطوم في إطار أكبر تقدم يحققه
على قوات الدعم السريع في أشهر. مصادر تقول إن طائرات مسيرة إيرانية الصنع تساعد
الجيش على ترجيح كفة الصراع لصالحه.
9
نيسان/ أبريل 2024
القتال يصل إلى ولاية القضارف الزراعية التي كانت تنعم قبل ذلك
بالهدوء ويحتمي فيها ما يصل إلى نصف مليون نازح.