شدد رئيس قسم
البلقان في مجلس مسلمي
أوروبا، صباح الدين يشاري، على أن القضية
الفلسطينية قضية إنسانية بدليل تفاعل البشرية جمعاء معها منذ بدء العدوان الإسرائيلي، مؤكدا أن "التحولات الكبرى الحضارية عبر التاريخ بدأت من فلسطين".
وقال يشاري، في حديث خاص مع "عربي21" على هامش مؤتمر أقامه مجلس مسلمي أوروبا في مدينة إسطنبول التركية، إن "هناك عدة منطلقات للتفاعل مع ما يجري في
غزة، منها أن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية وإيمانية وقضية عقيدة. ومنها أيضا أنها قضية إنسانية كبرى".
وأضاف أن "التاريخ يبرهن على أن التحولات الكبرى الحضارية بدأت من فلسطين"، مشددا على أنه يعتقد أن "ما يحصل في فلسطين وخاصة في غزة، هو عبارة عن امتداد للتحولات الجذرية الكبرى في المسار الحضاري الإنساني".
وأشار يشاري إلى أثر صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم المجازر الإسرائيلية على الشعوب الغربية، قائلا إن "ما نراه من مشاهد صمود للفلسطينيين في غزة أحدث قفزة ميتافيزيقية إلى ما وراء المادة لدى العديد من الغربيين"، بحسب تعبيره.
ولفت إلى أن "الإنسان الغربي نسي قضية المبدأ. لذلك يقول الغربيون الآن إنه يجب أن يكون هناك قوة ما وراء المبدأ يزود هذا الانسان الفلسطيني المسلم بهذه المثابرة وبهذه القوة".
وحول تفاعل شعوب البلقان مع القضية الفلسطينية ورفضهم العدوان الإسرائيلي، أوضح يشاري في حديثه لـ"عربي21"، أنه "رغم تعتيم الإعلام الرسمي إلا أن مسلمي البلقان تضامنوا مع الشعب الفلسطيني بشكل تاريخي وغير مسبوق".
وشدد على أن "المسلمين في البلقان يرون القضية الفلسطينية على أنها قضيتهم الخاصة"، مبيّنا أن "ما يجري في قطاع غزة يرقى إلى أعلى سلم الأولويات عندنا في البلقان لا سيما عند فئة الشباب".
وتاليا نص اللقاء كاملا:
كيف ترى ارتدادات ما يحدث من قطاع غزة من عدوان متواصل على الشعوب الأوروبية عموما وشعوب البلقان خصوصا؟
أولا، القضية الفلسطينية هي قضية مبدأ لأنها قضية إنسانية، وتفاعل البشرية كلها مع القضية دلّل على ذلك وبرهن عليه. وطبعا، من أوائل من تفاعل مع هذه القضية هم المسلمون في البلقان.
وعدوان
الاحتلال على غزة كوّن نوعا من الرقيّ في الوعي بالإسلام وبالقضية الفلسطينية بالخصوص. والجانب الذي سُلّط الضوء عليه في السردية الفلسطينية لدى لمسلمين في ألبانيا هو أن قضية فلسطين ليست قضية عربية فقط وليست قضية شرق أوسطية فقط، بل هي إسلامية وهي قضيتنا كذلك، لذلك فإننا يجب أن نتفاعل معها.
وهناك عدة منطلقات للتفاعل مع هذه القضية، منها أنها قضية إسلامية وقضية إيمانية وقضية عقيدة. ومنها أنها قضية حق وأنها قضية إنسانية كبرى. ومنها أن التاريخ يبرهن على أن التحولات الكبرى الحضارية بدأت من فلسطين. ونحن نعتقد ونرى أن ما يحصل في فلسطين وخاصة في غزة ممكن أن يكون استمرارا لتحولات جذرية كبرى في المسار الحضاري الإنساني.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يستيقظ الإنسان المعاصرة لهذا الأمر، وأن يكون للمسلمين دورهم المنتظر والمنشود في إنقاذ الإنسانية.
في سياق متصل، يوجد هناك تقارير عن تزايد أعداد المقبلين على التعرف على الإسلام بشكل كبير مقارنة بما كان قبل العدوان على غزة، كيف تقيم ذلك؟ وهل هناك حقا مثل هذا التأثير في الغرب؟
هذا نتيجة طبيعية باعتقادي.. إن التيه الكبير الذي يعيشه الإنسان المعاصر عموما وخاصة الإنسان الذي يعيش ويعايش الواقع الأوروبي الغربي، جعله يتشوق إلى النور. وأنا أدعو إلى أن يطرح ويناقش هذا الموضوع وما يحصل مناقشة فلسفية وأيديولوجية لأن هناك في الإنسان المعاصر بسبب هذا الحدث تحولات فكرية كبرى.
الإنسان الغربي تكون لديه وعي بأن التلاعب بالقيم الإنسانية ممكن، وقد تم المساس بالقداسة بشكل خطير؛ قداسة الدم وقداسة الأسرة وقداسة الإنسان كإنسان بغض النظر عن اللون والإثنية، فكون الشعب الفلسطيني يثابر هذه المثابرة من أجل قضية حق، قفز بالإنسان الغربي المعاصر قفزة ميتافيزيقية كبرى إلى ما وراء المادة.
الآن الإنسان الغربي يسأل نفسه: كل هذه المثابرة وكل هذه التضحيات، كيف يمكن أن يقدمها الإنسان من أجل مبدأ؟.. لأن الإنسان الغربي والعالمي نسي قضية المبدأ تقريبا. لذلك فهو يتساءل بالقول إنه يجب أن يكون هناك قوة ما وراء المبدأ تزود هذا الإنسان الفلسطيني المسلم بهذه المثابرة وبهذه القوة وبهذا الثبات وبهذا الصبر.
بمعنى أن هذا المبدأ وهذا الحق الذي يؤمن به الفلسطيني ويخلق فيه هذا الثبات يجب أن يكون شيئا غير مادي لأن المادة لا تخلق مثل هذه القيم ومثل هذه المواقف. لذلك فإن الإنسان الغربي يسأل الآن هذا السؤال لإنه إنسان مثقف، وقد مُرّن عقله ودُرب على السؤال المستمر لفهم الحكمة وفهم العلة.
كيف تأثر مسلمو البلقان بما يحدث في قطاع غزة الآن؟
المسلمون في البلقان تفاعلوا بشكل إيجابي جدا مع ما يحصل في فلسطين وخاصة في غزة، مع أن الميديا العالمية والمحلية لم تبرز هذا الموضوع. ولكن كون المسلمين في البلقان يتابعون ما يحدث، فإنهم يتضامنون من خلال ندوات ومظاهرات مع الشعب الفلسطيني.
وأريد أن أستثمر هذا السؤال لأقول إن هذا التفاعل من الشعوب البلقانية هو تفاعل تاريخي، وهناك أدلة تاريخية على أن أواخر من خرجوا من الجنود العثمانيين من فلسطين بعيد سقوط الخلافة العثمانية هم الجنود المسلمون الألبان، حيث إنهم كانوا من المرابطين في الأقصى. وهناك عدة براهين أخرى وأدلة تاريخية لتفاعل الشعوب الألبانية والمسلمة مع القضية الفلسطينية.
وهناك ارتقاء في الوعي لدى الشباب المسلم في البلقان في ما يخص القضية الفلسطينية، فهو يتفاعل كأنها قضيته وليست قضية العرب ولا قضية محلية... هي قضيتهم. والآن مع ما يجري في قطاع غزة فإن فلسطين ارتقت إلى أعلى سلم الأولويات عندنا في البلقان لا سيما عند فئة الشباب.