لا أفهم لماذا أبدت بعض وسائل الإعلام
العربية دهشتها، لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن
الدولي قبل أيام قليلة، لتجهض قرارا يدعو إسرائيل لوقف حربها على
غزة، ثم طرحت
قرارا بديلا بوقف تلك
الحرب "مؤقتا"، وذلك قطعا، حتى يتسنى لإسرائيل
تقديم مكرمة تبيض وجهها امام المجتمع الدولي بالسماح بإدخال بعض مواد الإغاثة الى
غزة، وبعدها تتوصل عمليات القتل الجماعية والدمار الشامل لما تبقى من دور سكنية
ومرافق حيوية في القطاع. فعلام العجب والدهشة ورئيس الولايات المتحدة جو بايدن
نفسه شاهد زور على ذبح أطفال إسرائيليين بأيد
فلسطينية، وعلى ان حماس هي التي تنسف
المستشفيات بمن فيها من بشر ومعدات ومعينات، وشاهد الزور هذا معذور، لأنه وكما قال
ب"بعضمة لسانه" تبادل وجهات النظر حول حرب غزة مع الرئيس المكسيكي
السيسي، مما يعني ان السيسي المكسيكي هو الذي غذّاه بالمعلومات عن تلك الحرب، وغير
معروف ما إذا كان هذا "التخبيص" قد نشأ عن اضطراب في شبكة الهواتف، أم
اضطراب في شبكة مخ بايدن.
مِنّا قوم يعيدون اختراع العجلة بين الحين
والآخر، ويكتشفون كل بضعة أشهر أن الولايات المتحدة توالي وتساند وتدعم إسرائيل في
المنشط والمكره، وأصحاب الذاكرة السمكية فقط، هم من يغيب عنهم أن تلك الولايات
المتحدة، لم تناصر الشعوب العربية قط سواء في مواجهة غطرسة القوة الإسرائيلية أو
بطش حكامهم، بل إن الإعلام الأمريكي الذي يتمتع بهامش حرية شديد الاتساع، لا يختلف
كثيرا عن البيت الأبيض فيما يتصل بالاستخفاف بكل ما هو عربي وإسلامي، وصولا إلى
تزييف الحقائق والأرقام في تغطيتها للحرب على غزة.
مِنّا قوم يعيدون اختراع العجلة بين الحين والآخر، ويكتشفون كل بضعة أشهر أن الولايات المتحدة توالي وتساند وتدعم إسرائيل في المنشط والمكره، وأصحاب الذاكرة السمكية فقط، هم من يغيب عنهم أن تلك الولايات المتحدة، لم تناصر الشعوب العربية قط سواء في مواجهة غطرسة القوة الإسرائيلية أو بطش حكامهم،
منذ بدء هذه الحرب ظلت صحف نيويورك تايمز
وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز حريصة على رصد ما أسمته مظاهر معاداة السامية بين
الكتل الجماهيرية المستنكرة للحرب، ولكن وكما كشفت صحيفة أنترسبت الإلكترونية، لم
تولِ تلك الصحف أي اهتمام للعداء المكشوف للمسلمين، بل واستهدافهم بالعنف الجسماني
واللفظي في الولايات المتحدة، فخلال الشهر الأول من الحرب جاءت عبارة معاداة
السامية 549 مرة في تلك الصحف مقابل 79 مرة لمفردة اسلاموفوبيا؛ وعند تحليل ألف
مقال في الصحف الثلاث، اكتشفت أنترسبت أن المصدر التي تستقي منه ثلاثتها أخبارها
هو الجيش الإسرائيلي، ولم تكن شبكات
التلفزة الأمريكية أفضل حالا من تلك الصحف، فمنذ اشتعال الحرب ظل مراسلوها في رفقة
الجيش الإسرائيلي وهو يمطر غزة بالحمم، أي أنهم اختاروا أن يكونوا عند نقطة انطلاق
القذائف لا عند نقطة سقوطها، وهذا ما فعلته تلك الشبكات خلال الغزو الأمريكي
للعراق عام 2003، وهذا ما رفضته قناة الجزيرة الفضائية، فحقّ عليها غضب الأمريكان
فقصفوا مكتبها في بغداد، وحصدوا روح الشهيد طارق أيوب.
بل إن مفردات اللغة المستخدمة في تغطية هذه
الحرب، تكشف مدى تحامل الصحافة الأمريكية على الضحايا والتعاطف مع الجناة، فمصرع
1139 إسرائيلي خلال عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/ أكتوبر "مذابح
مروعة"، و"مجازر بشعة"، أما عشرات الآلاف الذين عصفت آلة الحرب
الإسرائيلية بأرواحهم في غزة فيشار اليهم ب"موتى" وليس قتلى، وبنفس
المكيال فمن تخطفهم إسرائيل من بيوتهم ومن أسِرّة المشافي "أسرى"، بينما
من تحتجزهم عناصر المقاومة الفلسطينية "رهائن"، وانظر العنوان الرئيس في
صحيفة نيويورك تايمز في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم عن "ضحايا"
عملية طوفان الأقصى "هرعوا إلى المخابئ طلبا للسلامة، فتعرضوا للقتل"،
ثم وفي نفس العدد رأت الصحيفة ان تتعاطف بعض الشيء مع الفلسطينيين، فجاء على
عمودين منها "الحرب تحيل غزة الى مقبرة للأطفال"، والفاعل هنا مبني
للمجهول، فلا إشارة للطرف الذي حول القطاع الى مقبرة، ورغم ان ضحايا الحرب من
الأطفال الفلسطينيين ناهز ال10 آلاف، إلا أنه لم يأت ذكرهم إلا مرتين في 1100
تقرير أخباري عن الحرب في نيويورك تايمز وواشنطن بوست، مع أن أنترسبت تقول إن عدد
الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل خلال الأسبوع الأول من حربها على غزة،
أعلى من عدد الأطفال الذين قتلوا خلال العام الأول من حرب روسيا على أوكرانيا،
وأقامت صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست مأتما وعويلا لمصرع ستة صحفيين خلال في
الأسابيع السبعة الأولى من حرب أوكرانيا، ولكنها لم تجد حبرا تذرفه لمصرع 48 صحفيا
فلسطينيا في غزة بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
ورغم أن الإعلام الأمريكي يتعمد ممارسة
التضليل بتصوير إسرائيل على أنها ضحية تارة، وأنها في حالة دفاع عن النفس، إلا أنه
فشل في "تضليل" شرائح الشباب الأمريكي، خاصة من يوالون الحزب
الديمقراطي، لأنهم لا يستقون معلوماتهم عن الحرب من وسائل الإعلام التقليدية من
صحف وتلفزيون وإذاعة، بل من وسائط مثل يوتيوب، وتك-توك وإنستغرام وإكس (تويتر سابقا)، التي لا سيطرة على اللوبي
الصهيوني وصنائعه عليها، بل وقفت حشود من المتظاهرين مرارا أمام مبنيي نيويورك
تايمز وواشنطن بوست، للتنديد بانحيازهما المكشوف لإسرائيل.
الصحفية تغريد الخضري المقيمة في هولندا،
وضعت النقاط فوق الحروف، عندما قالت لقناة الجزيرة الإنجليزية: إذا لم تكن تعيش في
غزة، وإذا لم تستمع لدعوات الفلسطينيين لمن فقدوهم من أحباب، وإذا لم تعرف قصة
أولئك الأحباب، فإن تغطيتك للأحداث في غزة ستكون ناقصة... وما هو حادث هو أن
الصحفيين (الغربيين) لا يروون الحكاية من المنظور الإسرائيلي فحسب بل يعيشون في
أجواء تلك الحكاية.