تطالب مجموعة من سكان
تكساس بإعادة الولاية إلى دولة مستقلة كما كانت قبل 200 عام في تحرّك يُطلَق عليه "تكست" (Texit)، على اعتبار أن الخطوة المستوحاة إلى حد ما من "بريكست" ستساهم في حل أزمة
الهجرة والخلاف مع واشنطن بشأن السيطرة على الحدود مع
المكسيك.
كشف الخلاف بشأن السيطرة على الحدود بين الرئيس الديموقراطي جو
بايدن وحاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت حجم الهوة في الولايات المتحدة.
وأعلنت ولاية تكساس في كانون الثاني/ يناير الماضي، رفضها قرارا من المحكمة العليا، والرئيس جو بايدن، بإزالة الأسلاك الشائكة على حدود الولاية الجنوبية لمنع عبور المهاجرين.
واشتد النزاع بين الطرفين حول السلطة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وأعلن حاكم الولاية غريغ أبوت أنه سيتحدى القضاء والرئيس، وسيقوم بوضع المزيد من الأسلاك الشائكة لردع المهاجرين.
في الشهر ذاته، صوتت المحكمة الأمريكية العليا لصالح الحكومة الفيدرالية، ودعت لإزالة الأسلاك الشائكة التي تم نشرها على امتداد حدود الولاية بتوجيه من أبوت.
وقال رئيس "حركة تكساس القومية" دانيال ميلر لفرانس برس: "نعرف هنا في تكساس أن الطريقة الوحيدة التي سيكون بإمكان تكساس من خلالها تأمين الحدود ووضع نظام منطقي للهجرة ستكون من خلال القيام بما تفعله 200 دولة أخرى حول العالم والقيام بذلك كدولة مستقلة تحكم نفسها بنفسها".
يشدد ميلر على أن حركته التي تأسست عام 2005 لم تكن يوما قريبة إلى هذا الحد من تحقيق هدفها.
في القرن التاسع عشر، كانت تكساس فعليا جزءا من المكسيك. لكن بعد حرب استقلال عُرفت بثورة تكساس، نالت سيادتها في 1836. وبعد تسع سنوات فقط، انضمت إلى الولايات المتحدة بصفتها الولاية 28.
يشبّه ميلر تحرّك "تكست" بصدمة بريكست عام 2016 التي غادرت بريطانيا بموجبها الاتحاد الأوروبي.
وأفاد بأن تكساس تتشارك التاريخ والمصالح مع باقي الولايات المتحدة، لكن على غرار المدافعين عن استقلال إقليم كاتالونيا الإسباني، يشعر سكانها بأن الحكومة المركزية غير قادرة على فهم مشاكلهم.
ومع استعداد الأمريكيين للإدلاء بأصواتهم في تشرين الثاني/نوفمبر للاختيار على الأرجح بين بايدن ودونالد ترامب، تطالب الحركة الداعية لاستقلال تكساس المجلس التشريعي التابع للولاية بتمرير قانون يسمح بإجراء استفتاء على الانفصال.
لكن الدستور الأمريكي لا يتضمن أي بند يسمح للولايات بالقيام بذلك، علما بأن انفصال ولايات جنوبية بينها تكساس عام 1861 أشعل الحرب الأهلية التي اعتُبرت الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة.
من جانبه، قال بايدن سابقا؛ إن إدارته تدرك المشكلة على الحدود، وإنه بدأ في مفاوضات مع أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أجل معالجة المشكلة بشكل جدي.
وأوضح أن ما تم التوصل إليه خلال النقاشات، سيصبح قانونا نافذا إذا ما تم تمريره في مجلس النواب والشيوخ.
تكساسي أم أمريكي؟
لطالما كان هناك تحرّك انفصالي في تكساس، لكنه كان وما زال عبارة عن حركة هامشية، بحسب مدير الأبحاث في "مشروع سياسات تكساس" التابع لجامعة تكساس في أسوتن جوشوا بلانك.
وأشار إلى أن أزمة الحدود بين تكساس والحكومة الفدرالية "خلقت وضعا أعتقد أن هذه المجموعة سعت حقا لاستغلاله لجعل وجهات نظرها تبدو ليست كالفكر السائد فحسب، بل أكثر عقلانية مما هي عليه في الواقع".
وأفادت مستي وولترز، وهي ربة منزل في الخمسينات من عمرها حضرت خطابا لميلر في مطعم تقليدي في تكساس، أن سكان الولاية يشعرون بأنهم ينتمون إلى تكساس أولا قبل أن يكونوا أمريكيين.
وقالت: "نتعرّض للغزو"، في إشارة إلى الأعداد القياسية للأشخاص الذين عبروا الحدود وقدم العديد منهم من أمريكا الوسطى، في قضية تحتل مكانة بارزة خلال الانتخابات الرئاسية.
وتابعت: "على تكساس أن تحمي مواطنيها بشكل أفضل".
الشهر الماضي، أصدر أبوت، بيانا قال فيه؛ إن إدارة السلامة العامة في الولاية، إلى جانب الحرس الوطني، يعملون معا لتأمين الحدود، لوقف تهريب المخدرات، والأسلحة، والمهاجرين، ومنع النشاط الإجرامي العابر للحدود.
وفي بيانه، قال أبوت؛ إن عملية "لون ستار" (النجمة الوحيدة) التي تقوم بها الولاية، أدت إلى اعتقال قرابة نصف مليون مهاجر غير شرعي، وقرابة 40 ألف مجرم، و35 ألف متهم بقضايا جنائية، وصادرت 454 مليون جرعة مميتة من مادة الفنتانيل المخدرة.
وأضاف أن ولايته نقلت عشرات الآلاف من المهاجرين إلى ولايات أخرى، منها واشنطن، ونيويورك، وشيكاغو، وفيلادلفيا، ودنفر، ولوس أنجلوس، على وجه الخصوص.
واتهم أبوت الرئيس بايدن، باتباع سياسة الحدود المفتوحة، ووضع ثغرات خطيرة على الحدود، مؤكدا أن ولايته مستمرة في سد هذه الثغرات التي تمنع المخدرات من شق طريقها إلى تكساس، وولايات أخرى.
وأكد أن الدستور يعطي ولايته الحق في الدفاع عن النفس، في ظل استمرار بايدن بمهاجمة تكساس ورفض أداء واجبه في تأمين الحدود.
وخلص استطلاع أجراه هذا الشهر "مشروع سياسات تكساس" إلى أن 26 في المئة من المستطلعين يشعرون بأنهم من تكساس قبل أن يكونوا أمريكيين، مقارنة مع 27 في المئة شعروا بذلك في 2014، وهي نسب لا تحمل الفروقات بينها أهمية إحصائية تذكر.
وقال بلانك: "وإن كان، فلا يعني ذلك بأن 26 في المئة يؤيّدون انفصالا دمويا عن الولايات المتحدة".
خلص استطلاع لمجلة "نيوزويك" هذا الشهر إلى أن 67 في المئة من أهالي تكساس يفضّلون بقاء الولاية جزءا من الولايات المتحدة.
وأفاد بلانك بأن الحركة الانفصالية تغذيها إلى حد كبير "فكرة وجود ثقافة أمريكية موحّدة مرتبطة عادة بالبشرة البيضاء".
وأضاف: "مع وجود أزمة حدودية، يعزز ذلك المخاوف بالنسبة للأشخاص الذين يعتبرون فكرة الثقافة الأمريكية هذه صحيحة بشكل ما".
"تعالوا خذوها"
في بلدة إيغل باس في أقصى جنوب تكساس، سيطر الحاكم أبوت عسكريا على منطقة شلبي بارك المطلة على نهر ريو غراندي الفاصل بين الولاية والمكسيك. يعد الموقع مركز أزمة كبيرة مع الحكومة الفدرالية.
أمر الحاكم الذي يتهم إدارة بايدن بالفشل في منع تدفق أعداد هائلة من المهاجرين إلى الولاية بوضع أسلاك شائكة على أجزاء من الحدود.
يشبّه ميلر الوضع الحالي بأحداث العام 1835 عندما كانت تكساس ما تزال جزءا من المكسيك.
ورفضت تكساس إعادة مدفع أعارتها إياه المكسيك ورفعت علما كتب عليه "تعالوا خذوه"، وهو ما أدى لاندلاع حرب تكساس الناجحة للاستقلال.
وكما هي الحال مع المدفع، يعد التوتر المرتبط بحديقة إيغل باس جزءا من مشكلة أكبر بكثير، بحسب ميلر الذي وصفها برمز "للعلاقة المحطّمة بين الحكومة الفدرالية والولايات".
لكن بخلاف الحرب مع المكسيك، أو الحرب الأهلية حتى، يعتقد أنصار حركة ميلر أن تحقيق الانفصال سلميا هو أمر ممكن هذه المرة.
لكن بلانك يستبعد ذلك قائلا: "لن يكون بإمكان تكساس الانفصال بسلام. لن تتفاوض الولايات المتحدة معهم بشروط مواتية".