لا تزال الحرب على
غزة تكشف الضعف الاقتصادي للاحتلال الإسرائيلي، بجُملة خسائر مُباشرة وغير مُباشرة، حيث قفزت الأرقام للوراء، مُسجّلة مؤشّرات سلبية، أعمق من التي كان يسجلها الاحتلال الإسرائيلي في حروبه السابقة.
من نقص الاستثمارات الأجنبية، إلى تهاوي أرقام الاقتصاد المبني على التكنولوجيا، وانكماش صناعة العقارات وغيرها، أوضحت عدد من البيانات ضعف اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي؛ بينها "بنك إسرائيل المركزي"، الذي أكد أن "قيمة قروض الرهن العقاري في فبراير/ شباط الماضي بلغت 5.38 مليارات شيكل (1.49 مليار دولار)، أي أقل من معدلات يناير/ كانون الثاني الماضي، البالغة 5.5 مليارات شيكل".
وتابعت الأرقام الصادرة عن "بنك إسرائيل المركزي" أنه "في فبراير/ شباط الماضي جرى تمويل ما بين 6 آلاف و7 آلاف شقة، ما يعكس حالة التراجع التي تسيطر على القطاع العقاري"، مشيرة إلى أن صناعة العقارات في دولة الاحتلال الإسرائيلي تدهورت، بالتزامن مع استمرار الحرب على
قطاع غزة.
وترصد الأرقام نفسها، تراجع عمليات البناء، جرّاء عدم توفر الأيدي العاملة الفلسطينية، التي كانت تشكل عصب الصناعة (90 ألف عامل)، وارتفاع أسعار الفائدة على الشيكل عند 4.75 في المائة، قبل خفضها في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 4.5 في المئة.
وفي هذا السياق، أبرزت صحيفة "غلوبس" العبرية، الخميس، أن "سوق العقارات لا يزال ضعيفا"، لافتة إلى أن قيمة الصفقات تعكس ركودا حادا، وذلك على الرغم من أن القطاع يتشافى تدريجيا من الركود الذي اتسم به خاصة في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
أيضا، يعتمد اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي على منتجات وصادرات التكنولوجيا الفائقة، التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي الصادرات، بالإضافة إلى الضرائب المفروضة على هذا القطاع.
استثمارات متهاوية وعجز مُتصاعد
كذلك، عرفت الاستثمارات الأجنبية تدهورا حادا، وذلك منذ نهاية العام الماضي، حيث بلغت نحو 29 في المئة مقارنة بعام 2022، وهو الشيء الذي يتعارض مع الاتجاه العالمي المتمثل في زيادة الاستثمارات الأجنبية، في عدد من الدول، بحسب صحيفة "كالكاليست الاقتصادية" العبرية.
وقالت الصحيفة الاقتصادية العبرية، الاثنين، إن حكومة بنيامين نتنياهو، قد "سجّلت إخفاقين اقتصاديين، وهما تدهور الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات عام 2017، وانخفاض حساب الخدمات مولد النمو الرئيسي للاقتصاد لمدة 16 عاما".
كذلك، واصل العجز المالي تصاعده على أساس سنوي، ليصل إلى 5.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 105.3 مليارات شيكل (29.25 مليار دولار)، وذلك مقارنة بنحو 4.8 في المئة في كانون الثاني/ يناير، فيما زاد على أساس شهري بنسبة 0.8 في المئة، بما يعادل 13.4 مليار شيكل، وفق ما نقل موقع "غلوبس" الاقتصادي، الأسبوع الماضي، عن المحاسب العام لوزارة المالية، يالي روتنبرغ.
وفي السياق نفسه، ترى وزارة المالية أن "العجز سيستمر في الاتساع في الأشهر القليلة المقبلة، غير أنه سوف يبدأ بالانحسار خلال الربع الأخير من العام الجاري، بعد التغيرات في الإنفاق والإيرادات المرتبطة بالحرب".
إلى ذلك، لا تزال كل من وكالتي "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" تراقبان تطورات أداء اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ظل استمرار الحرب الهوجاء على قطاع غزة، واحتمال توسّع نطاق الاشتباكات مع حزب الله اللبناني إلى حرب أوسع نطاقا، حيث قال مسؤول في "ستاندرد آند بورز" نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي إن "الوكالة قد تخفّض تصنيف إسرائيل إذا اتسعت الحرب لتشمل جبهات أخرى".
وكانت الوكالة قد أبقت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على تصنيف دولة الاحتلال الإسرائيلي الائتماني عند "إيه إيه" (AA)، غير أنها عدّلت نظرتها المستقبلية من مستقرّة إلى سلبية، مشيرة إلى ما وصفته بـ"مخاطر توسع الحرب على الاقتصاد والوضع الأمني".
القوى العاملة.. غائبة
بحسب عدد من المتخصصين في اقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي، لعلّ أبرز الأسباب المرتبطة بانكماش اقتصاد الاحتلال، هي غياب العاملين في القطاع الخاص، ممّن كانوا يبلغون خلال العام الماضي نحو 522 ألف عامل، 349 ألف عامل في الضفة الغربية، و173 ألف عامل في قطاع غزة.
وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، قد خفّضت توقعاتها لنمو اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي خلال العام الجاري، مع ترجيح انكماشه بنسبة 1.5 في المئة العام القادم، مع غياب 18 في المئة من القوى العاملة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، خلال الحرب.
وتتوقّع الوكالة أن "يتسع عجز الميزانية إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 وأكثر من الضعف إلى حوالي 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024".
وكان قد تم تهجير أكثر من 200 ألف شخص من التجمعات السكانية على طول الحدود الجنوبية والشمالية في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، فيما استدعى الجيش الإسرائيلي حوالي 350 ألف جندي احتياطي، وتم تعطيل عمليات الآلاف من الشركات في جميع أنحاء البلاد.