لطالما ظلت
الخيمة وقبل نكبة الشعب
الفلسطيني في العام 1948م لا تشكل
أي أهمية للفلسطينيين، إلا أنها وبعد هذا العام تحولت هذه الخيمة إلى صفة ملتصقة
بالشعب الفلسطيني كمحطة انتظار لعودته حتى ينال الحرية والاستقلال.
وباتت الخيمة ومنذ أكثر من 75 عاما تعبر عن مأساة ومعاناة وتهجير
الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، سواء خيمة عام 1948م أو 2023 ـ 2024م.
وأقام الفلسطينيون الآلاف من الخيام بعدما نزحوا من شمال قطاع غزة إلى
جنوبها بفعل الحرب التي يتعرض لها قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول / أكتوبر
الماضي.
ولم تكن الخيمة تشكل أية أهمية في حياة الشعب الفلسطيني قبل النكبة
غير أنها بقيت محطة انتظار لمرحلة قادمة تمسك بها الشعب الفلسطيني لأنها عنوان
نكبتهم، ورفضا للتوطين، وذلك بحسب الخبراء.
ولم يعرف الفلسطينيون قبل عام 1948م، الخيمة ولكنهم عرفوها حينما
هجرتهم العصابات الصهيونية من أراضيهم وبيوتهم بقوة السلاح واضطروا للعيش فيها
بشكل مؤقت لحين عودتهم إليها، لتتحول الخيمة خلال أكثر من 7 عقود إلى رمز وطني
ومحضن للمقاومة وهاجس يطارد الاحتلال الذي يحلم بالتخلص منها بأي طريقة كونها أحد
الشهود على النكبة.
وشردت العصابات الصهيونية بعد احتلالها المدن والقرى الفلسطينية عام
1948م قرابة 750 ألف لاجئ فلسطيني أقاموا مخيماتهم على مقربة من قراهم بشكل مؤقت
لتكون لهم مأوى لحين عودتهم ليتكاثروا ويصبح عددهم الآن قرابة 6 ملايين لاجئ، كما
هجرت قوات الاحتلال منذ بدء الحرب على غزة قرابة 1.5 مليون فلسطيني من منازلهم
شمال قطاع غزة إلى جنوبي القطاع.
وأكد أنور حمام، وكيل دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير
الفلسطينية على أن الخيمة ارتبطت ارتباطا وثيقا بالشعب الفلسطيني وأصبحت جزءًا من
ثقافته بعد النزوح الثاني إليها في العام 2023م والذي جاء بعد أكثر من 75 عاما من
اللجوء الأول في العام 1948م.
أنور حمام، وكيل دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية
وقال حمام لـ
"عربي21": "الاحتلال تعمد تدمير كافة
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة كونها شاهدة على نكبة الشعب الفلسطيني
وجوهر قضيته (
اللاجئون)".
وأضاف: "أصبح قطاع غزة مخيما كبيرا يحوي أهلنا في قطاع غزة،
تحولوا إلى لاجئين ونازحين داخليا، حيث أن أعداد النازحين تفوق 2 مليون نسمة، أي أن
أقل من 300 ألف فلسطيني فقط بقوا في منازلهم ولم ينزحوا إلى الخيمة".
وأشار إلى أن دولة الاحتلال عندما بدأت حربها على قطاع غزة أعلنت
مجموعة من الأهداف والتي تتمثل في القضاء على حركة "حماس"
وسلطتها في غزة واستعادة الأسرى، ولكن الهدف الحقيقي غير المعلن لهذه الحرب هو
"التهجير".
وأكد حمام على أنه تم الإعلان عن التهجير في وثيقة رسمية صدرت عن
الاستخبارات الإسرائيلية، مشيرا إلى أن حزب الليكود الحاكم في دولة الاحتلال ناقش
التهجير في ورقة داخله، وأن قادة إسرائيليين أعلنوا عن ذلك رسميا.
وقال: "إسرائيل تحاول أن تخلط الأوراق بين مفهوم الهجرة القسرية
والهجرة الطوعية، ولكن في الحالة الفلسطينية لا يوجد هجرة طوعية، وما يوجد هو هجرة
قسرية وذلك من خلال إجبار مجموعة من الفلسطينيين على الهجرة بأوامر رسمية بالصوت والصورة لقادة إسرائيليين أصدروا أومر لإجلاء السكان من منطقة إلى منطقة".
وأضاف: "إجلاء السكان من وسط وشمال قطاع غزة إلى الجنوب كان
الهدف الأول للاحتلال وأن يزج بأعداد كبيرة من الناس إلى الجنوب ومن ثم لما تفتح
الحدود في غفلة من الزمن يزجهم إلى شمال سيناء ولكن هذا الأمر فشل".
وعزا حمام فشل المخطط الإسرائيلي في التهجير لسببين الأول: وعي الناس
لهذا المخطط ورفضهم الهجرة، والثاني الموقف المصري المقدر من هذا الأمر باعتباره أمنا
قوميا مصريا.
وقال الناشط الفلسطيني: "الهجرة الطوعية تكون من أجل العمل أو
التعليم ومن أجل تحسين نمط الحياة ولكن ما يحدث في غزة هو هجرة قسرية بامتياز حتى
ولو بدت ظاهريا بأنها هجرة طوعية".
وأضاف: "الآن إسرائيل تسعى بكل ما أوتيت من قوة لجعل الحياة غير
ممكنة في غزة وتدمير كل مرافق الحياة الحيوية والاقتصادية والاجتماعية من أجل دفع
الفلسطينيين للمغادرة تحت دواع إنسانية، وتمنعهم من العودة إلى منازلهم".
وأكد حمام على أن عملية التهجير القسري لا زالت قائمة وتحتاج إلى
مشروع مضاد فلسطيني وعربي لإيقاف عملية التهجير الطوعي من خلال مشروع العودة.
وقال: "مشروع العودة ضد مشروع التهجير لكي يشعر المحتل أن ملف
العودة لا زال قائما على الطاولة من الناحية السياسية لدى ملايين اللاجئين في
الخارج الذين يريدون العودة لقراهم التي هجروا عنها".
وأضاف: "الأونروا ضرورة قصوى لشعبنا الفلسطيني، ونحن ندافع عن
وجودها كضرورة لأنها تمثل الاعتراف الدولي بوجود واستمرار قضية اللاجئين من
الناحية السياسية".
وأكد حمام على أن الأونروا هي صاحبة التفويض للعمل في أوساط اللاجئين
الفلسطينيين، وهي ضرورة لما تقدمه من خدمات حقيقية للاجئين فهي مسؤولة عن قطاع
التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية للاجئين في كافة أماكن عملياتها الخمسة وهي غزة
والضفة والقدس ولبنان والأردن وسوريا.
وحذر الناشط الفلسطيني من المشاريع الأمريكية والغربية لتصفية الأونروا
من خلال قطع التمويل عنها بذرائع مختلفة والتي تأتي امتدادا للمشروع الإسرائيلي
للتخلص منها ودمج عملياتها وخدماتها في مؤسسات أخرى من أجل الإجهاز على قضية
اللاجئين.
وقال: "هناك محاولات لحصار الأونروا عبر الشق المالي، وهناك
حصار حقيقي على الأونروا أدى لتقليص خدماتها ويوميا هناك ضغوط عليها".
وطالب حمام الأونروا باستعادة عملها في مدينة غزة وشمالها بعد
تهديدها من قبل الاحتلال بداية الحرب لوقف عملها والانتقال إلى الجنوب.
وقال: "يتم حصار الأونروا عبر التمويل وعبر الادعاء أنها متحيزة
للفلسطينيين وأنها غير حيادية وأنها تتعاون مع المقاومة الفلسطينية، وأن لديها
نشاطات عسكرية، وهذه كلها ادعاءات واهية وكاذبة من أجل تبرير الهجوم على الأونروا
وذلك من أجل نقل خدماتها لمؤسسات أخرى".
وأضاف: "الهجوم على الأونروا كان قبل 7 أكتوبر ولكنه تكثف بعد 7
أكتوبر، والأونروا اليوم بعد الحرب على غزة لديها ضرورة أكثر من قبل الحرب ومطلوب
من المجتمع الدولي حماية هذه المؤسسة الأممية وحماية العاملين فيها وذلك بعد
استشهاد 170 من العاملين فيها منذ بدء الحرب وتدمير العشرات من مدارسها ومقارها".
وقال الكاتب والباحث ناهض زقوت، مدير مركز المستقبل للتنمية الثقافية
وأحد النازحين على جنوب قطاع غزة: "إن الخيمة باتت التجسيد الفعلي لعملية
النفي والتهجير القسري التي تعرض لها الفلسطينيون، وهي بالنسبة للشعب الفلسطيني
ليست دلالة مكانية تشير إلى مجموعة من البشر يعيشون فحسب؛ بل هي تعبير عن حالة تمتد
إلى جميع أبناء الشعب الفلسطيني الذين تحولوا بعد 1948 إلى لاجئين في جميع أصقاع
الأرض ليتكرر الأمر معهم في العام 2023م".
ناهض زقوت أمام خيمة النزوح.
وأضاف زقوت لـ
"عربي21": "هذه الخيمة التي نعيش فيها
هي مسكن مؤقت ومحطة انتظار للاجئين وليس حياة استقرار، فمازلنا نحتفظ بمفاتيح
بيوتنا وكواشين (شهادات الطابو) أراضينا، وتراثنا الذي احتفظنا به".
وشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي يحقد على المخيمات الفلسطينية وعمل
على تدميرها وإزالتها من الوجود، وحاول أكثر من مرة توطين اللاجئين في أماكن
متفرقة، منها ما هو خارج البلاد والتي فشلت جميعًا، ومنها ما هو داخل البلاد عبر
مشاريع الإسكان والآن في نزوح أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني إلى جنوب قطاع غزة.
واتهم الناشط الفلسطيني دولة الاحتلال بالسعي لإنهاء كل ما يمت
للمخيمات واللاجئين بصلة حتى الأونروا التي أنشئت من أجلهم يحاربها ويحاول بشتى
الطرق أن يجفف مواردها لتنتهي وليسهل بعد ذلك تصفية القضية الفلسطينية.
وقال: "طابور اللاجئين على مراكز التموين يدخل في قلوب المحتلين
الرعب لأنه يؤكد يومًا بعد يوم أن هذه المخيمات حية وشاهدة على أكبر جريمة في
التاريخ المعاصر، اقتلاع شعب حي من أرضه وتراثه وإحلال عصابات تم تجميعها من شتات
الأرض محله، فالمخيمات تذكرهم بأن هذا الاحتلال لا بد زائل طال الزمان أم قصر".
وكشف زقوت الذي يقيم في خيمة في رفح الآن أن حياتهم في هذه الخيمة
حياة بؤس وشقاء، مؤكدا على أن هذه الخيام تضيق بسكانها فهي الأكثر اكتظاظًا على
مستوى العالم.
واعتبر كل فلسطيني هو ابن لمخيم، حتى لو عاش في أرقى مدن العالم، ما
دام المخيم في جوهره ليس إلا التجسيد الفعلي للمنفى.
وأكد زقوت على أن الخيمة ظاهرة غير مسبوقة في حياة الشعب الفلسطيني،
فلم تكن ظاهرة المخيم معروفة للفلسطينيين قبل عام 1948، ولكن بعد النكبة أصبح
المخيم صفة ملتصقة بالشعب الفلسطيني، وتعبر عن مأساته ومعاناته، وتهجيره من أرضه
ووطنه.
وشدد على أن الخيمة لا تشكل أية أهمية في حياة الشعب الفلسطيني غير
أنها مكان لمرحلة قادمة، ويتمسكون بها لأنها عنوان نكبتهم، ويرفضون التوطين.
وقال زقوت: "لقد حافظ الفلسطينيون على هذه الخيمة كتعبير عن
مأساتهم، ومحطة للانتقال لعودتهم إلى ديارهم، وحتى سنوات قريبة لم يكن لدى الفلسطينيين
في المخيمات أية مبادرات لعملية التغيير في شكل مكان المخيم حتى لا يشعروا
بالاستقرار، بل كان يمثل لهم محطة للعودة".
وأشار إلى أن الخيمة أشبه ما يكون بمركز إيواء كبير أقيم على عجل،
فهي الوحدة السكنية الأولى في المخيم.
وشدد زقوت على أن الخيمة تحوّلت من دلالتها على التهجير والمنفى إلى
رمز للعودة باتجاه الأرض التي رحلوا عنها قسريا، ومن رمز للذل والعار إلى رمز
للكرامة الوطنية.
ومن جهتها قالت الباحثة السياسية في الشأن الفلسطيني والإقليمي تمارة
حداد: "هجرة عام 2024م لا تختلف عن هجرة عام 1948م بسبب استخدام أداة الضغط
القسري".
تمارة حداد.. باحثة سياسية في الشأن الفلسطيني
وأضافت حداد لـ
"عربي21": "في عام 1948م تم استخدام
الترهيب والتخويف والأدوات التقليدية التي كانت متوفرة آنذاك في الضغط على
المواطنين من أجل الهجرة وإلا تم قتل المدنيين إذا لم يقبلوا بالخروج بشكل إجباري
حيث كان مصير رافضي الخروج من أرضهم القتل الدموي وارتكاب المجازر بحق المدنيين
الفلسطينيين في قرى وبلدات الفلسطينية الذين كان يقدر عددهم بقرابة مليون مواطن
فلسطيني تم تهجيرهم قسرا".
وتابعت: "فيما يتعلق بهجرة 2024 فهي لم تتغير أدواتها وإن تطورت
أسلحتها الكيماوية والتكنولوجية والدفاعية والهجومية وأداة القصف الجوي واستخدام
سياسة التجويع الممنهجة من أجل تنفيذ التهجير القسري في بادئ معركة طوفان الأقصى
لكن لم تنجح فكرة التهجير القسري للفلسطينيين نظرا لرفض الدول العربية لذلك".
واعتبرت حداد استمرار الضغط القسري على الفلسطينيين من خلال استخدام
القصف الجوي الذي قتل الآلاف من المدنيين وجرح الآلاف منهم أجبر العديد من
المواطنين على نزوحهم إلى المنطقة الجنوبية المتمثلة في منطقة رفح والمواصي.
وأشارت إلى أن خروج الآلاف من المواطنين من شمال ووسط ومنطقة خان
يونس إلى الجنوب وترك بيوتهم المقصوفة بسبب الاحتلال الإسرائيلي أدى إلى
النزول إلى الجنوب والعيش في خيمة وكأن تاريخ نكبة فلسطين 1948 تعيد صورتها ولكن
خلال عصر التكنولوجيا وعصر التحضر.
وقالت حداد: "عادت غزة إلى العصر الحجري بسبب انقطاع مقومات
الحياة وأصبحت غزة غير قابلة للحياة بشكل متعمد حتى يتم ترسيخ فكرة التهجير الطوعي
من خيمة رفح إلى خارج قطاع غزة".
وأضافت: "بعد 76 عاما من النكبة عاد الفلسطينيون مرة أخرى
ينزحون لخيمة اللجوء ولكن الخيمة الأخيرة نظرا لأن ما بعد النزوح النهائي لرفح لا
يوجد نزوح ولجوء وإنما ستكون الحالة المتوقعة هجرة أبدية إذا استمرت الحرب على
قطاع غزة".
وتابعت: "بعد إعدام مقومات الحياة في القطاع وإنهاء وجود الأونروا
لشطب فكرة اللجوء وتصفية قضية اللاجئين وكأن الحالة تطبخ بشكل ممنهج لإنهاء خيمة
اللجوء بعد تعليق مخصصات الأونروا، ما يعني إنهاء خدماتها تدريجيا للمخيمات سواء
صحيا أو تعليميا أو تموينيا ".
وحذرت حداد أنه في حال مواصلة القصف العشوائي الجوي على المواطن
الفلسطيني واستمرار الحصار التجويعي فإنه لن يستطع أن يصمد إذا فتحت له طريق إلى
سيناء نظرا لقصف منزله، ولا يوجد مدراس ولا جامعات ولا تعليم ولا مستشفيات ولا
بنية تحتية داخل القطاع.
وشددت على ضرورة الصمود والرباط للمواطن الفلسطيني ورفع الصوت عاليا
من جميع مواطني غزة للمطالبة بوقف إطلاق النار والمطالبة بالعيش الكريم وإنهاء
فكرة التهجير بالمطالبة بالعودة إلى أرضهم.