وجه
شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب، كلمة حول ملف
فلسطين وواقع الأمتين العربية والإسلامية،
خلال احتفال مصر بـ"
ليلة القدر" صباح السبت، والذي حضره رئيس النظام
عبدالفتاح السيسي.
الطيب، وبعد
كلمة عامرة بانتقاد النظام العالمي بشأن ملف حرب الإبادة الدموية على 2.3 مليون
فلسطيني في قطاع
غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وجه رسالة لعلماء الأمة من
"السنة" و"الشيعة" و"الإباضية"، للاجتماع سويا
وتعظيم نقاط الاتفاق، مؤكدا أن ذلك سيدفع قادة الأمة نحو الاتفاق ونبذ الشقاق.
وقال:
"أختم برجاء إلى علماء الأمة بأن ينهضوا بغير إبطاء، في تحقيق وحدة علمائية
تجمع رموز الإسلام من سنة، وشيعة، وإباضية، من كل أهل القبلة، يجتمعون بقلوبهم
ومشاعرهم قبل علومهم".
شيخ الأزهر، دعا
علماء الجبهات الثلاث إلى أن "يأتوا على مائدة واحدة لوضع حدود فاصلة بين ما
يجب الاتفاق عليه وبين ما يصح الاختلاف فيه، وأن نقتدي في اختلافاتنا بالصحابة
والتابعين".
وطالب بأن
"نوصد الباب في وجه اختلافاتنا المعاصرة التي أورثتنا الكثير من الشقاق
والنزاع والضغائن والأحقاد وجعلتنا لقمة سائغة للأعداء".
وختم بالقول:
"وإني أعتقد أن اتفاق علماء الأمة سوف يُسفر عن اتفاق قادتها ويدفعهم إلى تحقيق
المصالح القُطرية والمصلحة العربية والإسلامية".
و"الإباضية"
مذهب عقائدي وسياسي وديني، يُنسب إلى عبد الله بن إباض، يصنفه البعض على أنه امتداد للخوارج، وهو ما ينفيه علماؤهم، وينتشر المذهب في سلطنة عمان، وبعض مناطق شمال أفريقيا.
ويعتقد الإثنا
عشرية، أن الإمام علي بن أبي طالب، وأحد عشر إماما من ولده أئمة معصومون وأنهم المرجع الرئيس للمسلمين بعد وفاة النبي محمد عليه السلام.
متحدثون
لـ"عربي21"، أشاروا إلى الأهمية النظرية لدعوة شيخ الأزهر للسنة،
والشيعة، والإباضية، للاتفاق ونبذ الخلاف، خاصة في توقيت هام تمر به الأمة العربية
والإسلامية وتفجر القضية الفلسطينية، ووقوف جماعات شيعية في اليمن وإيران والعراق
ولبنان إلى جانب المقاومة في غزة.
ولفتوا إلى
الأثر السياسي المنشود على المستوى الإقليمي والدولي، وفي قضايا فلسطين، واليمن،
والخليج، والعراق، مع إيران، لو نجحت دعوة شيخ الأزهر في التقريب بين السنة
والشيعة بشكل خاص، لكنهم عمليا أكدوا أنه محال تطبيق تلك الدعوة، شارحين الأسباب
في حديثهم.
"هكذا جاءت تجارب التاريخ"
وقال الأكاديمي
الأزهري الدكتور محمد أحمد عزب، إن شيخ الأزهر، "في حديثه التوافقي الذي
اعتادته الجماهير العربية، والذي يكشف في ذات الوقت وعيا كاملا لدى المؤسسة
الدينية الأكبر والأهم في العالم الإسلامي، عندما دعا إلى ذاك لاجتماع توافقي".
عزب، وفي حديثه لـ
"عربي21"، أشار إلى "التأثير الحقيقي الإيجابي لأي دعوة اجتماع
وتلاق بين تيارات الأمة ومذاهبها المختلفة، وقيمة الاتحاد بين مكوناتها، وأهمية
الدعوة التي تنطلق من مؤسسة عُرف عنها الاعتدال طول التاريخ والميل للقواسم
المشتركة".
وقال الأكاديمي
الأزهري: "من الناحية النظرية لا يوجد فرد يكره هذه المائدة التي تجمع
الفرقاء، لكن من الناحية العملية فإن هذه الدعوة يصعب إن لم يكن من المحال تطبيقها
وتفعيلها، اللهم إلا جلسات تصوير وموائد مستديرة، وأماني لن تجاوز القاعات التي
ستعقد فيها، وتجارب التاريخ كفيلة بتأييد ذلك".
لكنه، وفي نهاية
حديثه ثمن دعوة الشيخ الطيب، بقوله: "يبقى الأثر الطيب للدعوة، ومدى
الاستعداد الذي تبديه المؤسسات الدينية في الالتقاء على كلمة سواء، ويبقى أن
المؤسسة الأزهرية تحاول البحث في كل ما يمكن للتغلب على حالة الانهزام الحضاري
والعسكري التي عمت ربوع الأمة".
"النداء الثاني"
ويعد هذا هو
النداء الثاني من شيخ الأزهر في هذا الإطار، بعد دعوته في تشرين الثاني/ نوفمبر
2022، نداء لعلماء المذهب الشيعي لعقد حوار (إسلامي-إسلامي) بهدف نبذ
"الفتنة والنزاع الطائفي"، في وقت يشهد فيه إقليم الشرق الأوسط صراعا
سياسيا بين إيران ذات الأغلبية الشيعية وبعض الدول العربية والخليجية، السنية.
الطيب، وفي ختام
ملتقى البحرين للحوار "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، في حضور
بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، دعا إلى "المسارعة بعقد حوار (إسلامي إسلامي)
جاد، من أجل إقرار الوحدة والتقارب والتعارف، تُنبذ فيه أسباب الفرقة والفتنة
والنزاع الطائفي على وجه الخصوص".
"الطيب والخلافات العصرية"
وفي قراءته
لنداء الطيب، الجديد، قال الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الإيراني أسامة
الهتيمي، إنه "على المستوى النظري لا يمكن أن نقلل من أهمية الدعوات الصادرة
بين الحين والآخر من علماء المسلمين لعناصر الأمة للتوافق وتقريب وجهات النظر".
المحلل السياسي
المصري، أضاف لـ"عربي21"، أنها "بلا شك تتسق مع المقاصد العليا
والتوجيهات القرآنية للاعتصام بحبل الله عز وجل، لذا فليس لنا إلا أن نثمن دعوة شيخ
الأزهر للعلماء من السنة والشيعة والإباضية للاجتماع وتعظيم نقاط الاتفاق".
ويرى أن
"مثل هذا الاتفاق سينعكس بلا شك بشكل إيجابي على علاقة المسلمين بعضهم ببعض،
ويوثق أشكال التنسيق والتعاون، ويبيض وجه المسلمين أمام الآخر الذي ما فتئ يستغل
حالة النزاع الفكري والمذهبي لتشويه صورة الأمة ودينها".
وبين أنه
"لا السنة ولا الشيعة ولا الإباضية سيتوافقون على القضايا الكلامية الخلافية
التي تفجرت منذ نهايات القرن الأول للدعوة الإسلامية وخاضوا بسببها نزاعات عسكرية؛
فضلا عن عقد المئات من المناظرات الفكرية والعقلية التي لم تحسم أيا من الاختلافات".
ولفت الباحث
المصري، من ناحية أخرى إلى أنها "تُلفت النظر إلى خطورة ما تعيشه الأمة من
واقع مؤلم نتيجة تكالب الجميع عليها؛ ومن ثم فإنها تحاول أن تستحضر دور العلماء
الحقيقي في تقوية الجبهة الداخلية وصد الاعتداءات، وهو دور غاب كثيرا بكل أسف".
"قليل من التفاؤل"
ويرى أنه
"على الجانب العملي، وخاصة في ما يتعلق بأثرها على تطورات الوضع في الأرض
الفلسطينية المحتلة، فإنه لا يمكن لهذه الدعوة أن تمنحنا الكثير من التفاؤل لأسباب عديدة،
أولها أن صوت العلماء ومعهم المؤسسات الدينية أصبح خافتا لا يكاد يُسمع بعد أن
نجحت الكثير من الأنظمة السياسية في تغييب الأصوات الحرة وإضعافها وتوريط الكثير من
العلماء في صراعات واستقطابات داخلية".
وأضاف:
"وعليه فليس من المنتظر أن يكون لبيانات ونداءت هؤلاء العلماء حتى لو توافقوا
أي أثر حقيقي اللهم إلا إبراء الذمة".
ومن بين الأسباب
أيضا وفق الهتيمي، أن "الكثير من الأنظمة السياسية تتعاطى مع قضايا المنطقة
وفق حسابات قُطرية ضيقة لا يراعى فيها إلا المصالح الخاصة بالنظام أولا وبالقطر،
ثانيا فضلا عن مراعاة علاقاته بالقوى الدولية التي تحرص هذه الأنظمة على استرضائها
بأي طريقة".
ولفت إلى أن
"منها كذلك أن بعض العلماء المحسوبين على مذهب بعينه حسموا موقفهم منذ
البداية إزاء ما يحدث في الأرض المحتلة؛ وهو الموقف الذي جاء تابعا لمواقف الأنظمة
السياسية التي ينتمون إليها".
ويعتقد في نهاية
حديثه أن "هذا سيفرض بطبيعة الحال إطارا محددا على غيرهم عند النقاش حول ما
يجب أن تفعله الأمة بشأن القضية، لا يمكن لهؤلاء أو هؤلاء الخروج عنه، ما يجعل
التوافق على تحديد خطوات عملية أمرا صعبا للغاية".
"دعم فلسطين"
ومن بين ما قاله
الإمام الأكبر خلال الاحتفال الذي شهده مركز المنارة للمؤتمرات بمنطقة التجمع
الخامس شرق القاهرة، صباح السبت، أن عالمنا المعاصر فقد القيادة الرشيدة الحكيمة،
واندفع بلا عقل ولا حكمة ولا قانون دولي.
وأضاف أن
الأحداث القاسية التي نشهدها ونعيشها اليوم تثبت أنه تم هدم كل القيم بالكتب
المنزلة، وأن العالم بات يندفع بلا كوابح إلى هاوية لم يعرف لها التاريخ مثيلا من
قبل.
وأكد أن حالة
التشتت والضعف التي أصابت أمتنا العربية أفقدتها توازنها وقدرتها على مواجهة
أزماتها المتلاحقة، ومَن يتدبر الوضع العربي الحالي يصاب بألمٍ شديدٍ لما آل إليه
حال عديدٍ من الدول العربية كفلسطين والسودان وليبيا والعراق وغيرهم من الدول.
وبين أن عالمنا
العربي لن يستعيد قدرته على النهوض والتقدم ومواجهة أزماته إلا بتحقيق الوحدة
العربية المنشودة، وتغليب المصلحة العربية المشتركة.
"الأحرى بالشيخ"
وعن تقديره
للأثر السياسي المنشود على المستوى الإقليمي والدولي وفي قضايا فلسطين، واليمن
والعراق والخليج مع إيران لو نجحت دعوة شيخ الأزهر في التقريب بين السنة والشيعة
والإباضية، تحدث الخبير المصري في العلاقات الدولية الدكتور السيد أبو الخير،
لـ"عربي21".
وقال:
"بداية شيخ الأزهر يده ملوثة بدماء من قُتل من المصريين منذ منتصف العام
2013، حتى هذا التاريخ، لأنه أيد الانقلاب العسكري حينها على الرئيس الراحل محمد
مرسي".
ويرى الأكاديمي
المصري، أنه "كان من الأحرى أن يطالب الشيخ الطيب، قائد الانقلاب بفتح معبر
رفح للفلسطينيين والسماح بعبور المساعدات، وعدم الاشتراك في حصار غزة، ووقف التجسس
لصالح الكيان المحتل".
لا يعتقد
أبو الخير، أن "دعوة شيخ الأزهر ستجد صدى كبيرا، لأن الإباضية لا يشجعون
الانخراط في مثل تلك الدعوات، لأنها فئة قليلة توجد باليمن وسلطنة عمان، وكذلك
الشيعة لا يريدون كلاما بل يريدون مؤسسات تقام للتقريب".
ومع ذلك فقد أعرب
الأكاديمي المصري، عن أمنيته بأن "تنجح دعوة شيخ الأزهر، لأنها سيكون لها أثر
كبير في استرداد كرامة الأمة وإعلاء الجهاد ونصرة شعب فلسطين واليمن، وتوحيد الأمة
الإسلامية بعد فترة طويلة من الانقسام والتشرذم".