تجاوز زوجان في منتصف العمر، موسموليادي (55 عاماً)
وزوجته نورميس (50 عاماً)، فكرة التقاعد وينطلقان في رحلة طويلة بحثا عن فرص عمل
في العاصمة الجديدة لإندونيسيا، حيث لا تزال الأعمال الإنشائية جارية.
تشكل هذه القصة التي نشرتها "بي بي سي" مثالا على
التحديات والآمال التي يواجهها البلد في رحلته نحو تحسين اقتصاده.
موسموليادي يشير إلى أن إيجاد فرص عمل في هذا الوقت يعد
أمرا أسهل بينما لا تزال البنية التحتية في مراحلها الأولى.
ويقيم الزوجان في منزل قيد الإنشاء في نوسانتارا، العاصمة
الجديدة المعنية بالابتكار، حيث يسعى موسموليادي للعمل كمقاول في المشاريع الضخمة
التي تحدد مستقبل البلد.
ومنذ إعلان الرئيس جوكو ويدودو عن نوسانتارا قبل عامين،
شهدت الأعمال الإنشائية ازدهارا، ويتوقع أن يستضيف الموقع حوالي مليوني نسمة
بحلول 2029.
ومع ذلك، تظل هناك مخاوف بين السكان المحليين، خاصة السكان الأصليين
كباندي وزوجته سيامسيا، اللذين يعيشون في مناطق قد تتعرض للإخلاء.
تأتي هذه التحديات في ظل طموحات الرئيس جوكوي لجعل
إندونيسيا من بين أكبر الاقتصادات العالمية.
اظهار أخبار متعلقة
ووفقا لصندوق النقد الدولي، حققت البلاد تقدما ملحوظا في
تصنيف أكبر الاقتصادات على مستوى العالم.
إضافة إلى ذلك، تثير إندونيسيا اهتماما دوليا بفضل
استغلال مواردها الطبيعية، خاصة النيكل الذي يلعب دوراً مهماً في صناعة السيارات
الكهربائية.
وعلى الرغم من الانتقادات الدولية بشأن سياسة تصدير
النيكل الخام، فإنها ساهمت في توفير فرص العمل وتعزيز التنمية الاقتصادية.
"قد تتفوق على روسيا اقتصاديا"
في عام 2014، كانت إندونيسيا تحتل المركز العاشر على
مستوى العالم من حيث حجم اقتصادها، بناءً على تعادل القوة الشرائية.
وبعد مضي عقد من الزمن، شهدت البلاد تقدماً ملحوظا، حيث
ارتقت إلى المركز السابع في التصنيف العالمي لأكبر الاقتصادات.
تفوقت إندونيسيا بذلك على دول كبرى مثل روسيا، وذلك في
إطار استمرار النمو الاقتصادي والتطور الاقتصادي الملحوظين في البلاد.
تأتي هذه المرحلة الاقتصادية المتقدمة في سياق الانتخابات
الرئاسية التي جرت في 14 فبراير، حيث يشير تقرير أرقام غير رسمية إلى أن وزير
الدفاع برابوو سوبيانتو في طريقه للفوز في جولة واحدة. وقد قطع سوبيانتو عهداً
بمواصلة السياسات الاقتصادية التي نفذها الرئيس الحالي.
وفي هذا السياق، يعتبر جوسوا بارديدي، اقتصادي يعمل في
إحدى أكبر البنوك الإندونيسية (بنك بيرماتا)، أن برامج الرئيس ويدودو تظهر فعالية
على الورق، مشيرا إلى إمكانية جعل إندونيسيا أقرب إلى تحقيق توقعات صندوق النقد
الدولي.
ورغم نجاح البرامج الحالية، يظهر طموح إندونيسيا في أن
تكون من بين خمس دول ذات دخل مرتفع بحلول عام 2045، وهي الذكرى المئوية
لاستقلالها.
وتكمل الطموحات الاقتصادية بضرورة تحقيق نمو اقتصادي سنوي
يتراوح بين 6 إلى 7 في المئة، وفقا لوزير المالية الإندونيسي سري مولياني، حيث
يعكس هذا النمو الحالي للاقتصاد الإندونيسي نسبة 5 في المئة.
أكبر منتجي النيكل عالميا
تشتهر إندونيسيا بواحدة من أشهر جزرها، جزيرة بالي، والتي
تُعتبر وجهة سياحية رائعة لقضاء العطلات.
وعلى الرغم من جمالها الطبيعي، إلا أن إندونيسيا تتمتع
أيضا بمكانة رفيعة كأحد أكبر منتجي النيكل في العالم، وهو عنصر أساسي في صناعة
بطاريات السيارات الكهربائية.
في عام 2019، أعلن الرئيس ويدودو حظر تصدير النيكل الخام
لتعزيز تطوير صناعة معالجة المادة الخام في إندونيسيا.
هذا القرار أدى إلى رفع دعوى قضائية من قبل الاتحاد
الأوروبي ضد إندونيسيا في منظمة التجارة العالمية.
يُذكر أن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود الرئيس لتعزيز
الصناعة التحويلية في البلاد.
تشير أوراق بحثية صادرة عن معهد تنمية التمويل الاقتصادي،
وهو هيئة بحثية مستقلة، إلى أن سياسة الرئيس المتعلقة بالنيكل قد أحدثت تحولًا
إيجابيًا في الاقتصاد، حيث تم تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة.
ومع ذلك، تظل إندونيسيا تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات
الصينية لبناء مصانع معالجة النيكل، مما يثير تساؤلات حول استدامة هذا التوجه،
خاصة مع تراجع معدل النمو الاقتصادي في الصين هذا العام.
وقد تعرض الرئيس ويدودو لانتقادات بسبب انفتاحه على
الاستثمارات الصينية، وتجاهله لنزاعات في قضايا الحدود وانتقادات أخرى تتعلق
بالقضايا البيئية والصحية المرتبطة بسياسته الصناعية.
منسق شبكة الدفاع عن التعدين (جاتام)، ملكي نهار، يقول:
"إن مردود النيكل قد فقد الحكومة عقلها"، مشيرا إلى التحديات
والانتقادات التي تواجهها الحكومة نتيجة لسياستها في هذا القطاع.
مدينة جديدة
ترتبط تنمية إندونيسيا بشكل أساسي بالتنوع الجغرافي
للبلاد، حيث تتألف من 17000 جزيرة توزعت عبر ثلاثة أقاليم، بما في ذلك العاصمة
جاكرتا التي تشهد زيادة في معدل الغمر السنوي للمياه.
في خطوة مفاجئة، قرر الرئيس ويدودو نقل العاصمة في عام
2022، رغم أن العالم كان يكافح للتعافي من تداعيات جائحة كورونا.
عبّرت بعض الدول، بما في ذلك الصين، عن اهتمامها
بالاستثمار في المدينة الجديدة، لكن حتى الآن لم يظهر شيء "ملموس"، وهو
ما أكده نيلول الهدى من مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية (سيليوس)، مركز أبحاث
مستقل.
لقد جرب الرئيس وسائل متنوعة، بما في ذلك إصدار قانون
يدعم المستثمرين، والذي اعتبرته مؤسسات المجتمع المدني انتهاكا لحقوق العمال.
سيتخلى الرئيس عن سلطاته في أكتوبر المقبل، ووفقا للتقارير، يرى أن بناء نوسانتارا
سيكون إرثه المستدام في البلاد.
مع ذلك، يشير فيرمان نور، الباحث السياسي في الوكالة
الوطنية لأبحاث الابتكار الوطنية، إلى أن هناك شوائب تحيط بفكرة نوسانتارا، حيث
يعد انعكاسا لتلاشي القيم الديمقراطية في التنمية والممارسات السياسية على مدى
العقد الماضي.
في السياق نفسه، يسعى الرئيس القادم، سوبيانتو، إلى كسب
تأييد الجماهير من خلال سياسات شعبوية، مثل توفير وجبات غداء مجانية للأمهات
والأطفال.
يحذر الخبراء من أن مثل هذه المشاريع قد تثقل كاهل
الميزانية، التي تعاني بالفعل من ضغوط بسبب المشاريع الضخمة للرئيس المنتهية
ولايته.
تقول نيلول الهدى: "ستؤدي وجبات الغداء المجانية
وسياسات أخرى إلى استنزاف ميزانية الدولة، مما قد يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الدين
الوطني".
وتضيف: "إذا استمرت سياسات الحكومة المقبلة بهذا
التهور، فقد يتضاعف الدين بحلول عام 2029، على الرغم من الطموح في أن تصبح
إندونيسيا أكبر اقتصاد في العالم".