صدر بيان تحت العنوان أعلاه، بلا تحديد تاريخ، أو مصدر صدور، يُطالب بالتوقيع عليه. وقد تألف من أربع فقرات تضمنت ما يلي:
أولًا – “إزاء ما يرتكبه الاحتلال من فظائع وعمليات إبادة جماعية ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع
غزة، وإعادة الاحتلال المباشر للضفة الغربية، وما يسجله الشعب الفلسطيني من مآثر في مواجهة العدوان، لم يعد ممكنًا مواجهة متطلبات المرحلة الحالية الخطرة، (والمرحلة) التي تلي العدوان، من غير قيادة فلسطينية موحدّة”.
“إننا ندعو إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس وحدوي بحيث تشمل جميع القوى السياسية والهيئات الأهلية والمدنية والاقتصادية الفاعلة”.
يُفهم من هذه الفقرة أن في المرحلة السابقة، من 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى المرحلة الحالية، لم يكن هناك قيادة عسكرية/سياسية/مقاومة قادتها، أو ربما كانت موجودة ولم يجد البيان ضرورة لذكرها. ويُفهم منه أن الشعب الفلسطيني سجّل مآثر في مواجهة العدوان، من دون تلك القيادة التي قادت “طوفان الأقصى” وما بعده، ومن دون قيادة فلسطينية.
أما الدخول الآن في المرحلة الحالية، والمرحلة التي تليها، فلم يعد ممكنًا مواجهة متطلباتهما “من غير قيادة فلسطينية موحدة”. هذا يعني أن قيادة المرحلة السابقة، أو الحالة القيادية، على ما كانت عليه، وما هي عليه، لم تعد قادرة على مواجهة متطلبات المرحلة الحالية التي لم تتغيّر فيها القيادة، أو الحالة التي كانت عليها القيادة، والتي ما زالت قائمة في المرحلة الحالية. النداء لا يتطرّق إلى وجود قيادة أو عدمها.
والسؤال: ماذا سيكون عليه المصير بلا قيادة فلسطينية موحّدة. وهذا ما سيحدث لعدم إمكان تحقيق الشرط الذي يدعو له موقّعو النداء وهو “إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس وحدوي”. لأن هذا المسعى لم يتحقق من 2005، في الأقل. وذلك بالرغم من المحاولات الفاشلة تلو المحاولات الفاشلة.
فهل يتوقع النداء بأن محاولته الراهنة، أو مطالبته، ستؤول إلى النجاح، أم لا حاجة إلى “معرفة” الأسباب التي أدت بتلك المحاولات إلى الفشل؟ ولا ملام إن فشل هذا المسعى الجديد على يد موقّعي النداء، غير ذي موضوع، فما عليك إلاّ أن تطبخ، وليس عليك إذا احترقت الطبخة.
هذا ولم نسأل إن كان تشكيل قيادة فلسطينية موحدّة، هو الجواب لتحدّي مواجهة متطلبات المرحلة الراهنة، والمرحلة القادمة؟ وهل، بالمناسبة، إذا كانت مواجهة، أو بعض مواجهة، متطلبات المرحلة الحالية، والمرحلة التالية، يحتاج إلى مواجهة عسكرية. ومن ثم أين موقع المقاومة المسلحة في القيادة الفلسطينية الموحّدة. علماً أن النداء حدّد “إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس وحدوي بحيث تشمل جميع القوى السياسية والهيئات الأهلية والمدنية والاقتصادية الفاعلة”. أي استبعاد فصائل المقاومة المسلحة، وفي مقدّمها “كتائب عز الدين القسّام”، و”سرايا القدس”، و”كتائب أبو علي مصطفى”، والآخرون.
وأخيرًا، هل معنى هذا مواجهة ما ترتكبه دولة الاحتلال من فظائع، وعمليات إبادة جماعية، يُردّ عليها بقيادة فلسطينية سياسية موحدّة؟ منهم السيف ومنّا السياسة.
ثانيًا – يتابع النداء: “هذه (يقصد القيادة الفلسطينية الموحدّة وإعادة بناء م.ت.ف) مهمة مصيرية وملحّة، لا تحتمل التأجيل، لأن إسرائيل وحلفائها يعدون لفرض ترتيبات أمنية وإدارية تضمن الإشراف الإسرائيلي الأمني على القطاع منفصلًا عن الضفة الغربية. ويراهنون على تعاون فلسطيني وعربي في تنفيذها. ولا يمكن مواجهة هذا المخطط، بما في ذلك مخاطر التهجير، وتحدّيات إعادة البناء في غزة، والتخفيف من معاناة شعبنا باستراتيجيتين متناقضتين في غياب قيادة فلسطينية موحدّة”.
الفقرة الثانية تجيب عن القيادة الفلسطينية الموحّدة بالقول: “لأنها مصيرية وملحّة لا تحتمل التأجيل”، كيف ولماذا؟ “لأن إسرائيل وحلفائها يعدون لفرض ترتيبات أمنية وإدارية تضمن الإشراف الإسرائيلي الأمني على القطاع منفصلاً عن الضفة الغربية”، “ويراهنون على تعاون فلسطيني وعربي في تنفيذها”.
تتضمن هذه الفقرة تقديرًا للمرحلة الثانية التي ذكرت أعلاه، وخلاصتها أن الجيش الصهيوني هو الذي سينتصر في المرحلة الحالية، ويُحكم سيطرته الأمنية على القطاع، ولا إشارة إلى بقاء شيء من المقاومة التي أنجزت “طوفان الأقصى”، وقاومت بانتصارات متتالية طيلة المرحلة حتى المرحلة الثانية. ومن ثم لا يمكن مواجهة هذا المخطط بوجود استراتيجيتين متناقضتين “في غياب قيادة فلسطينية سياسية موحدّة”، والمتوقع أن تواجه وبيدها “مصباح علاء الدين” السحري، تلك المخططات التي أساسها، ترتيبات عسكرية أمنية.
أوَلم تواجه عدّة مخططات منذ 2005، في الأقل بلا وجود قيادة موحدّة؟
ثم أوَليس إعادة بناء منظمة التحرير في ظل قيادة فلسطينية موحّدة، يفترض حلّ إشكال الاستراتيجيتين المتناقضتين، ما دامت إعادة بناء م.ت.ف مرتبطة بذلك؟
النداء لا يتطرق لليوم الأخير. ويبدأ في اليوم التالي بمواجهة “المخططات الإسرائيلية”. وهذا يعني أنه يقدّر بأن المبادرة في اليوم التالي ستكون للمخططات الإسرائيلية
وبكلمة، إن هذا التقدير للموقف، سوف يدخل مأزقه، عندما تنتصر المقاومة، وقيادتها والشعب في قطاع غزة. ويكون هذا هو اليوم الأخير الذي سيرثه اليوم التالي، أو المرحلة التالية.
أمّا الفقرة الثالثة من النداء، فتنصّ على: “لقد عادت قضية فلسطين لتحتل مكانة مركزية على جدول الأعمال العالمي والإقليمي. وفتحت آفاقًا جديدة أمام تحقيق العدالة في فلسطين، بثمن باهظ جباه الاحتلال الهمجي، وما زال يجبيه من أهلنا في قطاع غزة. ولا يجوز تبديد هذه التضحيات الغالية التي تدمي قلوبنا في غياب تمثيل موحّد لهذا الشعب العظيم”.
تقّدر هذه الفقرة عودًا لقضية فلسطين إلى جدول الأعمال العالمي. ولكن دون أن توضح أكان ذلك في تأزيم مأزق الكيان الصهيوني، باتجاه عزله دوليًا على طريق هدنة تَفرض عليه التراجع، ووقف العدوان، وذلك بمواصلة الصراع والمواجهات، كما هي سمة الصراع الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني.
إنّ فتح آفاق جديدة لتحقيق “العدالة” في فلسطين من خلال التفاوض والتسوية السلمية، يعني استعادة مرحلة ما قبل أوسلو، ولكن بظروف “أفضل”، وتعليق آمال خُلب على تحقيق “العدالة في فلسطين”، وهذه غير ممكنة إلّا بإجبار الكيان على الرحيل. أي عكس الخيار الذي عمل له الكيان منذ 1949، طوال الخمسة وسبعين عامًا حتى اليوم، وهو الاستيلاء على كل فلسطين، واقتلاع ما تبقى من شعبها، وترحيلهم، كما حدث عام 1949 و1967.
بكلمة، إن الفقرة تتوقع العودة إلى التسوية السلمية التي تحتاج إلى “تمثيل موحّد لهذا الشعب العظيم”، ولكن ما هو الأساس الذي بُني عليه فتح آفاق جديدة تحقق العدالة في فلسطين، فيما الحرب الآن من أجل من يكون له اليوم الأخير فيها، بما يوجب جعل الأولوية، لحشد كل القوى من جانبنا، لدعم المقاومة وقيادتها والشعب، للانتصار فيها. وذلك بمضاعفة قوّة العوامل الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية، لتحقيق النصر العسكري والسياسي في هذه الحرب الدائرة الآن.
ولعل الانتقال إلى الفقرة الرابعة، والأخيرة، من النداء، تؤكد ما مرّ من تقدير موقف أعلاه.
الفقرة الرابعة – وتنصّ على: “يتطلب بسط سيطرة سلطة واحدة على المناطق المحتلة عام 1967 حكومة متوافق عليها. وتقتضي مواجهة مخططات اليوم التالي الإسرائيلية، وجود مرجعية سياسية لمثل هذه الحكومة. نحن نقصد تشكيل مرجعية سياسية موحّدة في أسرع وقت، وفي إطار منظمة التحرير. وذلك في الطريق إلى إعادة بنائها على أسس ديمقراطية. وبحيث تشمل جميع فئات شعبنا الفلسطيني”. وتنهي: “إننا ندعو إلى عقد مؤتمر وطني فلسطيني يجمع شخصيات وفعاليات من جميع قطاعات شعبنا وفئاته، لطرح هذا المطلب والعمل على تحقيقه”.
وبهذا يكون مشروع “نداء من أجل قيادة فلسطينية موحدة” قد انتهى، وأكمل ما يريد أن يصل إليه في اليوم التالي. وذلك من دون أن يقول كيف سينتهي اليوم الأخير من الحرب، والذي على ضوئه تتشكل المعادلة العسكرية والسياسية التي ستبدأ بها اليوم التالي. فالنداء لا يتطرق لليوم الأخير. ويبدأ في اليوم التالي بمواجهة “المخططات الإسرائيلية”. وهذا يعني أنه يقدّر بأن المبادرة في اليوم التالي ستكون للمخططات الإسرائيلية، ومن ثم تحتاج إلى مواجهة من خلال تشكيل حكومة بمرجعية سياسية موحّدة (لاحظ ليس لها قاعدة عسكرية) وإنما منظمة التحرير. وذلك في طريق إعادة بنائها على أسس ديمقراطية تشمل جميع فئات شعبنا الفلسطيني. وذلك أيضًا من خلال الدعوة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني يجمع كل فئات وفعاليات الشعب الفلسطيني، لفرض تشكيل الحكومة التي ستواجه “مخططات الإسرائيلية”.
يعني أن اليوم التالي سيكون صراعًا سياسيًا من قِبَل حكومة في إطار م.ت.ف في مواجهة المخططات الإسرائيلية (لاحظ عدم التعرض إلى أن المخططات التي ستواجه: “إسرائيلية” وليست “أمريكية-إسرائيلية”).
وخلاصة النداء أنه غير معني بالنتيجة التي ستنتهي بها المعركة الدائرة الآن. أو عدم اعتبارها أولوية يجب أن تتقدم على كل ما عداها من مشاريع. ويركز النداء على أن الأولوية المطلوب العمل من أجل إنجازها استباقًا لليوم التالي أن يحدث اتفاق فلسطيني لتشكيل قيادة موحدّة في إطار م.ت.ف. وهذا عوْدٌ لإيجاد توافق مع رئيسها محمود عباس الذي بيده إطار م.ت.ف، وإلّا فلا إطار لمنظمة التحرير. ومن ثم أن التوافق هنا غير ممكن ما لم يوافق الكل الفلسطيني الذي سيشاركه تشكيل القيادة الموحّدة والحكومة الموحّدة. أي إنجاز، وبسرعة ملحّة، ما لم يُنجز منذ 2005 في الأقل. ثم كيف الجمع بين استراتيجيتين لا تجتمعان، ما دام شرط رئيس م.ت.ف و”فتح” الموافقة على كل القرارات الدولية، وسياسات منظمة التحرير الفلسطينية وقرارتها.
هذا يعني أن النداء يطرح مشروعًا غير قابل للتحقيق، وهذا، كل ما يمكن أن يقال فيه، ولا سيما عند تشكيل حكومة موحّدة منبثقة عن القيادة الفلسطينية الموحّدة التي سيشترك فيها رئيس م.ت.ف حتى تكون في إطار م.ت.ف. وهو لا يشترك ما لم تقبل شروطه، وشروطه متناقضة مع استراتيجية المقاومة التي تبنتها “طوفان الأقصى”، وسارت الأهداف في غزة، وفلسطينيًا، على ضوئها حتى يومنا هذا.
فهل يعيد الأخوة والأخوات، من الموقعين على النداء، النظر، أم سيصرون عليه، والسير وفق مساره المقترح، والذي يغمس خارج الصحن، ويقف في وادٍ غير الواد الذي تدور فيه وقائع الحرب الدائرة الآن في قطاع غزة. وناهيك عن وقائع المواجهات المفتوحة، وبالنار والدم، في الدفاع عن المسجد الأقصى وحوله، كما المواجهات المفتوحة في الضفة الغربية والقدس.
وختامًا، يُراد الحوار، وليس معركة جانبية.
(
الكرمل)