أسفر فرز صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية التركية طوال الليلة الماضية عن خسارة غير مسبوقة لحزب "
العدالة والتنمية" في مقابل تقدم وصف بأنه "تاريخي" لحزب "الشعب الجمهوري" المعارض الذي أصبح يحتل المرتبة الأولى من حيث عدد أصوات الناخبين لأول مرة منذ عام 1989.
وبحسب بيانات وكالة الأناضول الرسمية، فإنه تم مع صباح اليوم الاثنين فتح 99.82 من صناديق الاقتراع، والتي يبلغ عددها 206 آلاف و845 صندوق اقتراع فضلا عن ألف صندوق متنقل من أجل كبار السن والمرضى، في جميع أنحاء البلاد.
وشهدت الانتخابات المحلية أقل نسبة مشاركة خلال العشرين عام الأخيرة، حيث توجه 78.5 بالمئة فقط إلى صناديق الاقتراع، في حين بلغت نسبة المشاركين في الانتخابات العامة التي أجريت قبل عشرة أشهر 88.92 بالمئة.
وبلغ عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات التي تنافس فيها 34 حزبا سياسيا، 61 مليونا و441 ألفا و882 ناخبا، بينهم مليون و32 ألفا و610 شباب يحق لهم المشاركة للمرة الأولى.
وشارك 48.1 مليون ناخب في الانتخابات، اعتبرت أصوات 45.9 مليون منهم صحيحة، بحسب بيانات وكالة الأناضول الرسمية.
موقع "العدالة والتنمية"
حصد حزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده الرئيس رجب طيب
أردوغان 12 مليون و502 ألف و155 صوتا في الانتخابات المحلية، ليخسر بذلك أكثر من 8 ملايين صوت مقارنة بانتخابات عام 2019، التي شهدت أيضا تقدما للمعارضة تسبب في خسارة حزب أردوغان بلديتي إسطنبول وأنقرة.
وخسر "العدالة والتنمية" بلديات 21 ولاية حصل عليها في الانتخابات المحلية الماضية، ذهب منها ولايات: بورصة، وباليك أسير، وأفيون، وأوشاك، ومانيسا، ودينيزلي، وكوتاهيا، وزونغولداك، وبارتين، وكاستامونو، وأمسيا، وجيريسون، وأديامان، وكلّس، وبيليجيك، وكيركالي.. ووقعت في قبضة "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة.
وفي حين أن حزب "الجيد" انتزع أيضا بلدية ولاية نيفشهير من حزب أردوغان، فقد تمكن حزب المساواة والديمقراطي (ديم) الكردي من الفوز بولايتي آغري وموش شرق البلاد.
إسطنبول.. "جوهرة" أردوغان
تعد مدينة إسطنبول أهم المدن على الخارطة السياسية التركية لما تتمتع به من خصائص اقتصادية وثقافية واجتماعية فضلا عن موقعها الجغرافي بين قارتي آسيا وأوروبا، كما أنها تحظى بأهمية بالغة لدى الرئيس التركي عبّر عنها كثيرا خلال مسيرته السياسية.
وشكلت خسارة "العدالة والتنمية" لإسطنبول للمرة الأولى عام 2019 خيبة أمل كبيرة بالنسبة لأردوغان الذي دخل ميدان السياسة التركية عبر بوابة بلدية إسطنبول عام 1994.
وتمكن رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو من الحفاظ على منصبه لمدة خمس سنوات جديدة عقب حصوله على نسبة 51 بالمئة من أصوات الناخبين، متقدما على منافسه مراد كوروم بفارق يتجاوز عشر نقاط، حيث حصد الأخير 39.59 بالمئة من الأصوات، وتوزعت النسب الباقية بين الأحزاب الصغيرة والمتوسطة والمرشحين المستقلين.
وخسر "العدالة والتنمية" خلال الانتخابات التي أجريت الأحد بلديات تسعة أحياء في إسطنبول من مجموع 24 بلدية فرعية كان قد فاز بها في الانتخابات المحلية عام 2019، في حين تمكن "الشعب الجمهوري" من رفع عدد بلدياتها من 14 إلى 26 في المدينة التي تتكون من 39 حيا، لكل منها بلديته الخاصة.
إلى أين ذهبت أصوات "العدالة والتنمية"؟
وفي حين أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم خسر ما يزيد على الثمانية ملايين صوت من كتلته التصويتية مقارنة بالانتخابات المحلية عام 2019، فإن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض الذي حقق فوزا تاريخيا، تمكن من رفع قاعدة ناخبيه بما يعادل مليون صوت فقط، حيث بلغ عدد الأصوات التي حصل عليها 13 مليونا و983 ألفا و928 صوتا، مقارنة بـ12 مليونا و868 ألفا و815 صوتا فاز بها في انتخابات عام 2019.
وتشير هذه البيانات إلى عدم تمكن "الشعب الجمهوري" رغم تقدمه غير المسبوق من استقطاب أصوات ناخبي "العدالة والتنمية" والأحزاب المحافظة المحسوبة على اليمين التركي.
ويرى مراقبون أن الأصوات التي فقدها "العدالة والتنمية" توزعت بين ممتنع عن المشاركة في عملية الاقتراع وبين من قرر التوجه إلى حزب "الرفاه من جديد" الذي يترأسه فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان.
والجدير بالذكر أن حزب "الشعب الجمهوري" تمكن من توسيع كتلته الصوتية في هذه الانتخابات عبر جذب أصوات ناخبي حزب "الجيد" القومي المعارض الذي مُني بخسارة كبيرة في الانتخابات المحلية قد تطيح بزعيمته ميرال أكشينار، بحسب وسائل إعلام تركية.
وتمكن "الشعب الجمهوري" من استقطاب الكتلة الكردية رغم خوض حزب المساواة والديمقراطية (ديم) الكردي الانتخابات بكوادره الخاصة دون الإعلان عن انضوائه تحت راية أي تحالف.
وكانت مرشحة حزب "ديم" الكردي لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، ميرال دانش بيشتاش، قالت في مؤتمر صوتي عقب صدور نتائج الانتخابات الأولية، إنه "على أكرم إمام أوغلو (رئيس بلدية إسطنبول من حزب الشعب الجمهوري) ألا يظن أن أصوات الأكراد التي حصل عليها هي ملك له. ناخبونا صوتوا له لأنهم أرادوا معاقبة حزب العدالة والتنمية"، بحسب تعبيرها.
ويشار إلى أن إمام أوغلو الذي كان يدير بلدية حي بيلوك دوزو قبل عام 2019، تمكن من الفوز بإسطنبول الكبرى عقب الدعم الذي ناله من حزب "الجيد" القومي المعارض حينها، فضلا عن توجيه حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) المعروف الآن باسم المساواة الشعبية والديمقراطية (DEM)، من توجه كتلته التصويتية الكردية لصالح أكرم السياسي التركي المعارض.
أما في هذه الانتخابات، فقد قرر الحزبان خوض السباق الانتخابي دون أي تحالف، كما أن زعيمة حزب "الجيد" ميرال أكشينار، لا تنفك تهاجم أكرم إمام أوغلو بشدة، بعد الانقسامات التي أدت إلى انهيار تحالف الطاولة السداسية.