سياسة عربية

الجزائر تعلن إنشاء مكتب "جمهورية الريف" لانفصاليين من المغرب.. ما هي رسالتها؟

أعلن في الجزائر عن إنشاء مكتب تمثيلية ما سمي "جمهورية الريف" لـ"نشطاء انفصاليين" في المغرب.. (فيسبوك)
أعلن في الجزائر عن إنشاء مكتب تمثيلية ما سمي "جمهورية الريف" لـ"نشطاء انفصاليين" في المغرب.

وجاء الإعلان عن افتتاح التمثيلية في فيديو بثّه أعضاءٌ من المجلس الوطني الريفي ومنخرطون في الحزب الوطني الريفي، مع كلمة بالمناسبة "حول نضال منطقة الريف"، وتضمن "رفع علم جمهورية الريف على أنغام النشيد الوطني الريفي".



ويبرر مراقبون جزائريون إعلان  تأسيس مكتب  جمهورية الريف في الجزائر، بأنه جاء رداً على ما بدر من ممثل المغرب في الأمم المتحدة السفير عمر هلال، الذي يعيد في كل مرة الحديث عن استقلال منطقة القبائل في الجزائر، وتتهم السلطات الجزائرية الرباط بدعم حركة استقلال منطقة القبائل، التي يقودها المغني المقيم في باريس فرحات مهني.

وسبق للسفير المغربي عمر هلال أن سلّمَ مذكرة، في اجتماع على مستوى حركة عدم الانحياز، تدعم تقرير مصير ما وصفه بـ "شعب القبائل الشجاع" في الجزائر، وكان من نتائجها قطع العلاقات بين البلدين في أغسطس/آب 2021. وعلّق الوزير الأول المغربي سعد الدين العثماني، وقتها، بأن هذا الموقف كان "احتجاجياً"، ولا يعبّر عن الموقف الرسمي المغربي، لكن الجزائر رفضت تلك التبريرات وطالبت بتوضيح رسمي.

وفي الرباط اعتبر أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور تاج الدين الحسيني، أن إعلان مكتب لجمهورية الريف في الجزائر تصعيد خطير في استهداف المغرب لا مبرر له.

وقال الحسيني في تصريحات خاصة لـ "عربي21": "هذه خطوة تصعيدية ومتهورة ولم يعد أمام النظام الجزائري سوى إعلان الحرب ضد المغرب، إذ ما الذي يعنيه هذا الإعلان في وقت العالم العربي في أمس الحاجة إلى التوحد نصرة للفلسطينيين؟".

وأضاف: "هل ننتظر من الرباط أن تقدم على خطوة موازية للاعتراف بجمهورية القبائل؟ ما جرى في الجزائر تطور خطير وغير مبرر وغير محسوب فعلا"، على حد تعبيره.

وفي لندن وصف الديبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت خطوة الإعلان عن افتتاح مكتب لممثلية جمهورية الريف الانفصالية في الجزائر بأنها "خطوة مجنونة ومتهورة".

وقال زيتوت في تصريحات خاصة لـ "عربي21": "الورقة الانفصالية مضرة بالبلدين وهي أشبه بقنبلة تدميرية، وقد سبق لي وأن أدنت بشدة موقفين أقدم عليهما النظام المغربي وهما العلاقات مع الكيان الصهيوني، والحديث عن انفصال منطقة القبائل في الجزائر".

وأضاف: "أعتقد أن إقدام عصابة الحكم في الجزائر على اتخاذ هذه الخطوة تنم عن تشنج غير طبيعي داخل النظام، وتوهم أنه في خطر شديد".

وأشار زيتوت إلى أن "هذه الخطوة لا تؤكد ضعف وعزلة عصابة الحكم في الجزائر فقط، وإنما تشهد على فشل الاعتماد على سياسة الاستئصال الأمني التي تستخدمتها العصابة مع كل مخالفيها في الرأي داخل الجزائر، وهي اليوم تكرر استعمالها في علاقتها الدولية، فهي لا تبحث عن حل خصومات الخارجية بالتوافق".

ولفت زيتوت الانتباه إلى أن "خطوة اعتراف عصابة الحكم في الجزائر بمكتب لجمهورية الريف الانفصالية بالمغرب، يأتي في سياق إقليمي تواجه فيه سياسات نظام الحكم في الجزائر فشلا متزايدا، فقد خسر فعليا دعم الحليف الروسي، الذي يسعى لتفكيك أوروبا وترى موسكو أن فوضى في المنطقة المغاربية تحقق هدف الإضرار الشديد بأوروبا عبر فتح الباب أمام الهجرة غير القانونية، وفي هذا الإطار تدعم موسكو فاغنر في دول الساحل والسودان وليبيا، وكذلك الإمارات التي أصبحت طرفا فاعلا في كل هذه الدول إضافة إلى المغرب وتونس".

وأضاف: "كما تأتي خطوة الإعلان عن مكتب لجمهورية الريف مع الإعلان عن القمة الثلاثية بين الجزائر وتونس وليبيا كل ثلاثة أشهر، وهي قمة لا تستبعد المغرب فقط وإنما أيضا موريتانيا، وهي خطوة غير محسوبة أيضا تضر بالمنطقة المغاربية، فسعيّد في تونس عمليا هو بيد الإمارات، كما أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي دوره شكلي في حكم ليبيا المجزأة أصلا".

واعتبر زيتوت، أن "هذه السياسات التصعيدية والهروب إلى الأمام الذي يعتمده نظام الحكم في الجزائر تعكس تشنجا ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها.. وعموما فإن كلا النظامين يرتكب خطيئة حقيقية باستخدامه الورقة الانفصالية التي ستعمق الإضرار بالبلدين وبالمنطقة إجمالا"، وفق تعبيره.  

وجمهورية الريف هي المنطقة الشمالية للمغرب المطلة على البحر الأبيض المتوسط. من أهم أقاليمها الحسيمة والناظور وشفشاون وتطوان والعرائش والدريوش. وهي حاليا تسمى الريف المغربي. تأسست قديما في 18 سبتمبر 1921 عندما كان المغرب يعاني من الاستعمار الفرنسي والإسباني ودامت خمس سنوات فقط، تزعمها في تلك الفترة محمد عبد الكريم الخطابي وكانت مدينة أجدير مركزا لها، حُلَّت في 27 مايو 1926م.

وكان والد محمد بن عبد الكريم الخطابي، هو أول من قاد الهجوم على المستعمر الإسباني سنة 1920 بمحاصرة موقع تفرسيت الاستراتيجي (وهي البلدة التي ينحدر منها وزير الداخلية المغربي الحالي عبد الوافي لفتيت)، لكنه توفي بعد 22 يوما من الحصار، ليتسلم بعده "الأمير محمد" مشعل مقاومة المستعمر.

وشرع الخطابي في توحيد قبائل المنطقة من ريافة (أمازيغ) وجبالة (عرب)، ليخوض معركة أنوال الحاسمة ضد الجيش الإسباني في مايو/أيار 1921، حيث ألحق بالمستعمر هزيمة كبيرة.

وبحكم أن المغرب كان يخضع في تلك الفترة للحماية (الاستعمار) الإسبانية، بشماله وجزء من صحرائه، وللحماية الفرنسية (الاستعمار) ببقية مناطق البلاد ما بين 1912 و1956، فقد خطط الخطابي لإعلان قيام "الجمهورية الاتحادية لقبائل الريف" واستقلالها عن "الحماية الإسبانية"، لمواصلة مكافحة الاستعمار بكافة التراب المغربي، وبدول الجوار، بشكل منظم.

ولم يثبت أن الخطابي، كان انفصاليا، أو دعا إلى سحب البيعة عن سلطان المغرب، بل كانت له فقط استقلالية في قيادة المقاومة، وتقديرات سياسية بعد "استسلامه" للجيش الفرنسي، لمواصلة مقاومة الاستعمار بكافة التراب المغربي، وبالدول المغاربية.

وفي سنة 1908، قام الخطابي بتبليغ السلطان عبد العزيز (ملك المغرب وقتها)، بتكليف من والده، دعم قبيلته "بني ورياغل" لمحاربة الجيلالي بن ادريس الزرهوني (بوحمارة)، الذي أعلن تمرده ضد العرش العلوي، وهدد وحدة الدولة المغربية قبيل الفترة الاستعمارية. وكان وقتها طالبا يدرس بجامعة القرويين بفاس.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع