بينما يشن العدو الهمجي
عدوانه على ما تبقى من مساحة قطاع غزة؛ فيصب جام إجرامه ووحشيته على مدينة رفح ونواحيها
بوحشية لا تقل عما كان في شمال القطاع ووسطه، وأمام العجز والقهر اللذين يقطعان أكباد
المخلصين من أبناء الأمة، تثور كثير من الأسئلة حول المطلوب الممكن من المخلصين والمؤمنين
بعدالة القضية الفلسطينية، فيثور السؤال حول الدعاء لأهل القطاع ومقاومته، وإن كان
الدعاء كافيا أمام العجز والإبعاد القسري عن الحدود..
لا شك بأن الدعاء مخ
العبادة والله يحب الدعاء والإلحاح فيه؛ فلا بأس بإمطار أهلنا في غزة بالدعاء آناء
الليل وأطراف النهار؛ فذلك بعض ما يمكن أن نقدمه لهم، والاستهانة بالدعاء خطأ كبير
ونقص في الوعي والإيمان، لكن الدعاء وحده لا يكفي؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه أنه رأى إبلا قد فشا فيها الجرب، فسأل صاحبها عن إهماله علاجها، فقال: عندنا عجوز
تدعو لها بالشفاء، فقال له: "هلا جعلت مع الدعاء شيئا من القطران"؟
لا بد من الأخذ بالأسباب، ولا بد، والحالة هذه، من استعراض ما يمكننا القيام به للانتصار لأهلنا والتخذيل عنهم، في اللحظة التي تنزف فيها دماؤهم على مذبح العهر السياسي الغربي اللعين، والتواطؤ العربي المشين
إذا لا بد من الأخذ
بالأسباب، ولا بد، والحالة هذه، من استعراض ما يمكننا القيام به للانتصار لأهلنا والتخذيل
عنهم، في اللحظة التي تنزف فيها دماؤهم على مذبح العهر السياسي الغربي اللعين، والتواطؤ
العربي المشين..
أولا، وقبل كل شيء: علينا
ألا ننسى وقائع وأصداء طوفان الأقصى، ما حدث وما يحدث في غزة من العملية التي قام بها
رجال
المقاومة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومن ثم تصديهم لقوات الاحتلال المتوغلة في
القطاع، ووحشية العدو وإجرامه بحق المدنيين، والدعم الغربي للكيان، وأن ننقله للأجيال
القادمة، وندونه في كتبنا وكتاباتنا بكل أجناسها، من مقالة ودراسة وقصة وقصيدة ومسرحية،
وتغريدة، وما إلى ذلك، وألا نمل من عرض ما حدث بكل الوسائل الممكنة في كل وسيلة إعلامية
ممكنة.
ثانيا: أن نركز
على جرائم الاحتلال ونكشفها للعالم، وأن نتعمد تكرار العبارات والمصطلحات الإجرامية
ونتحدث بها ونكتب عنها ونصورها، من مثل: الإبادة الجماعية.. جرائم الحرب.. الفاشية
الصهيونية.. المذابح الوحشية.. الغطرسة الصهيونية.. التطهير العرقي.. الفصل العنصري،
التمييز العنصري.. قتل الأطفال والنساء، الحرب الوحشية.. الإرهاب الصهيوني.. التطرف
الديني.. المعايير المزدوجة، وغيرها من المصطلحات التي يجب أن تحفر عميقا في ضمير البشرية..
ثالثا: أن نستمر في المقاطعة، فقد بدأت
أصداؤها تظهر في الصحف الأمريكية والأوروبية، لكبير أثرها. ولا أريد هنا أن أكرر المعلومات
حول خسارة كثير من الشركات العالمية التي تمول الكيان الصهيوني؛ مثل ماكدونالدز وستاربكس
وغيرهما؛ فقد خسرتا المليارات باعترافهما، وخصوصا في أسواق تركيا وإندونيسيا وماليزيا
ومعظم الدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن وليبيا.. ومما يثلج الصدر ما نشاهده في
البقالات من رفض الأطفال لكثير من أنواع الحلويات والألبان المحلاة، حيث يدققون فيما
يشترون، ويرفضون كل ما له صلة بالشركات العالمية مثل نستلة وشركات الكوكا والبيبسي
وما شابه.. ومن الطرائف أن تقرأ على جدران محلات كارفور في بعض الدول العربية عبارة:
نحن مع المقاومة الفلسطينية، وضد الكيان المحتل؛ لكنك إذا دخلت محلات كارفور، بالكاد
تجد بعض المتسوقين، في حين تجد المتاجر الأخرى الكبرى مزدحمة بالمتسوقين..
المقاطعة آتت أكلها، والتقليل من شأنها إما جهل وإما تآمر على القضية الفلسطينية. وعليه، فلا بد من الاستمرار في المقاطعة إلى الأبد، وعلى أصحاب رؤوس الأموال المخلصين أن يستثمروا أموالهم في بدائل مشابهة لتلك الشركات المقاطَعة من قبل مؤيدي القضية الفلسطينية
إذا فالمقاطعة آتت أكلها، والتقليل من شأنها إما جهل وإما تآمر على القضية
الفلسطينية. وعليه، فلا بد من الاستمرار في المقاطعة إلى الأبد، وعلى أصحاب رؤوس الأموال
المخلصين أن يستثمروا أموالهم في بدائل مشابهة لتلك الشركات المقاطَعة من قبل مؤيدي
القضية الفلسطينية؛ تشجيعا للمقاطعين على استمرار المقاطعة، إضافة إلى كون ذلك استثمارا
مجديا للمستثمر الذي سيحل مكان هذه الشركات الممولة للكيان المحتل. وأيضا لا بد من
الإشادة بمستوى أداء شريحة من الشباب الواعي الذي قام بتصنيف الشركات التي تتعاطى مع
الكيان، بشكل رائع ومنظم يستحق التقدير.
رابعا: التبرع بالمال لأهلنا المنكوبين،
وألا نستهين بالقليل، فالقليل حين يتراكم يصبح كثيرا، ولنا أن نتخيل لو أن كل عربي
ومسلم تبرع بدولارين أو ثلاثة فقط كم سيكون الناتج الذي يمكن أن يدفع باتجاه تحسين
الأوضاع في غزة، والقضاء على الجوع والحرمان، علما بأن هناك تطبيقات مأمونة للتبرع،
وهناك وسائل لا يعدمها الراغب في التبرع؛ لإيصال تبرعه إلى المستحقين.
خامسا: ألا نتوقف عن الخروج في التظاهرات
وأن نحث أهلنا والمقربين على المشاركة فيها؛ ففي حين بدأت الشعوب العربية تتقاعس عن
المشاركة في التظاهرات؛ نجد في دول الغرب ما يحيل إلى الدهشة من تظاهرات ضخمة تهز الأرض
تحت أقدام الحكومات. إذا فالمسألة ليست فورة دم سرعان ما تهدأ؛ بقدر ما هي مبدأ وموقف
يجب ألا يتراجع ولا يتوقف. ولعل التظاهرات الضخمة من أهم ما يمكن فعله هذه الأيام على
وجه التحديد، لا سيما ورفح تتعرض لأسوأ حالة إجرامية يمكن تصورها.
سادسا: الحرب الإلكترونية أو ما يطلق
عليه "حرب الميديا" لا تقل أهمية عن التظاهرات، بل إن أثرها يستمر طويلا
على عكس التظاهرات، ويكتب في صفحات التاريخ؛ فعلى كل من يمتلك قلما حرا أن يكتب وينشر
وينشئ محتويات رقمية ذات قيمة ومعنى وتأثير، ولا ينبغي لنا التقاعس عن مثل هذه الإنجازات
الحضارية عالية المستوى والتأثير، لا سيما حين نستطيع الكتابة بأكبر عدد من اللغات
الحية لإيقاظ مزيد من ضمائر الشعوب.
كل ما أتمناه أن نصل إلى درجة من الوعي والإنجاز الذي يصب في صالح القضية وأبناء شعبنا الصابر الصامد في قطاع غزة والضفة الغربية التي تتعرض يوميا للبطش والإجرام الصهيوني
سابعا: أن نُظهر -بكل وسيلة ممكنة-
تعاطفنا وتأييدنا واندماجنا المعنوي والمادي مع أهلنا في قطاع غزة؛ وأن نتواصل معهم
كلما أتيح لنا ذلك، أو نترك لهم رسائل التعاطف والمودة في نوافذ رسائلهم، ودعمهم معنويا
وإشعارهم بأننا معهم بكل ما نستطيع؛ فذلك مما يعزز صمودهم، ويقوي عزائمهم، ويشعرهم
بأنهم ليسوا وحدهم.
ثامنا: أن نحرص على نقل الأخبار التي
ترفع المعنويات إلى منصات التواصل الاجتماعي، وأن نحذر وسائل الإعلام المغرضة، وخصوصا
إعلامَ الدول العربية المطبعة مع المحتل، وإعلام العدو الصهيوني والمحطات المتآمرة
في الغرب، وفضحها بكل الوسائل الممكنة.
تاسعا وأخيرا، أن نستمر في صَلاتنا
ودعائنا، فرب دعوة صادقة يكتب الله لها القبول، وتصيب العدو في مقتل، وليقم كل منا
بالتخلي عن معصية أو ذنب أو عادة سيئة، موجهين بركة ذلك لأهلنا في غزة، مع الإلحاح
في الدعاء..
كل ما أتمناه أن نصل إلى درجة من الوعي والإنجاز الذي يصب في صالح القضية وأبناء
شعبنا الصابر الصامد في قطاع غزة والضفة الغربية التي تتعرض يوميا للبطش والإجرام الصهيوني..