نشر موقع "
بلومبيرغ" تقريرًا تناول
عدة علامات تدل على اقتراب عملية التخفيض النقدي للعملة
المصرية في المستقبل،
مسلطًا الضوء على تدهور الاحتياطيات النقدية وزيادة الديون الخارجية وتباطؤ النمو
الاقتصادي التي قد تكون مؤشرات على حاجة مصر إلى تقليص قيمة عملتها.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته
"
عربي21"، إن مصر غارقة في أزمة اقتصادية مرهقة تركت سكانها في حالة من
عدم اليقين، ولكن هناك شيء واحد يبدو مؤكدًا تمامًا؛ أن هناك تخفيضًا آخر لقيمة
العملة في الطريق.
وستكون هذه الخطوة المتوقعة هي الجولة الرابعة
الرئيسية والأكبر من الضعف للجنيه المصري منذ أوائل عام 2022، وإذا تم تنفيذه بشكل
صحيح، فقد يساعد في تقريب نهاية أسوأ أزمة عملة صعبة تشهدها البلاد منذ عقود، ما
يجذب رأس المال الأجنبي إلى الاقتصاد البالغ حجمه 400 مليار دولار وينقذه من حافة
الهاوية.
وأشار الموقع إلى أن مصر تواجه احتياجات تمويلية
إجمالية تقدرها مجموعة غولدمان ساكس بنحو 25 مليار دولار على مدى السنوات الأربع
المقبلة.
لكن التوقيت يعتمد على مجموعة من القضايا
الخارجية والمحلية، مع قلق السلطات من التأثير الذي قد يخلفه ارتفاع التضخم على
السكان الذين يعانون بالفعل، وفي ما يأتي خمسة مجالات رئيسية تجب مراقبتها..
تضييق الفجوة بين السوق السوداء وسعر الصرف
الرسمي
أوضح الموقع أنه بعد وصول
الجنيه إلى مستوى
قياسي بلغ أكثر من 70 جنيهًا للدولار الأمريكي في
السوق السوداء في مصر في وقت
سابق من هذا الشهر، فقد شهد الجنيه انعكاسًا جزئيًا، ومع حملة القمع الجديدة التي
أجبرت العديد من التجار غير الشرعيين على إغلاق عملياتهم، يتراوح المعدل الآن بين
60 و65 جنيهًا للدولار.
ورغم أن السعر لا يزال حوالي ضعف السعر الرسمي
الذي يبلغ حوالي 30.9، فإن المزيد من تجميد السعر سيجعل من السهل خفض قيمة العملة.
وذكر الموقع أن سوق المشتقات الذي يستخدم للتحوط
من المخاطر والمضاربة، يشير إلى انخفاض حاد في قيمة العملة المصرية في المستقبل
حتى مع قيام التجار بتقليص الرهانات على انخفاض العملة المصرية، وتراجعت العقود
الآجلة غير القابلة للتسليم على الجنيه بشكل طفيف من مستوى قياسي مرتفع.
وترى بعض البنوك العالمية تعديلاً أصغر مما
توقعه المستثمرون، ويتوقع بنك سوسيتيه جنرال أن تسمح مصر لسعر الصرف بالتراجع إلى
نطاق 40- 45، وهو توقع مشابه لتوقعات دويتشه بنك.
وبحسب آنا فريدمان وأوليفر هارفي، الاستراتيجيان
في دويتشه بنك، فإنه من المرجح أن تتحرك السلطات بحذر في ضوء الخلفية الخارجية غير
المؤكدة والمتقلبة؛ حيث يعد سعر الصرف عرَضًا وليس سببًا للوضع الصعب الذي تجد مصر
نفسها فيه.
تلميحات من صندوق النقد الدولي
وأكد الموقع أن صندوق النقد الدولي يحث مصر منذ
أشهر على إضعاف عملتها، وتعد هذه القضية .عاملًا رئيسيًا في المحادثات بشأن اتفاق
جديد موسع قد يضمن لمصر تمويلا بنحو 10 مليارات دولار.
وهذا يجعل أي تعليق من مديرة صندوق النقد الدولي
كريستالينا جورجييفا مفيدًا لدراسة الإشارات المتعلقة بتوقيت تخفيض قيمة العملة،
وقالت هذا الشهر إن الصندوق ومصر كانا في "المرحلة الأخيرة" نحو التوصل
إلى اتفاق، ووصفت العمل مع مصر بأنه "أولوية قصوى لصندوق النقد الدولي"،
وقد يكون هناك المزيد من القرائن القادمة.
ووفقًا لـ"بلومبيرغ إيكونوميكس"، فإنه بينما أصبح
الوضع أكثر خطورة بالنسبة لمصر، فإن هناك جانبا مضيئا واحدا؛ وإنه من المرجح أن يتدخل
الممولون الخارجيون – مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد الدولي وأوروبا – في وضع
يائس لتجنب حدوث جيب آخر من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
ارتفاع أسعار الفائدة
أوضح الموقع أنه عادة ما تضعف مصر عملتها
بالتزامن مع تشديد السياسة النقدية، وهي خطوة تسعى إلى كبح الطلب المحلي وجذب
الاستثمار في الأصول المحلية من خلال جعل العوائد أكثر ربحية.
وقد رفع البنك المركزي سعر الفائدة القياسي في
نفس اليوم الذي قام فيه بتخفيض قيمة العملة مرتين في عام 2022، وقام بزيادة كبيرة
قبل أقل من أسبوعين من آخر تخفيض، ورفعت السلطات في الأول من شباط/ فبراير سعر
الفائدة على الودائع للمرة الأولى منذ آب/ أغسطس إلى 21.25 بالمائة - وهو أعلى
مستوى على الإطلاق - ما لا يستبعد اتخاذ خطوة أخرى قريبًا.
وقال الاستراتيجيون في بنك سوسيتيه جنرال في
تقرير إن الخطوة الأخيرة "يمكن أن تبشر بحزمة سياسات واسعة النطاق، من
المحتمل أن يحددها صندوق النقد الدولي لفتح التمويل".
صفقات كبيرة تؤتي ثمارها
وأشار الموقع إلى أن مصر طرحت أكثر من عشرين من
الأصول المملوكة للدولة في المزاد العلني سعيًا لتأمين النقد الأجنبي، وانتعشت
المبيعات بعد بداية بطيئة؛ حيث أعلنت مصر عن أكثر من ملياري دولار في النصف الثاني
من عام 2023.
ومن الممكن أن يمنح استثمار كبير جديد السلطات
القوة المالية اللازمة لخفض قيمة الجنيه دون التعرض لخطر التجاوز، وأحد هذه
الاحتمالات ينطوي على محادثات تجريها أبو ظبي لشراء وتطوير رأس الحكمة، وهي منطقة
متميزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر، وهو مشروع قدرت تكلفته المبدئية بـ22 مليار دولار.
وأضاف الموقع أن المحللين في بنك باركليز
يتساءلون عن ما إذا كان الجدول الزمني المطول المحتمل لأي صفقة من شأنه أن
"يحقق فوائد فورية" لمصر، خاصة أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي
قد تتلقاه البلاد نتيجة لذلك غير مؤكد، وبحسب الاقتصاديين في بنك باركليز، ومن بينهم
إبراهيم رزق الله، فإن الاحتياجات التمويلية الملحة لمصر أثرت على توقعاتها، ما
يشير إلى التأثيرات المحدودة على المدى القريب لمشروع رأس الحكمة.
شهر رمضان
أفاد الموقع بأن إحدى العثرات في التوقيت تتعلق
بشهر رمضان المبارك، والذي سيبدأ هذا العام في 10 آذار/ مارس تقريبًا،
وقد يكون الموعد النهائي غير رسمي لخفض قيمة العملة قبل ذلك، إنها فترة التجمعات
العائلية الكبيرة والوجبات المسائية الواسعة، ومن غير المرجح أن تنتظر السلطات حتى
بدايته لتعرض المصريين لصدمة أسعار مفاجئة.
وربما تقوم الحكومة بإعداد السكان لارتفاع
التضخم؛ حيث أعلنت مؤخرًا عن زيادة الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة بنسبة 50 بالمئة
اعتبارًا من آذار/ مارس، إنها جزء من حزمة حماية اجتماعية أوسع تقول السلطات إن
قيمتها تبلغ نحو 180 مليار جنيه.
ووفقًا لفاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس، فإنه من المحتمل أن تسمح مصر بقدر أكبر من المرونة في الجنيه مع
الاستمرار في "إدارة سعر الصرف الرسمي في المستقبل المنظور"، ولا يزال
الطلب على العملة الصعبة مرتفعًا في وقت لا يملك فيه النظام المصرفي سيولة كافية
من العملات الأجنبية.
وأضاف سوسة أن التغلب على هذه التحديات يحتاج
إلى مزيد من تشديد السياسات، وبناء القطاع الرسمي احتياطيات كافية من السيولة
بالعملة الأجنبية قبل أي محاولة لتوحيد سعر الصرف عن طريق تخفيض قيمة العملة.