نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، للصحفية، سارة دعدوش، قالت فيه إن "مئات المتظاهرين تجمعوا في العاصمة الأردنية، الثلاثاء، لليلة الثالثة على التوالي، للمطالبة بإنهاء الحرب الإسرائيلية في
غزة، واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب التي تحمل الهراوات قبل أن ينهمر الغاز المسيل للدموع عليهم".
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع، مساء الأربعاء، حيث هتفوا "افتحوا الحدود". على الرغم من وجود احتجاجات منتظمة في
عمّان، طوال فترة الحرب التي دامت ستة أشهر تقريبا، إلا أن الحكومة تمكّنت إلى حد كبير من احتواء الوضع من خلال الانحياز إلى المشاعر العامة، من خلال انتقاد سلوك دولة الاحتلال الإسرائيلي بشدة في الحرب ومناصرة القضية الفلسطينية.
لكن المشاهد هذا الأسبوع بدت أكثر عفوية، والحشود أكبر، والغضب أكثر حدة، مما أرسل موجات من الصدمة عبر المؤسسة الأمنية القوية في البلاد.
وقال العميد السابق في مديرية المخابرات العامة الأردنية ومؤسس مركز شرفات لدراسة العولمة والإرهاب، سعود الشرفات، إن "الأردن في وضع لا يحسد عليه". فالصراع الطاحن في غزة، وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، يختبران "قدرة الدولة على الحفاظ على الإيقاع السائد الآن، حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة".
إلى ذلك، تحتل المملكة الأردنية موقعا فريدا في منطقة الشرق الأوسط. وهي حليف وثيق وطويل الأمد للولايات المتحدة، وتتلقى أكثر من مليار دولار سنويا في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية.
وفي عام 1994، وقّع الأردن معاهدة سلام مع جارته دولة الاحتلال الإسرائيلي. لكن التهجير الجماعي للفلسطينيين خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، المعروفة باسم "النكبة"، أدّى إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد إلى الأبد.
ويستضيف الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، مُعظمهم يحملون الجنسية الأردنية. فيما يقدّر المحللون أن نصف السكان من أصل فلسطيني. بالنسبة للكثيرين في البلاد، جغرافيا وعاطفيا، تبدو الحرب في غزة قريبة جدا.
وقد سمحت السلطات الأردنية، التي لا تظهر عادة سوى القليل من التسامح مع المظاهرات العامة، بالاحتجاجات الأسبوعية، بعد صلاة الجمعة.
وقال الشرفات: "يبدو أنه مع مرور الوقت تعلمت المؤسسات الحكومية الدروس وبدأت بإعطاء مساحة للناس، لتخفيف التوتر".
ومع ذلك، حاولت الحكومة أيضا احتواء الاضطرابات، ومنعت أي ازدحام بالقرب من المنطقة الحدودية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أو اقتحامها. وأحبطت شرطة مكافحة الشغب عدة محاولات قام بها متظاهرون في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر للوصول إلى حدود البلاد مع الضفة الغربية.
وفي الشهر نفسه، قالت مديرية الأمن العام الأردنية إن "المتظاهرين اعتدوا على أفراد الأمن العام وأصابوهم، وألقوا زجاجات مولوتوف وألحقوا أضرارا بالممتلكات العامة والخاصة".
وقال محامون أردنيون، يمثلون المحتجزين لـ"هيومن رايتس ووتش"، هذا الشهر إنه "من المحتمل أن يكون مئات الأشخاص قد اعتقلوا بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو مناصرة الفلسطينيين عبر الإنترنت".
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة: "تدوس السلطات الأردنية الحق في حرية التعبير والتجمع في محاولة لإخماد النشاط المتعلق بغزة". كما ساعدت مناصرة الحكومة العلنية لغزة التي مزقتها الحرب في السيطرة على الغضب الشعبي.
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من أوائل المسؤولين العرب الذين قالوا إن "حرب إسرائيل في غزة تستوفي التعريف القانوني للإبادة الجماعية"، وهو اتهام وصفته إسرائيل بأنه "شائن". وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن إلغاء الاتفاق الاقتصادي المثير للجدل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي بموجبه كان الأردن سيوفر الطاقة لجارته مقابل المياه.
وقال لقناة "الجزيرة": "في ذلك الوقت إن مثل هذه المشاريع الإقليمية، لن تستمر، بينما تستمر الحرب"، مضيفا أن "الأردن يركز بالكامل على إنهاء البربرية الانتقامية الإسرائيلية في غزة".
لكن جيليان شويدلر، وهي الأستاذة في كلية هانتر ومؤلفة كتاب عن الاحتجاجات في الأردن، قالت إن "هناك حدودا للمدى الذي ترغب الحكومة في الذهاب إليه، بعد أن ربطت رؤيتها السياسية والاقتصادية بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل". مضيفة أن "هذه العلاقات ليست سهلة الفك".
وبعد اجتماع في البيت الأبيض، الشهر الماضي، كان العاهل الأردني، الملك عبد الله صريحا والرئيس بايدن يقف إلى جانبه: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك هذا الأمر يستمر، نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار الآن، هذه الحرب يجب أن تنتهي".
وفي الأسابيع الستة التي تلت ذلك، فشلت جولات متعددة من الدبلوماسية المكّوكية التي قام بها المسؤولون الأمريكيون والعرب والإسرائيليون في التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار.
ومع تزايد السخط العام، أصبحت المؤسسة الأمنية في الأردن متوترة. وبلغ معدل البطالة أكثر من 22 في المئة العام الماضي. العديد من الشباب عاطلون عن العمل. وهناك مخاوف من أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة معارضة قمعت منذ فترة طويلة وحليفة لحماس، تلعب دورا في الاحتجاجات، على أمل حشد الدعم قبل الانتخابات العامة في آب/ أغسطس.
وهتف بعض المتظاهرين ليلة الثلاثاء، "نحن رجالك يا سنوار"، في إشارة إلى يحيى السنوار، وهو زعيم حماس الذي خطط لعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وما زال طليقا في غزة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، السبت، أن سفارتها في دولة الاحتلال الإسرائيلي تتابع تقارير في وسائل إعلام عبرية تفيد باعتقال مسلحين بالقرب من قرية الفصايل بالضفة الغربية، بزعم عبورهما الحدود الأردنية.
وقال الشرفات إن "القلق واضح بين صناع القرار في الحكومة". مضيفا أن "إرسال شرطة مكافحة الشغب بانتظام يشكل استنزافا ماليا للاقتصاد الأردني الصغير والمتعثر".
وتابع بأن "هناك العبء العاطفي على عاتق الشرطة نفسها، والعديد منهم فلسطينيون أيضا". وبعد الصيام من شروق الشمس حتى غروبها في شهر رمضان المبارك، يقضي هؤلاء لياليهم الآن في الاشتباك مع المتظاهرين.
ومع استمرار الحرب، أصبح المتظاهرون أكثر جرأة: فقد أعقب إلغاء صفقة المياه مقابل الطاقة مطالب عامة متزايدة بإلغاء معاهدة السلام الأردنية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع تهديد جيش الاحتلال الآن بغزو رفح، التي يسكنها حوالي 1.4 مليون فلسطيني نازح، قال الشرفات إن "الضغط الشعبي سيزداد".
وقال: "الموقف الأردني حاليا في أزمة، في معرفة كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، وكيفية التعامل مع الاحتجاجات. المجال الذي يتعين على الحكومة المناورة فيه ضيق للغاية".
وقالت شويدلر إنها "تتوقّع المزيد من الشيء نفسه، إدانة حادة لإسرائيل، وتوتّر العلاقات الدبلوماسية الرسمية لفترة من الوقت، ولكن تغيير طفيف في السياسة أو العلاقات مع إسرائيل".