أعلن المجلس العسكري الحاكم في
مالي إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة في مالي، الموقع عام 2015 بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية بإشراف من الجزائر، ما ينذر بتصعيد جديد في المنطقة.
وقال بيان صادر عن المتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد الله مايغا، حصلت "عربي21" على نسخة منه، إن قرار إنهاء الاتفاق يعود إلى "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة" على الاتفاق، وكذلك "الأعمال العدائية" من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر.
وأشار بيان الحكومة المالية، إلى "عدم قدرة الوساطة الدولية على ضمان الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتق الجماعات المسلحة الموقعة، بالرغم من الشكاوى التي تقدمت بها الحكومة الانتقالية، عبر رسالة وزير المصالحة والسلم والتماسك الوطني، المكلف باتفاق السلم والمصالحة الوطنية بتاريخ 24 فبراير 2023، والموجهة إلى السلطات الجزائرية التي تولت قيادة الوساطة".
ما هو اتفاق المصالحة
اتفاق وقع عام 2015 بين الحكومة المالية المركزية والحركات الأزوادية (
الطوارق) برعاية جزائرية ودعم دولي.
وينص الاتفاق على جملة من القضايا بينها دمج المتمردين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق الشمال المالي.
ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان
الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
وسبق أن اتهمت الحركات الأزوادية مرارا الحكومة الانتقالية المالية بالتخلي عن الاتفاق، لكن المجلس العسكري أشار في بيانه إلى "الاستحالة الكاملة للاتفاق"، معلنا "إنهاءه بأثر فوري".
ويأتي قرار إنهاء العمل بهذا الاتفاق من طرف باماكو، عقب اندلاع القتال بين الحركات الأزوادية والجيش المالي، بعد سنوات من الهدوء، حيث سارع الجانبان إلى سد الفراغ الذي خلفه انسحاب قوات حفظ
السلام التابعة للأمم المتحدة.
كما يأتي كذلك بعد توتر في العلاقة بين الحكومتين المالية والجزائرية، وصل مستوى تبادل استدعاء السفراء، قبل أن يتم التراجع عن ذلك لاحقا.
رد حركات الطوارق
وفي ردها على قرار باماكو إنهاء العمل باتفاق المصالحة قالت "تنسيقية الحركات الأزوادية" (الطوارق) إن قرار العسكر الممسكين بزمام السلطة في مالي إنهاء العمل بالاتفاق لم يكن مفاجئا لها.
وأوضحت هذه الحركات في بيان: "كنا نتوقع ذلك منذ أن أحضروا فاغنر، وطردوا بعثة الأمم المتحدة، وبدؤوا أعمالا عدائية بمهاجمة مواقعنا على الأرض".
تداعيات القرار
ويتوقع متابعون أن يتسبب قرار باماكو إنهاء العمل باتفاق المصالحة، بتصاعد التوتر بشكل كبير في المنطقة التي تعاني أصلا هشاشة أمنية وينتشر فيها السلاح على نطاق واسع.
ويرى الخبير المختص في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك، أن إنهاء العمل بهذا الاتفاق يؤذن بتصاعد التوتر بين الجيش المالي والحركات الأزوادية.
ولفت في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الحركات الأزوادية ستقاطع الحوار الداخلي الذي دعا له الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا والذي أعلن أن هدفه هو أن تكون حلول الشؤون المالية نابعة من الداخل، والماليون هم مصدرها "وهذا يتناغم مع شعار السيادة الذي رفعته السلطات الحالية بعد انقلابيها العسكريين، وإن كان ذلك ليس سوى مسعى للبقاء في السلطة".
وأضاف ولد السالك: "لكن الحركات الأزوادية، ترى أن لا قيمة لحوار أو اتفاق، ليست له ضمانات خارجية، وبالتالي سيبقى بون الخلاف شاسعا، وقد يكون ذلك سببا في تجدد الحرب بين الطرفين".
وأشار ولد السالك إلى أن إنهاء العمل بهذا الاتفاق ومضامين بيان الحكومة المالية، هو بمثابة فصل جديد من فصول التوتر الدبلوماسي المتصاعد بين الجزائر والمجلس العسكري الانتقالي الحاكم في باماكو.
وأضاف: "يبدو في الواقع أن المجلس العسكري المالي، لم يتجاوز بعد المشكل السابق الذي كان سببا في استدعاء الطرفين لسفيريهما قبل فترة".
ورجح المتحدث أن يتصاعد التوتر في علاقات الجزائر ومالي "لأن الحكومة الانتقالية الحالية تعتبر أن ما تقوم به الجزائر هو مساس بسيادتها وتدخل في شؤونها الداخلية، واتفاق السلم والمصالحة كان يشكل خيطا ناظما لمستوى كبير من العلاقات بين البلدين الجارين".
مخاطر أمنية ونزوح
من جهته يرى الباحث المهتم بالشأن الأفريقي سيد أحمد محمدو، أن إنهاء العمل باتفاق المصالحة بين مالي والحركات الأزوادية المسلحة بالشمال، ينذر بمخاطر أمنية في المنطقة بشكل عام وفي مالي بشكل خاص.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن إنهاء العمل بالاتفاق يعني أن الحركات الأزوادية ستستأنف مباشرة الأعمال المسلحة ضد الحكومة المالية، فيما سيكثف الجيش المالي من هجماته بمدن الشمال المالي.
وتوقع أن يتسبب ذلك في موجة نزوح جديدة من شمال مالي نحو موريتانيا التي تستضيف حاليا آلاف اللاجئين الماليين.
ومنذ 2012 يتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا بسبب الصراع العسكري متعدد الأطراف في مالي، فيما عرفت الأشهر الأخيرة تضاعف أعداد اللاجئين، حيث بلغ عددهم أكثر من 120 ألف لاجئ مالي يعيشون في مخيم "إمبره" بولاية الحوض الشرقي، شرق موريتانيا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وكانت الحكومة الموريتانية وجهت قبل أسبوع نداء إلى المجموعة الدولية من أجل "تدعيم التضامن والتعاون الدوليين، حتى يظل اللاجئون الماليون في موريتانيا يتمتعون بالحماية، وحتى لا تكون الأعداد الجديدة المتوافدة سببا في تراجع المكاسب المحققة في مجال التنمية المستديمة واللحمة الاجتماعية".
ما هو إقليم أزواد؟
إقليم أزواد الذي يطالب الطوارق بانفصاله عن مالي هو منطقة في شمال دولة مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.
ويتكون سكان الإقليم من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب الـ66% من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.
وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان هذا الإقليم بالانفصال عن الجنوب المالي. وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.