أعرب مفكرون ونشطاء سياسيون
فلسطينيون وعرب عن خيبة أملهم؛ إزاء التعاطي
الغربي الرسمي مع
حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة للشهر
الخامس على التوالي.
جاء ذلك في
ندوة أقامها منتدى التفكير العربي أمس السبت في العاصمة
البريطانية لندن بعنوان: "الغرب وفلسطين.. ازدواجية المعايير ومتلازمة التفوق
الاستشراقي"، شارك فيها كل من السفير الفلسطيني في المملكة المتحدة حسام
زملط، والدكتور برهان غليون أستاذ علم الاجتماع بجامعة السوربون، والدكتور جلبير الأشقر
بروفيسور العلاقات الدولية في جامعة سواس بلندن، وبإدارة الدكتور عاطف الشاعر
الأستاذ بجامعة ويستمنستر البريطانية، وبحضور نخبة من الكتاب والإعلاميين
والنشطاء العرب في
بريطانيا.
وأوضح زملط في كلمته الافتتاحية عن خيبة أمله مما وصفه بـ
"النفاق الغربي" في التعاطي مع حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني
في غزة وفي باقي الأراضي الفلسطينية، وأكد أن بداية الانعتاق من الاحتلال هو إنهاء
الحصار الإعلامي المفروض على فلسطين، وتعرية المظالم التي يرتكبها الاحتلال بحق
الفلسطينيين.
وأكد زملط أنه من المهم إدارة نقاش حول ازدواجية الغرب ونفاقه
وتواطئه في الحرب على الفلسطينيين، واعتبر أن النقاش الفكري حول هذه المواقف مهم
للغاية؛ من أجل إجلاء الحقيقة وإيصال المظلمة الفلسطينية إلى العالم، وكشف كيف أعطى
الغرب الغطاء السياسي والقانوني والأخلاقي لهذه الحرب الظالمة بحق الشعب
الفلسطيني.
من جهته، رأى أستاذ علم الاجتماع بجامعة السوربون الدكتور برهان غليون
أن ما كشفته حرب الإبادة التي يخوضها الاحتلال الصهيوني ضد قطاع غزة للشهر الخامس
على التوالي، هو هذا التماهي بين إسرائيل والدول الغربية، حيث إنه بعد نصف ساعة من
طوفان الأقصى، بدأ القادة الغربيون في الذهاب أو التواصل مع إسرائيل، كما انحاز الإعلام
الغربي بشكل سافر إلى جانب الرواية الصهيونية، وأصبح مدافعا عنها وعن حق إسرائيل في
الدفاع عن نفسها.
وجوابا على سؤال: كيف نمت العلاقة بين إسرائيل والدول الغربية؟ عاد
برهان غليون إلى التاريخ، وقدم تلخيصا موجزا عن السردية الواقعية لنشأة إسرائيل،
وأشار إلى أن القضية بدأت هنا في أوروبا، حيث انتهت النخب الأوروبية إلى أن اليهود
غير قادرين على التأقلم مع الدول القطرية الجديدة، وأن أصوله السامية لا تسمح له بالاندماج
مع التقدم والتحرر.
وذكر أن النخب الغربية انقسمت في البحث عن حل لهذه الإشكالية، حيث رأى
شق أنه لا حل للمسألة اليهودية إلا إذا تخلوا عن دينهم، وهذا ما رد عليه كارل ماركس
في ما عُرف بـ "المشكلة الاجتماعية"، وأنه لا يمكن لليهود أن يتحرروا
إلا إذا تحررت المجتمعات الأوروبية اجتماعيا. وشق آخر بدأ يتحدث عن هجرة اليهود
من أوروبا إلى أمريكا. أما الحل الثالث غير الهجرة، فهو ما طرحه النازيون، وهو
إبادتهم، ومن هنا صارت إبادة حقيقية.
وذكر برهان غليون أنه في ظل هذا الجدل، كتب هيرتزل كتابه الدولة
اليهودية، وهو ما يؤكد برأي غليون أن المشكلة اليهودية بالأساس كانت مع
الأوروبيين.
وأضاف: "من بين الحلول أيضا، كان هنالك توجه لبناء دولة يهودية
بأوغندا في أفريقيا؛ باعتبارها دولة فراغ، كما لو كانت أرضا بلا شعب، ولكن ذهن
وزير الخارجية البريطاني بلفور، وهو أكبر معادٍ للسامية، تفتق عن وعد بلفور، وحوّل
وجهة اليهود من أوغندا إلى فلسطين، وكان يرى أن فلسطين أرض بلا شعب، وهم يعنون
بذلك أنه لم يكن هنالك شعب بالمعنى السياسي، ولذلك كان الغزو طبيعيا".
وتابع: "المهم، بدأت الدولة اليهودية في فلسطين، لكن بالحقيقة
لفترة طويلة لم يتجاوب اليهود مع الهجرة إلى فلسطين، وبعد المحرقة قامت المنظمة
الصهيونية بجلب اليهود إلى فلسطين".
ورأى غليون أن وظيفة إسرائيل في الشرق الأوسط هي فصل المشرق عن المغرب، وأن تكون قاعدة ومرتكزا لتمديد الاحتلال والحفاظ على المصالح الغربية، ومن هنا صار
هذا التماهي.
وقال: الذي خلق إسرائيل وقواها هو دورها الوظيفي لترسيخ نفوذ الغرب، واستخدامها كعصا غليظة للتحكم في العالم. ولذلك حتى لو رغبت إسرائيل في السلام مع
العرب، فإن الغرب لن يقبل بذلك؛ لأنها تحولت إلى مليشيا
محلية لخدمة السياسة الأمريكية في المنطقة.
أما الدكتور جلبير الأشقر، فقد ركز على قراءة الحاضر الذي خلفته
الحرب، فقال: "نحن أمام كارثة هائلة، نحن نتكلم عن حرب إبادة وعن نكبة جديدة. أكثر من حجم القتل هو حجم إزالة غزة الفلسطينية، ومن هذه الناحية الشبه بنكبة ٤٨
ليس القتل والتهجير فقط، بل أيضا التدمير".
وأضاف: "ما ألقته إسرائيل من سلاح في غزة يساوي قنبلتين ذريتين
من عيار قنبلة هيروشيما الذرية، وهو
ما يجعلنا فعلا أمام عملية إبادة حقيقية. الإبادة التي لم تقتصر على البشر بل تشمل
أيضا المعالم الحضارية".
ورأى الأشقر أن هذه الحرب من الناحية العملية، هي الأولى من نوعها
التي تشترك فيها إسرائيل والولايات المتحدة بشكل فعلي، وقال: "في ٤٨ التزمت
أمريكا الحياد, في
٥٦ تصدت للعدوان الثلاثي، وفي ٦٧ أول حرب تحظى بالرضاء الأمريكي، وفي ٧٣ حرب
دعمتها أمريكا دفاعا عن إسرائيل، وفي ٨٢ الحرب على لبنان لم يظهر الدعم
الأمريكي، أما اليوم، فهذه أول حرب تخوضها إسرائيل بتغطية سياسية وقضائية في مجلس
الأمن، وبجسر جوي مازال مستمرا حتى اللحظة من أمريكا".
وأضاف: "أمريكا مشاركة في الحرب منذ لحظتها الأولى. نحن أمام
أول حرب مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهي إبادة تحظى بموافقة الدول
الغربية. وهذه نقلة نوعية في التاريخ العربي والتاريخ الغربي الذي وصل نفاقه إلى
درجة مرتفعة. هذه سابقة تاريخية بالغة الأهمية".
وأكد الأشقر في ختام مداخلته، أنه ما كان لهذه الحرب العدوانية ضد
قطاع غزة أن تستمر طيلة هذه الأشهر، وأن تنتج عنها هذه النكبة، لولا المواقف العربية
الضعيفة أو المتواطئة.
وشارك الحضور بإدارة نقاش موسع حول الانقسام
السياسي والاجتماعي، الذي بدأ يشق المجتمعات الغربية بين مواقف شعبية منحازة إلى
القيم الأخلاقية، التي روج لها الغرب وللقوانين الدولية التي تدعو إلى احترام حقوق
الإنسان، وبين أنظمة غربية رسمية منحازة لإسرائيل ولعدوانها، وترفض التراجع عن هذا
الانحياز، وهو انقسام ستكون له تداعيات كبرى في قابل الأيام.