نشر موقع "
بيمنتس" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن صندوق
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في
السعودية، بقيمة 40 مليار دولار، الذي يمثل قفزة لإعادة تحديد دور
الشرق الأوسط في المشهد التكنولوجي العالمي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"؛ إن الصندوق يعد جزءا من اتجاه دول الشرق الأوسط، التي تسعى جاهدة لوضع نفسها كقادة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
وتؤكد الاستثمارات الضخمة قدرة الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل الصناعات وتعزيز التوسع الاقتصادي.
وتقدر دراسة أجرتها شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، أنه بحلول سنة 2030، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط الحصول على اثنين بالمئة من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي، التي تصل إلى حوالي 320 مليار دولار.
وقالت المحللة الجيوسياسية إيرينا تسوكرمان في مقابلة مع موقع "بيمنتس"؛ إن "جهود تطوير الذكاء الاصطناعي الناجحة لا يمكن أن تؤدي فقط إلى موجة من الإبداع والابتكار المحلي مثل الشركات الناشئة الجديدة، وجذب جيل من الطلاب إلى هذا المجال، ولكنها يمكن أن تنشر الرخاء الناتج في جميع أنحاء المنطقة، ومواجهة الاختلالات المحلية وإضفاء الطابع الديمقراطي على اقتصاد المعرفة، وتجذب ألمع العقول".
الطموحات الإقليمية
يجري البحث مع شركة رأس المال الاستثماري الرائدة "أندريسن هورويتز"، من بين آخرين في وادي السيليكون، لدراسة الجهود المشتركة المحتملة للمبادرة.
وقال باس كويمان، الرئيس التنفيذي ومدير الأصول في شركة "دي إتش إف كابيتال" في مقابلة مع موقع "بيمنتس"؛ إن هذه المبادرة جزء من استراتيجية أوسع لتنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط، وترسيخ مكانتها كشركة رائدة عالميّا في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أنه "يمكن للصندوق تحفيز الابتكار، وجذب شراكات التكنولوجيا العالمية، وتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات داخل المنطقة، مما يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية".
بدوره، قال ستيف بروتمان، المؤسس والشريك الإداري لشركة "ألفا بارتنرز"، في مقابلة مع موقع "بيمنتس"؛ إن استثمار السعودية في الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون بمنزلة حافز للتغيير التحويلي داخل النظام البيئي التكنولوجي في الشرق الأوسط.
وأوضح "أولا، إن ضخ 40 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، يدل على مستوى غير مسبوق من الالتزام بالتقدم التكنولوجي في المنطقة.
وقد يؤدي ذلك إلى إنشاء بنية تحتية قوية للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، وجذب المواهب العالمية، وتعزيز الابتكار، وتسهيل إنشاء الشركات الناشئة وحلول الذكاء الاصطناعي المتطورة".
وأضاف أنه "يمكن أن يشجع ذلك أيضا دولا أخرى في الشرق الأوسط على زيادة استثماراتها في التكنولوجيا، ويؤدي إلى طفرة تكنولوجية إقليمية. وهذا يمكن أن يحفز التنويع الاقتصادي، ويقلل الاعتماد على النفط، ويضع الشرق الأوسط كمنافس عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي".
وفي حين قادت دولة
الإمارات مبادرات الذكاء الاصطناعي مع أول وزارة للذكاء الاصطناعي في العالم في سنة 2017، فإن الاستثمارات الضخمة في السعودية تفوق الجهود الإقليمية الأخرى، على حد تعبير مايكل أشلي شولمان، الشريك والرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة "رانينغ بوينت كابيتال" في جنوب كاليفورنيا، في مقابلة مع موقع "بيمنتس".
وقال؛ إن "السعودية تتطلع إلى المستقبل للغاية، ولا تريد فقط أن تتخلف عن الركب في تطورات الذكاء الاصطناعي، ولكنها تريد أن تأخذ زمام المبادرة إقليميّا وعالميّا في مجال الذكاء الاصطناعي. وللقيام بذلك، فإنهم يعلمون أن عليهم المبالغة في الالتزام كإشارة للمستثمرين الآخرين وقادة التكنولوجيا حول مدى كفاءتهم".
من جانبه أكد باول ساتاليكي، المدير العام لشركة "أفنجا" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لموقع "بيمنتس"، أن التأثيرات المحتملة لتمويل الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط بعيدة المدى.
وأشار إلى أن "اعتماد الذكاء الاصطناعي يتسارع في قطاعات المؤسسات، بدءا من نمذجة المخاطر في الخدمات المصرفية، وحتى التعرف على الصور في المرافق".
وأضاف أن "حالات الاستخدام هذه، إلى جانب التطبيقات الواعدة بين الشركات والمستهلكين، تشير إلى اضطرابات كبيرة في مختلف الصناعات، مما يساهم في النهاية في التنويع الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، ونمو كبير محتمل في الناتج المحلي الإجمالي".
ويبرز الشرق الأوسط كلاعب في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحتل دولة الإمارات مكانة رائدة في هذا المجال، حيث تهدف استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 إلى جعل الدولة رائدة عالميّا في مجال الذكاء الاصطناعي. إن تركيز الحكومة على أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره، ونشره عبر قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل، بدأ يؤتي أكله بالفعل.
وعلى سبيل المثال، نشرت دبي أنظمة إدارة حركة المرور المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحسين التدفق وتقليل الازدحام. وفي الوقت نفسه، أعلنت الإمارات مؤخرا عن استثمار بقيمة 500 مليون دولار في الذكاء الاصطناعي.
ووفق الموقع، تخطو بلدان أخرى في المنطقة حذوها. وتركز مصر على الذكاء الاصطناعي في الزراعة وتنمية المدن الذكية، في حين تستفيد دول مثل البحرين وعمان من الذكاء الاصطناعي لتعزيز الخدمات المالية وكفاءة الحكومة.
التغلب على التحديات
وقال المحللون؛ إنه على الرغم من أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط هائلة، إلا أن النجاح لا يزال قيد التحديد.
وتتمثل إحدى العقبات الرئيسية في حاجة المنطقة إلى المزيد من المتخصصين ذوي المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي.
ولكي يصبح الشرق الأوسط مركزا حقيقيا للذكاء الاصطناعي، يحتاج الشرق الأوسط إلى استثمارات كبيرة في تعليم الذكاء الاصطناعي على جميع المستويات، وبناء مجموعة مستدامة من المواهب، وتعزيز النظام البيئي للشركات الناشئة المحلية.
وحتى مع كل التمويل، قالت تسوكرمان؛ إن الجهود السعودية لإنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي، ستحتاج على الأرجح إلى اللحاق بجهود الدول الأخرى.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة، وهي أكثر تقدما من الناحية التقنية من الشرق الأوسط، تحتاج إلى المساعدة في جذب المتخصصين المؤهلين إلى مبادرات تطوير الرقائق الجديدة.
وسلط ساتاليكي الضوء على إمكانات الحكومات لقيادة الابتكار، وقال: "من الجدير بالملاحظة أن بعض أكبر الخطوات في تبني الذكاء الاصطناعي، تأتي من الوكالات الحكومية في الشرق الأوسط.
وهذا النهج من أعلى إلى أسفل، وهو محرك مشترك في المنطقة، يمكن أن يسرع وتيرة التغيير، مقارنة بالمبادرات التي يقودها القطاع الخاص".
ولتسريع التقدم، سيكون التعاون الدولي ضروريا.
واقترح ساتاليكي أن "الشرق الأوسط يحتاج إلى استيراد المعرفة والموارد الخارجية بشكل فعال في هذه المرحلة. ويمكن للشراكات مع مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي ذوي الخبرة وشركات التكنولوجيا والمؤسسات الأكاديمية، أن تساعد في سد الفجوة مع بناء القدرات المحلية لتحقيق النمو المستدام."
الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط
وفيما يلي نظرة على أكبر اللاعبين في المنطقة:
الإمارات العربية المتحدة: إلى جانب جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومؤسسة دبي للمستقبل، أطلقت الإمارات عدة مشاريع أخرى.
ويتضمن البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي للإمارات مبادرات مثل مختبر الذكاء الاصطناعي، الذي يركز على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي للخدمات الحكومية، وبرنامج مشاريع الذكاء الاصطناعي، الذي يوفر التمويل والدعم للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما أنشأت الدولة مركز الثورة الصناعية الرابعة في الإمارات، بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، لاستكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى على المجتمع والأعمال.
المملكة العربية السعودية: أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) عدة مبادرات، بما في ذلك المركز الوطني للذكاء الاصطناعي، الذي يجري البحث والتطوير في معالجة اللغات الطبيعية، ورؤية الكمبيوتر، والروبوتات.
كما أنشأت البلاد الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي، وهي شركة مملوكة للحكومة تهدف إلى تسريع تسويق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، دخلت السعودية في شراكة مع شركات مثل هواوي لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والنقل والطاقة.
قطر: استثمرت
قطر في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على التعليم والبحث. ويجري معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، أبحاثا في تقنيات اللغة العربية، وتحليلات البيانات، والأمن السيبراني.
كما أنشأت قطر الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، التي تحدد رؤية الدولة لتطوير الذكاء الاصطناعي، وتتضمن مبادرات مثل إنشاء حديقة للذكاء الاصطناعي لدعم الشركات الناشئة، وإنشاء اتحاد للذكاء الاصطناعي لتعزيز التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية والحكومة.
البحرين: أطلقت البحرين مركز خليج البحرين للتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي.
ويوفر المركز منصة للشركات الناشئة والمؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا، للتعاون وتطوير حلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي للقطاع المالي.
وأنشأت البحرين أيضا جمعية البحرين للذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى تعزيز الوعي بالذكاء الاصطناعي واعتماده في مختلف القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والنقل.
عُمان: أطلقت عُمان المجموعة العمانية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التي تضم وحدة مخصصة للذكاء الاصطناعي، تعمل على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي للخدمات والصناعات الحكومية، مثل النفط والغاز والسياحة والخدمات اللوجستية.
كما دخلت عُمان في شراكة مع شركات مثل مايكروسوفت لإنشاء مركز التميز للذكاء الاصطناعي، الذي يوفر التدريب والدعم لمحترفي الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة.