شكل
الهجوم على المركز التجاري وسط
موسكو مساء الجمعة مفاجأة لقوى الأمن الروسية تحديدا والعالم عموما، خصوصا مع تزايد أعداد الضحايا وتمكن المهاجمين من الفرار قبيل إعلان السلطات اعتقالهم.
تبنى
تنظيم الدولة الهجوم الدامي الذي أودى بحياة 100 شخص تقريبا من المدنيين.
ونسرد في هذا التقرير، بعض التفاصيل عن عمل وتواجد التنظيم في روسيا وأواسط آسيا.
تفاصيل الهجوم
مساء الجمعة هاجم أربعة مسلحين مبنى كروكوس سيتي هول، وهي قاعة للحفلات الموسيقيّة تقع في كراسنوغورسك عند المخرج الشمالي الغربي لموسكو.
أطلق المهاجمون النار بشكل عشوائي على المدنيين، فيما اجتاح المبنى حريق كبير، وتصاعدت أعمدة من الدخان الأسود من سطحه، فضلا عن انتشار كثيف جدا للشرطة وخدمات الطوارئ.
وأعلنت لجنة التحقيق الروسية، السبت، ارتفاع عدد قتلى الهجوم في موسكو إلى 93 شخصا، مؤكدة أن العدد مرشح للزيادة.
وقالت اللجنة في بيانها: "ثبت أن الإرهابيين استخدموا سائلاً قابلاً للاشتعال لإضرام النار في قاعة الحفل التي كان يتواجد فيها الحضور".
وامتدّت النيران إلى ما يقرب من 13 ألف متر مربّع من المبنى قبل احتواء الحريق، وفق خدمات الطوارئ.
وهذه الرواية تتفق مع بيان التنظيم الذي تحدث عن إضرام النيران في القاعة بواسطة قنابل حارقة كانت بحوزة أحد المهاجمين.
وبحسب وزارة الطوارئ، فقد أجلت فرق الدفاع المدني حوالي 100 شخص كانوا في الطبقة السفليّة من قاعة الحفلات الموسيقيّة. فيما جرت عمليّات "لإنقاذ أشخاص من سطح المبنى باستخدام معدّات الرفع".
التبني والمطاردة
أعلن الكرملين السبت توقيف 11 شخصا، بينهم الأربعة الذين نفّذوا الهجوم، فيما قال جهاز الأمن الاتحادي الروسي إن منفذي الهجوم كانوا يتجهون نحو الحدود مع أوكرانيا وعلى اتصال مع أشخاص على الجانب الأوكراني.
وقال ألكسندر خينشتين العضو في مجلس النواب الروسي إن اثنين من المشتبه بضلوعهم في تنفيذ هجوم قرب موسكو أسفر عن سقوط قتلى ومصابين تم اعتقالهما في منطقة بريانسك الروسية بعد مطاردة بالسيارات، مبينا أن مشتبها بهم آخرين فروا على الأقدام إلى غابة قريبة.
وأعلن رئيس بلديّة موسكو سيرغي سوبيانين إلغاء كلّ الفعاليّات العامّة. كما أعلنت المتاحف والمسارح الرئيسيّة في العاصمة إغلاق أبوابها.
وفرضت الإجراءات الأمنية المشددة خصوصا في المطارات.
وتبنى التنظيم بعد ساعات الهجوم وذكر في اليوم التالي أن أربعة من مسلحيه هاجموا المبنى حيث شرع ثلاثة بإطلاق الرصاص فيما أضرم الرابع النيران في القاعة الموسيقية.
ونشر التنظيم صورة مموهة الوجوه للمسلحين الأربعة الذين نفذوا الهجوم، قائلا: "إن الهجوم يأتي في السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين (الدولة الإسلامية) والدول المحاربة".
ويظهر في الصورة التي نشرها التنظيم أحد المسلحين وهو يرتدي قميصا مشابها لأحد المهاجمين، كما يظهر هو ذاته يتكئ على أحد الأشخاص الذين اعتقلهم الأمن الروسي قرب بريانسك.
تحذيرات مسبقة
قبل أسبوع من العملية حذرت السفارة الأمريكية في موسكو رعاياها من التجمعات الموسيقية والاحتفالات العامة خشية وقوع هجمات محتملة.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مصدر مطلع قوله، إن واشنطن جمعت معلومات استخبارية منذ مطلع الشهر الجاري، تفيد بتخطيط فرع داعش في أفغانستان لعمليات ضد روسيا.
وفي وقت سابق حذر الجنرال مايكل إريك كوريلا، رئيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي، أمام لجنة بمجلس النواب مؤخرا، من أن "داعش
خراسان" يمتلك القدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأمريكية والغربية في الخارج.
ونقلت وسائل إعلام عن كولين بي كلارك، محلل مكافحة الإرهاب في مجموعة "سوفان"، وهي شركة استشارات أمنية مقرها نيويورك قوله: "لقد كان تنظيم داعش ولاية خراسان يركز اهتمامه على روسيا على مدى العامين الماضيين، وكثيرا ما ينتقد الرئيس فلاديمير بوتين في دعايته لتدخله في أفغانستان والشيشان وسوريا".
من جانبه ذكر مايكل كوجلمان من مركز ويلسون، أن تنظيم الدولة - ولاية خراسان "يرى أن روسيا متواطئة في أنشطة تضطهد المسلمين باستمرار".
وبين، أن التنظيم يضم أيضا بين أعضائه عددا من المسلحين القادمين من آسيا الوسطى الذين لديهم مظالمهم الخاصة حيال موسكو.
فرع التنظيم "خراسان"
مع حديث الولايات المتحدة عن تورط فرع خراسان بالعملية، سلطت الأضواء مجددا على ذلك الفرع الذي تلقى ضربات قاسية ومستمرة من حركة طالبان.
في عام 2015 أعلن مجموعة من قادة الصف الثاني والثالث من طالبان انشقاقهم عن الحركة وبيعتهم لتنظيم الدولة وزعيمه "أبو بكر البغدادي" حينها.
ودخلت الجماعة الجديدة في حرب مفتوحة ضد القوات الأمريكية والأفغانية بالإضافة لحركة طالبان، حتى انخفض عديد مقاتليها إلى النصف تقريبا بقرابة 2000 مقاتل، في عام 2021 بفعل الغارات الأمريكية و"الكوماندوز" الأفغانية التي قتلت العديد من قادتها، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
نفذ التنظيم أثناء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تفجيرا انتحاريا في المطار الدولي بكابول في آب/أغسطس 2021، أدى إلى مقتل 13 جنديا أمريكيا ونحو 170 مدنيا.
وشددت طالبان منذ ذلك الحين، حربها على التنظيم كما أعلنت مرارا قتل واعتقال عناصره وقادته.
ونفذ تنظيم الدولة فرع "خراسان" سلسلة هجمات دموية في أفغانستان وخارجها، كان آخرها التفجير الانتحاري في محافظة كرمان الإيرانية والذي أدى لمقتل نحو 100 شخص.
من أواسط آسيا حتى القوقاز
ليست المرة الأولى التي يهاجم التنظيم فيها روسيا خصوصا أنه يخوض حربا ضدها في سوريا منذ سنين.
وورث التنظيم عداء الجماعات المسلحة في القوقاز للنظام الروسي، كما عمل على استقطاب العناصر الجدد في أبخازيا وأنغوشيا والشيشان.
ويمكن اعتبار إمارة القوقاز التي كان يتزعمها دوكو عمروف من الأماكن الرئيسية لإرسال المقاتلين الشيشان إلى سوريا.
ومنتصف 2015، أعلن مقاتلون من أربع جمهوريات من القوقاز مبايعتهم تنظيم الدولة، الذي رحب بالعناصر الجدد من جمهوريات داغستان والشيشان وأنغوشيا وقبردينو - بلقاريا الروسية.
ورحب المتحدث باسم تنظيم الدولة حينها أبو محمد العدناني بالأمر قائلا: "نبارك إعلان الولاية في القوقاز وقد عين البغدادي الشيخ أبا محمد القدري واليا على القوقاز".
ومنذ ذلك الوقت تعلن السلطات الروسية باستمرار القضاء على خلايا للتنظيم في تلك المناطق.
ومنذ حقبة الاتحاد السوفيتي ثمة رابط ديني واستراتيجي مصلحي يربط مسلمي القوقاز بالمسلمين في وسط آسيا وصولا إلى أفغانستان.
وبدا ذلك واضحا في قدرة التنظيم على تعزيز صفوفه بالمقاتلين المنحدرين من تلك المناطق ومنهم الأوزبك والطاجيك والكازخ وحتى الأذريين.
وأتاح وجود التنظيم في هذه البلدان سلسلة من الخلايا الهرمية التي تأخذ شكل التنظيم الخيطي، وبذلك يصعب إسقاط الشبكة ككل في حال اعتقال أحد أطرافها.
تنظيمات القوقاز ووسط آسيا
برزت هذه الجماعات خلال الثورة السورية وانخرطت في القتال ضد روسيا والنظام، وهذه أبرز الجماعات الشيشانية:
جيش المهاجرين والأنصار الذي يعد أبرز المجموعات المقاتلة في سوريا والتي انضم مقاتلوها لتنظيم الدولة.
وظهر التنظيم لأول مرة في حلب أواخر عام 2021، بمجموعة كان يقودها أبو عمر الشيشاني (تارخان باتيراشفيلي). بعد اندماج المجموعة مع مجموعات شيشانية أخرى تحت اسم جيش المهاجرين والأنصار في مارس/آذار 2013 أصبح أبو عمر الشيشاني زعيما للتشكيل الجديد قبيل انضمامه لتنظيم الدولة أواخر عام 2013.
لم يتبن جميع المقاتلين الشيشانيين في سوريا فكرة الانضمام للـ "الدولة" فانفصل صلاح الدين الشيشاني عن أبي عمر الشيشاني بمجموعته تحت نفس اسم جيش المهاجرين والأنصار مضافا له "إمارة القوقاز الإسلامية".
وثالث التنظيمات كان تنظيم جند الشام الذي حافظ على استقلاله حيث يقوده أبو وليد (المعروف بمسلم الشيشاني أو مسلم مارجوشفيلي) الذي عمل مع السعودي ثامر السويلم (المعروف بخطاب) في الحرب الشيشانية الثانية.
أواسط آسيا
يمتلك المقاتلون القادمون من تلك المناطق خبرات عسكرية واسعة وإمكانيات بدنية هائلة كما هو الحال مع نظرائهم القوقازيين.
ويتمتع الأوزبك بخبرات عملياتية من خلال اندماجهم في شبكات الجهاد العالمية، وقتالهم في عدة ساحات على رأسها أفغانستان وباكستان.
وتعتبر "الحركة الإسلامية في أوزبكستان" أبرز التنظيمات من وسط آسيا والمشاركة في المعارك بالعراق وسوريا والداعمة لتنظيم الدولة.
كما انضمت كتيبة "الإمام البخاري" الأوزبكية للتنظيم لتنظيم الدولة وبرز دورها بشكل لافت على الساحة السورية قبيل انحسار التنظيم
عداء قديم لروسيا
لم يكن هجوم موسكو هو الأول للتنظيم ضد المصالح الروسية، بل قد يكون الأعنف والأكثر دموية داخل الأراضي الروسية.
في تشرين الأول/أكتوبر 2015 أعلن فرع التنظيم في "سيناء" مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الروسية شرق القاهرة.
ونشر التنظيم حينها صورة للقنبلة المستخدمة بتفجير الطائرة التي كانت تقل ما يزيد على 220 روسيا.
وفي كانون الأول/سبتمبر 2022، أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير انتحاري تسبب في سقوط قتلى بالسفارة الروسية في كابل.
ومطلع آذار/مارس الجاري أعلنت قوات الأمن الروسية القضاء على عناصر لداعش كانوا يخططون لـ"هجوم إرهابي" على كنيس في موسكو.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن جهاز الأمن قوله: "خلال اعتقالهم أبدى الإرهابيون مقاومة مسلحة لضباط جهاز الأمن الفدرالي الروس ونتيجة لذلك تم تحييدهم بإطلاق النار في المقابل".
وأوضح البيان: "عثر على أسلحة نارية وذخائر إضافة إلى مكونات لتصنيع عبوات يدوية متفجرة وتم ضبطها".
وتعلن السلطات في روسيا بين والآخر القضاء على خلايا للتنظيم في تلك المناطق.
وفي سوريا يخوض التنظيم معارك كر وفر ضد قوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه في البادية السورية حيث يتعرض لقصف متواصل من سلاح الجو الروسي منذ سنوات.