منذ بضعة أيام أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية
وصول شاحنات بعدد كبير، تقف على حدودها البرية، معلنة أنها وصلت من دول عربية،
وعبر طرق عربية وإسلامية صرفة، وحرصت على نقل الخبر صوتا وصورة، بتسجيل مقابلات
بين أمن الحدود الإسرائيلي، وبعض سائقي الشاحنات، وسؤاله من أين أتى؟ وعبر أي طريق
وصل؟ ليعلن أنه قادم من دول عربية كي يصل للكيان الصهيوني بالبضائع.
العجيب أن المعلن ـ كالعادة ـ هو الكيان
الصهيوني، الذي اعتاد على فضح عملائه، والمتعاونين معه، فدوما ما يعلن عما بينه
وبينهم، سواء كان على مستوى دول عربية، أو على مستوى أهل الداخل
الفلسطيني، في
السلطة وغيرها، ولا يخجل من إعلان التعاون، ولو كان ذلك في أمور مخجلة لحليفه أو
عميله.
وله أهداف من فضح عملائه، أو الإعلان
بأدوارهم معه، فيضمن بذلك عدم وجود خط رجعة عما تعاونوا به، ولإبراز حجم المطبعين
معه، وأنهم في تزايد، وفي استمرار بلا انقطاع، ورسائل أخرى منها ما يتعلق بالشعوب،
وتثبيت أن كل شيء يدور في بلدانهم وحولهم، لا يتم إلا بمعرفة ورضا الكيان عنه.
كما أنه بهذا الإعلان عن الجسر البري، يريد
أن يمسح بعضا مما لحقه من العار والمهانة من أحداث السابع من أكتوبر، ومحاولة
ترميم صورته لدى شعبه، بأن الدول المجاورة والبعيدة عربيا صلاتها معه ممتدة
ودائمة، بل متعاونة إلى أبعد حد، ولو كان التعاون ضد مصالح بلدانهم وشعوبهم،
فالمهم لديهم أن يبقوا حكاما على كراسيهم، ما دام الكيان راض عنه.
نحن الآن أمام وقائع خيانة رسمية للمسلمين، لا يجد فيها شيخ مترخص أي رخصة لهذه الأنظمة، فالمسلمون في ظل حرب يقتلون من عدوهم، وهم مظلومون، وأصحاب أرض محتلة، وطالت الحرب الأطفال والنساء والمسنين رجالا ونساءا، ثم امتدت يد بالعون إلى العدو، ما حكم هذه اليد وصاحبها في عقيدة هؤلاء وفقههم؟
في الوقت نفسه، يتم منع العون عن
غزة، في
أبسط حقوقها العربية والإسلامية والإنسانية، في ظل حصار خانق طال الجميع، مع
ارتفاع وتيرة
الحرب ومجازرها، وأعداد الشهداء والجرحى بالآلاف المؤلفة، في ظل
تبادل التخلي عن المسؤولية عن المعابر التي على حدود غزة وفلسطين، من الذي يغلقها:
دول الجوار أم الكيان؟ وقت الحساب الدولي والمعلن، يتم التخلي عن الحلفاء، ويخلي
الاحتلال مسؤوليته عن ذلك، وغالب الظن أن هذه الدول التي أقامت جسرا بريا، هي من
تطوعت بذلك، دون طلب من الكيان، فقد وصلت بهم العمالة والتواطؤ حد عدم انتظار
الطلب، بل إن أحلام الكيان صارت أوامر لا بد أن تنفذ قبل الطلب!
بينما تقوم أنظمة على الحدود مع غزة، ببناء
حواجز عازلة، عالية من فوق الأرض ومنخفضة جدا أسفلها لمنع أي تهريب، أو أنفاق،
بينما تمر هذه البضائع والجسر البري عبر بلدان عربية وإسلامية لكيان محتل، لا تعني
مساعدته سوى الخيانة سياسيا، والاتهام في الدين دينيا.
هل فقط الخيانة وعدم مراعاة الحكم الديني
والشرعي في فعلهم، هو دافع هؤلاء الأنظمة لمعونة الاحتلال؟ لا يمكن أن نغفل جانبا
آخر مهم، يستحضره هؤلاء الحكام، وقد ذكرهم به نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، بأنهم
لو تركوا أهل غزة لتحقيق أي درجة من النصر، فإن الدور قادم عليهم من شعوبهم، فإن
من يهزم جيشا كجيش الاحتلال، سيوحي لشعوب أكثر قوة، وأكثر منعة، من الشعب الغزاوي
والفلسطيني، بأنهم قادرون على النصر، وقادرون على إزاحة هؤلاء الحكام الخونة من
على كراسيهم.
إذا كان الملاحظ في هذا الخبر المشين، سقوط
أنظمة عربية في مستنقع الخيانة، فإن هناك مستوى آخر سقط معهم، وهو مستوى الخطاب
العلمائي في هذه البلدان وغيرها، فقد كان كثير من هؤلاء المشايخ في هذه البلدان في
قضايا على مستوى الأفراد، أو مستوى الجماعات الدينية، في قضايا بسيطة جدا كتهنئة
غير المسلمين بأعيادهم، تخرج فتاوى التحريم وتصل للاتهام في العقيدة، من باب
الولاء والبراء، وهو
رأي فقهي يتسع للخلاف الفقهي.
بينما نحن الآن أمام وقائع خيانة رسمية
للمسلمين، لا يجد فيها شيخ مترخص أي رخصة لهذه الأنظمة، فالمسلمون في ظل حرب
يقتلون من عدوهم، وهم مظلومون، وأصحاب أرض محتلة، وطالت الحرب الأطفال والنساء
والمسنين رجالا ونساءا، ثم امتدت يد بالعون إلى العدو، ما حكم هذه اليد وصاحبها في
عقيدة هؤلاء وفقههم؟
إن المجامع الفقهية والمؤسسات الرسمية من
قبل قالت كلمتها في هذا الفعل المشين، ويعلم هؤلاء المشايخ الحكم الشرعي فيهم، وفي
خيانتهم وتواطئهم، لكن صوتا واحدا لن يخرج، لأن الإنكار عندهم يكون على الأفراد،
أما الأنظمة الباطشة ـ تحديدا ـ فالصمت هو الموقف الوحيد لهم، والفتوى مصدرها
عندهم: ولي الأمر، وليس النص الشرعي، وإذا خالف ولي الأمر النص، فعليهم تأويل
النص، أو تضعيفه آنذاك.
Essamt74@hotmail.com